مـــا الذي غــــيّـر هـــــذا الجيل؟
بقلم أمال السائحي/
يتساءل الآباء والأمهات عن تمرّد أبناءهم وكسرهم قيد الطاعة المنشودة، يتساءلون لماذا عاد أبناؤهم على هذه الشاكلة التي خالفوا بها ما فرضه ربّ العباد من طاعة واجبة للوالدين واحترام مفروض للكبار ولأولى العلم، ويتساءلون: كيف ولماذا أصبح جيل اليوم بهذه الشخصية المتمرّدة، شخصية كلها بذاءة وتعنت ونكران للجميل، وراح الكلّ يتساءل بحدة عن هذه الظاهرة الطارئة التي استفحلت في بيوت وأسر كثيرة، حتى بتنا نجد الأم والأب يشتكيان من سوء معاملة أبنائهم لهما، وليس هما فقط، بل حتى الأهل والأقارب والجيران..
في وقت مضى كانت الأسرة تنعم بالكثير من التفهم والحب والتقدير من طرف أبناءها، كان الوالدان أو الجد والجدة أو الأخوال والأعمام، يحتلون مكانة ويحظون باحترام وحب وتقدير من طرف الأبناء والأحفاد، وحتى الجيران كانوا يحظون بتقدير كبير، ولكن هذا الجيل صارت تغلب عليه البذاءة، خاصية التشدق بالكلمات النابية، وأعطى لنفسه الحق في الانتقام بكل الوسائل المتاحة له، ولا يهتم مطلقا للكيفية والطريقة، التي ينفذ بها انتقامه ومن الملاحظ كذلك أن الكثير من الدورات التدريبية في التنمية البشرية جلها عن موضوع الأطفال والتمرد، الأطفال وعدم الرغبة في التمدرس، الأطفال والعنف الأسري، وكلّ ذلك لا يشير إلى مجرّد وجود هذه الظاهرة، بل يؤكد تفاقمها واستفحالها، فإلى ماذا يرجع الخبراء هذه الظاهرة الخطيرة التي أرّقت المجتمع، وشغلت الناس العام والخاص منهم؟:
بديهي أن يعرف من خَبِر السلوك الإنساني، كالباحثين الاجتماعيين، والخبراء النفسيين، والمربين، أن كل شيء له أسبابه ودواعيه، فلاشيء يأتي من فراغ، أو يولد من عدم، فبم يعلل هؤلاء الخبراء السلوكيون انهيار المنظومة الأسرية؟ وما أسباب هذه الظاهرة التي عمّت وطغت؟
هناك عدة عوامل يركز عليها الخبراء عند حديثهم عن وجود هذه الظاهرة و الأسباب المسئولة عنها، وأهمها في نظرهم هي:
طبيعة التربية السائدة في الأسرة ومدى قربها أو بعدها عن الصّحّة مضامين المناهج التعليمية ومدى احتفائها بالمساهمة في التمكين للقيم النبيلة في عقول ونفوس المتعلّمين مدى مساهمة هياكل الثقافة من مراكز ثقافية ومسارح وسينما وإذاعة وتلفزيون في الترويج للقيّم السليمة في المجتمع صراع القيم بسب الغزو الثقافي والذي تفاقم تأثيره بفعل الوسائل التكنولوجية المتطورة الحديثة الصراع السياسي وما ينجم عنه من صراعات حتى داخل الأسر.
ولكن يبقى التأثير الأقوى للعامل الذي أوردناه أوّلا، والذي نلخصه في:
سوء التربية:
في بعض الأسر نجد أن الوالدين ليس لديهم فهم صحيح لمعنى التربية، إمّا بسبب الأمّية والجهل، أم أنهم غيرتهم العولمة قبل أن تغير أبناءهم.. وذلك بتعليم الولد أو البنت التربية الخاطئة في الرد على أبناء الجيران، أو من يكبرونه، بما لا يليق، ويشجعونه على ذلك، فيمجدونه ويجعلون منه الولد الشاطر والذكي في العائلة… فهذه كذلك قيم خاطئة وتجعل منه في النهاية إنسانا متهورا مع من يعرف ومع من لا يعرف..
كذلك يوجد من الآباء والأمهات من يقلل من نفسه وينتقدها على مرأى ومسمع من الأبناء، فتراه عندما يخطئ يصف نفسه بأسوأ الصفات والنعوت التي تبقى راسخة في ذهن أبناءه، لتجد الأبناء بعد ذلك يوظفونها لصالحهم في حالة الغضب.
في بعض الأحيان نجد المربي غافلا عن أبنائه في كل شاردة وواردة، وبسبب تهرّبه من أسئلتهم، يدفع ابنه دون علم منه إلى أن يلجأ إلى أقرانه أو جيرانه أو شبكات التواصل ليشبع فضوله، فيعطى الجواب الذي قد لا يناسب سنه، أو الجواب الذي يكون فيه هلاكه…
كذلك نقطة هامّة وهي لجوء المربي للمربي إلى القسوة المفرطة عند التعامل مع الطفل أبنا كان أو تلميذا، في كل حال ومآل، وهذا ممّا يدفع بالطفل إلى التمرد، فالقسوة والعنف لا يأتيان بخير. فضلا عن أن ذلك ممّا يفتح المجال لأصدقاء السوء للتدخل والتحول إلى طرف مؤثر في سلوك الطفل، ويفتح المجال إلى تعنت الطفل، ويدفعه إلى ركوب رأسه وشقّ عصا الطاعة.
وإذن تلك هي بعض النقاط التي يمكن أن يتجنبها آباء وأمهات هذا الجيل، ولابد لهم أن يضعوا نصب أعينهم ما يترتب عليها من آفات اجتماعية خطيرة، رغم أنّ مراعاتها أمر صعب المنال، ولكن من الجميل أن نحاول دائما، ومن الجميل أن ننظر إلى أنفسنا على أننا بشر نصيب ونخطئ، ونعود أدراجنا..بالكلمة الطيبة، وبالتضرع إلى الله بالدعاء في الشدة والرخاء…
فهل بعد هذا التساؤل والحيرة نظل نتعامل مع أطفالنا بنفس الأسلوب والوتيرة في التربية أنا على يقين أنكم معي في أنه أمر لا يليق وأذكّركم ونفسي بالآية الكريمة: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.
وصدق رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه في الحديث الذي قال فيه: ((ما دخل الرفق في شيء إلاّ زانه، وما نزع من شيء إلاّ شانه)).