نصوص ووثائق في تاريخ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والثورة/ بقلم: عبد المالك حداد
نعيش ذكرى اندلاع ثورة الفاتح من نوفمبر 1954 التي أنهت احتلالا حكم البلاد بالقهر والنار والاستيطان مدة قرن وثلث قرن، وخلال سبع سنوات ونصف، والتي كانت عمر الثورة، تجند الشعب بكل فئاته لطرد الاستدمار وجنوده.
إن الذين يعرفون الظروف التي ولدت فيها الثورة، يدركون أن هناك رجالاً كانوا يُعِدُّون لها بطرق مختلفة، ثم احتضنها الشعب وتشبع بقيمها ومبادئها، وتشكلت حولها مواقف داعمة وأخرى مستلهمة منها حضورها وقوتها وصلابتها وفعاليتها. ولكن بعض المتأخرين من تلك الحقبة وحتى أيامنا هذه، حصروا الثورة في جماعة أو حزب، ولم يكونوا منصفين عندما أثاروا جدلا عقيما حول مواقف ودور بعض الأفراد والهيئات خاصة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. ولعلهم كانوا يظنون أن التاريخ لن يبوح بوثائق ونصوص تبرهن على أن جمعية العلماء كانت في الطليعة الثورية.
1- موقف الجمعية من الثورة: بَانَ موقفها في عدة وثائق ونصوص، أبرزها المتعلقة بتأييد الثورة خلال 6 أشهر الأولى منذ اندلاعها:
– أول بيان في 2 نوفمبر 1954 من إمضاء رئيس الجمعية الشّيخ مُحَمَّد البشير الإبراهيمي ومندوبها الشّيخ الفضيل الورتلاني، عنوانه: “مبادئ الثورة في الجزائر”، وزع على الصحافة المصرية ووكالات الأنباء العالمية.
– بيان ثان في 3 نوفمبر 1954 أمضاء الشّيخ الورثلاني، ونشره في الصحف المصرية وغيرها بعنوان: “إلى الثائرين الأبطال من أبناء الجزائر اليوم حياة أو موت بقاء أو فناء”.
– بيان ثالث مفصل عن مكتب القاهرة بتاريخ 11 نوفمبر 1954 أمضاه الشيخان الإبراهيمي والورثلاني، تضمن أوسع المعلومات عن بداية الثورة في الجزائر ووزع على الصحافة المصرية ووكالات الأنباء العالمية.
– نداء للشعب الجزائري في 15 نوفمبر 1954 وجه رئيس الجمعية الشّيخ الإبراهيمي ومندوبها الشّيخ الورثلاني بعنوان: “نعيذكم بالله أن تتراجعوا” يذكرانه فيه بمساوئ الاستعمار الفرنسي في الجزائر ويحثان على خوض معركة الكفاح المسلح دون تردد، ودائما في إطار تعبئة الشعب الجزائري لنصرة ثورته.
– التوقيع على ميثاق جبهة تحرير الجزائر بالقاهرة في 17 فبراير 1955 من قبل الشّيخ مُحَمَّد البشير الإبراهيمي، والفضيل الورثلاني مع أحمد مَزْغَنَّه، ومُحَمَّد خيضر، وحسين آيت أحمد، ومُحَمَّد يزيد، والشاذلي المكي، وحسين لحول، وأحمد بن بلّة، وأحمد بيوض، أعلنوا فيه: أن الشعب الجزائري على اختلاف أفراده وهيئاته كتلة واحدة في خدمة الجزائر، والكفاح في سبيل تحريرها واستقلالها مساندين بذلك جيش التحرير، وعاملين على إنجاح الحركة الثورية القومية.
– التوقيع على اللائحة الداخلية لجبهة تحرير الجزائر بالقاهرة في 18 فبراير 1955 يحمل نفس التوقيعات، لأجل العمل على حثّ الشعب الجزائري بهيئاته وأفراده على تأييد حركة الكفاح من أجل الحرية والاستقلال وتعبئة جهودها للدعاية لصالح القضية الجزائرية بكل الوسائل الممكنة.
–بيان من جبهة تحرير الجزائر أصدره رئيس الجمعية الشّيخ الإبراهيمي في مؤتمر صحفي عقده بالقاهرة في 21 مارس 1955.
وذهبت الجمعية إلى أبعد من ذلك لنصرة الثورة عندما طلب رئيسها الشّيخ الإبراهيمي من شيخ الأزهر في 12 نوفمبر 1954 أن يؤذن في المسلمين بالجهاد لمؤازرة الشعب الجزائري، كما أشار إلى ذلك ضابط المخابرات الفرنسية الكومندان جاك كاري. كما سعى الشّيخ الإبراهيمي لحشد التأييد للثورة منذ اندلاعها بمراسلة قادة الدول العربية والإسلامية، مستغلا مكانته لديهم وسمعته عند تلك الشعوب، ولأجل تدويل القضية الجزائرية اتصل بالجامعة العربية وبعث برقية للملك سعود بن عبد العزيز في 9 جانفي 1955 يطلب منه فيها أن يكلف الأستاذان أحمد الشقيري وعبد الرحمن عزام أو أحدهما لمتابعة قضايا الجزائر والدفاع عنها، وقد كلف الملك سعود الأستاذ أحمد الشقيري للقيام بعرض قضية الجزائر على منظمة الأمم المتحدة، وتم ذلك بالفعل في أكتوبر 1957.
وقد توالت الكلمات والبيانات والنداءات من رئيس الجمعية ومندوبها بالقاهرة عبر وسائل الإعلام، خاصة في إذاعة صوت العرب، وكلها موجهة للشعب الجزائري وللمجاهدين الجزائريين.
2- دور الجمعية في الثورة: برز دورها في نشاط قيادتها ومدارسها، وثقته الوثائق والنصوص التي اشتملت على رسائل ومذكرات شخصيات عايشت الثورة وتقارير المخابرات الفرنسية…
للمقال مراجع-