مقالات

توقفــــوا عن توظيــــف التاريــــخ وتحريفـــــه: أحـــــداث عاشــــــوراء

أ. لخضر لقدي/

نحن نحب آل البيت ولسنا شيعة ونوحد الله ولسنا وهابية، ومناسبة عاشوراء مآثر لآل البيت وليست فرصة لصنع الكراهية وتجديد الأحقاد كل عام.
وعاشوراء ترتبط بكثير من الأحداث منها ما يصح ومنها ما لا يصح، ذلك أن حوادث التاريخ إنما تقوم على صحة السند.
وقد تحدث بعض المؤرخين عن أحداث كثيرة وقعت في عاشوراء منها: أن الله تاب فيه على آدم، ونجى فيه نوحا واستوت سفينته على الجودي، وأنقذ إبراهيم من نمرود، ورد الله يوسف إلى يعقوب، ونجى موسى من فرعون، وغفر لداود، وفيه وهب سليمان ملكه، وأخرج نبي الله يونس من بطن الحوت، ورفع الله عن أيوب البلاء.
وإذا كانت أحداث التاريخ إنما تثبت بصحة السند ،فهذه الأحداث ثابتة الوقوع حكاها القرآن وروتها السنة دون تحديد تاريخ وقوعها كما هو الحال في القصص القرآني أو القصص النبوي إذ القصد أخذ العبرة والاعتبار، أما ما وقع منها في يوم عاشوراء تحديدا فلم يثبت منها إلا نجاة موسى عليه السلام، ففي الصحيح «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ، وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ عَاشُورَاءَ وَهُوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى، وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ، فقال: نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ، ثُمَّ دعا إلى صومه.
وشاءت إرادة الله أن يكون استشهاد الإمام أبي عبد الله الحُسين بن علي بن أبي طالب رضى الله عنهما على أيدي فئة ظالمة في موقعة كربلاء الشهيرة في شهر الله المحرم، بل في اليوم العاشر منه، بعد أن غدر به بعض أتباعه.
استشهد الحسين -رضي الله عنه – يوم عاشوراء سنة إحدى وستين للهجرة، وأصيب معه ستة عشر رجلاً من أهل بيته ما على وجه الأرض يومئذ لهم شبيه كما قال الحسن البصري.
وأكرم الله الحسين وأهل بيته بالشهادة على أيدي فجرة ظلمة, وهي فاجعة كبرى مروعة ومفجعة ملأت قلوب المؤمنين حزنا وحسرة وأسى ومرارة وألما.
والمسلمون يحفظون آيات الولاء والحبّ تجاه النبي المصطفى -صلى الله عليه وسلم – وصحابته الأخيار، ويحبون آل البيت الأطهار ويظهرون ولاءهم واحترامهم ومودتهم، ويرعون حقوقهم تقربا إلى الله تعالى ووفاء للنبي صلى الله عليه وسلم.
واختلف في الموضع الّذي دفن فيه الرأس فقيل في دمشق، وقيل في كربلاء، مع الجثة، وقيل في مكان آخر، ولذلك تعددت المراقد.
وقد اتخذت طائفة من المسلمين هذا اليوم يوما للبكاء والنواح، والندب والصراخ، والتسخط على قتل الحسين رضي الله عنه، يعذبون أنفسهم، ويسيلون الدماء من وجوههم وصدورهم وظهورهم، ويلطمون الخدود، وينتفون الشعور، ويتقربون بضرب الأبدان بالسلاسل والسكاكين، ويصنعون الكراهية ويجددون الأحقاد, ويتنادون بأخذ الثأر للحسين، لا ندري ممن يُؤْخَذ هذا الثأر؟،ولفائدة من؟ وهل قاتل الحسين رضي الله عنه ما زال حيا يعيش بين أظهرنا؟.
وصيام عاشوراء شرع قبل مقتل الحسين بأكثر من خمسين سنة, فلماذا يكره الشيعة صيام هذا اليوم؟، وقد كان لعلي -رضي الله عنه – أحد عشر ولدا من الذكور أكبرهم الحسن ,وقيل أن عدد أبنائه بلغ أربعة عشر ولداً، وسبع عشرة بنتاً،فلماذا يغيب ذكر كل هؤلاء؟.
وعليٌّ أفضل من الحسين، وهو رابع الخلفاء الراشدين ،قُتل ولم يتخذوا موته مأتماً، وقتل عثمان وعمر ومات أبو بكر رضي الله عنهم، وتوفي سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم – ولم يقع في يوم موته ما هو حاصل في مقتل الحسين.
وما أدق عبارة الشيخ الغزالي وهو يصف الجزائريين «إنهم يحبون آل البيت وليسوا شيعة ويوحدون الله وليسوا وهابية».
وقد نشأنا صغارا وعلق في أذهاننا الاكتحال والتشلاط يوم عاشوراء، واستعمال بخور عاشوراء قصد رد العين ودفع الحسد والنكد والسحر وكل أذى، وهذه تصرفات واعتقادت لا تصح ولا يليق بالمسلم أن يعتقد أنها من سنن عاشوراء.
والمسلم ولي كل صالح وعدو كل كافر ومنافق, لا يتاجر بدماء الأشراف في كربلاء ولا في غيرها، ويعتبر أيام النصر أياما عظيمة من أيام الله، ويرى أنه أولى بالصالحين من عباد الله,والإمام الحسين في قلوبنا هو سيدنا وابن بنت نبينا، نحبه ونتولاه، ونعتقد أن حبه -رضي الله عنه وعن أبيه- من أوثق عُرى الإيمان، وأعظم ما يتقرب به إلى الرحمن.
ونعتقد أنه قتل مظلومًا مبغيًّا عليه، ونبرأ إلى الله من كل فاجر شقي قاتله أو أعان على قتله أو رضي به، ونعتقد أن ما أصابه فمن كرامة الله له، وأنه رفعة لقدره، وإعلاء لمنزلته رضي الله عنه.
وعاشوراء يوم التفاؤل بسقوط الطغاة,سقوط فرعون ونجاة سيدنا موسى، وليس يوما لنصرة الطغاة والبغاة والظالمين، وكل عاشوراء والجزائر بخير.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com