فضـــل يــوم عاشــوراء
د. يوسف جمعة سلامة*/
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عَن ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ ؟ فَقَالُوا: هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا ، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ، فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ)(1).
هذا الحديث حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، في كتاب الصيام، باب صوم يوم عاشوراء.
من المعلوم أنّ شهر الله المُحَرَّم شهر عظيم مبارك، تتجدَّد فيه هِمَّة المسلمين بطاعة الله سبحانه وتعالى، فبعد انقضاء عام هجري هيَّأَ الله سبحانه وتعالى فيه لعباده المؤمنين من الفُرص والنّفحات والمِنَح والمغفرة الشيء الكثير، يبدأ عام هجري جديد يجعل الله سبحانه وتعالى فيه من الفُرص والنّفحات لِمَنْ قصّر وفَاتَه بعض الخير في العام المُنْصرم، حتى يراجع نفسه ويتدارك ما فاته من الأعمال الصالحة ويؤوب إلى الله سبحانه وتعالى، ويغتنم عمره في طاعه الله سبحانه وتعالى والتقرّب إليه.
إنّنا نعيش في هذه الأيام في ظلال شهر كريم هو شهر المحرم، وهذا الشهر فيه خيرٌ كثير، وفيه أيام مباركة ،فعلينا أن نُكثر فيه من الصوم، فإنْ ضعفنا عن ذلك، فلا يفوتنا صيام يوم عاشوراء (يوم العاشر منه)، فإنّ فضله عظيم كما جاء في السُّنَّة النبوية الشريفة، فهل عقدنا العزم وهيَّأنا أنفسنا لصيام هذا اليوم العظيم المبارك، والذي يُعَدُّ سُنّة مؤكدة عن رسولنا محمد – صلّى الله عليه وسلّم – بإجماع علماء الأمة وفقهائها وسلفها الصالح.
فضل شهر الْمُحَرَّم
من المعلوم أنّه لا يوجد شهرٌ من الشهور يُسَمَّى شهر الله إلا هذا الشهر الكريم، شهر الْمُحَرَّم، وهو من أشهر الله الحُرُم، وهذه النسبة نسبة تكريم وتشريف كبيت الله الحرام، فقد جاء في الحديث الشريف: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاةُ اللَّيْلِ) (2).
فضل صيام عاشوراء
في هذا الشهر الكريم يوجد يومٌ عظيمٌ من أيام الله وهو أعظم أيام هذا الشهر، ألا وهو يوم عاشوراء، فعن أبي قتادة الأنصاري – رضي الله عنه- أنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم- قال: (…وصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ) (3).
ومِمَّا يدل على فضل صيامه ما رُويَ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: (مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلا هَذَا الْيَوْمَ – يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي: شَهْرَ رَمَضَانَ) (4).
سبب صيام عاشوراء
يوم عاشوراء هو اليوم الذي أَنْجَى الله فيه موسى- عليه السلام- وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فكان اليهود يصومونه شكراً لله على هذه النعمة العظيمة، فالله سبحانه وتعالى أنجى عباده المؤمنين وأعزَّهم، وأهلك أعداءه المجرمين وأذلَّهم، فهذه نعمة عظيمة، كما جاء في الحديث الشريف: عَن ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا – قَاَل: (قَدِمَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- المَدِينَةَ، فَوَجَدَ اليَهُودَ يَصُومُونَ يَومَ عَاشُورَاءَ فَسُئِلُوا عن ذلكَ؟ فَقالوا: هذا اليَوْمُ الذي أَظْهَرَ اللَّهُ فيه مُوسَى وَبَنِي إسْرَائِيلَ علَى فِرْعَوْنَ، فَنَحْنُ نَصُومُهُ تَعْظِيمًا له، فَقالَ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-: نَحْنُ أَوْلَى بمُوسَى مِنكُم، فأمَرَ بصَوْمِهِ) (5)، وقوله – صلّى الله عليه وسلّم-: «نَحْنُ َأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ»، لماذا؟ لأنَّ النبيَّ – صلّى الله عليه وسلّم- والذين معه أولى الناس بالأنبياء السابقين–عليهم الصلاة والسلام- كما جاء في قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}(6).
مراتب صومه
قال الإمام ابن القيم في كتابه (زاد المعاد في هدي خير العباد): (فمراتب صومه ثلاثة، أكملها: أن يُصام قبله يوم وبعده يوم، ويلي ذلك: أن يُصَام التاسع والعاشر، وعليه أكثر الأحاديث، ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم)(7).
فهناك من يصوم التاسع والعاشر لما ورد عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- قال: (حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ يُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ-إِنْ شَاءَ اللَّهُ-صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ، قَالَ: ( فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-) (8).
أهم الأحداث التي وقعت في شهر الْمُحَرَّم
عند دراستنا للتاريخ الإسلامي المُشرق نجد أنّ هذا الشهر المبارك قدْ شَهِدَ الكثير من الأحداث المُهمة التي وقعت فيه، ونحن هنا نذكر بعض هذه الأحداث، ومنها:
– 6/ محرم / 27 هـ تجهيز جيش المسلمين لفتح أفريقيا.
– 10/ محرم / 61هـ يوم عاشوراء واستشهاد الحسين بن علي –رضي الله عنهم أجمعين-.
– 11/ محرم / 20 هـ أَسَّسَ سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ديوان الجند.
– 13/ محرم / 7 هـ غزوة خيبر وقد فتح المسلمون حصون خيبر حصناً حصناً.
– 14/ محرم / 7 هـ قدوم جعفر بن أبي طالب – رضي الله عنه – من الحبشة.
– 19/ محرم / 16 هـ وفاة مارية القبطية – رضي الله عنها- وهي أم إبراهيم بن رسول الله-صلّى الله عليه وسلّم-.
– 27/ محرم / 676 هـ وفاة السلطان الظاهر بيبرس.
– 28/ محرم / 430 هـ وفاة الحافظ أبي نعيم الأصبهاني صاحب كتاب حلية الأولياء الذي طُبع في تسعة مجلدات، وكتاب معجم الصحابة، وكتاب في الطب النبوي.
– 30/ محرم / 686 هـ وفاة الإمام القسطلاني شيخ دار الحديث، صاحب كتاب إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري.
هذا فضل شهر الله الْمُحَرَّم الذي يغفل الكثير من المسلمين -وللأسف- عن فضله ومكانته؛ لذلك يجب علينا أن نغتنم هذه الأيام المباركة في الإكثار من الطاعات واجتناب المنهيات والمُحَرَّمات، وأن نتقرّب فيه إلى الله سبحانه وتعالى بشَتّى الطاعات والعبادات، من قراءةٍ للقرآن الكريم، وذكرٍ لله سبحانه وتعالى، وتوبةٍ صادقة، وإقبالٍ على الله سبحانه وتعالى، فَلَعَلَّه أن يكون فاتحة خيرٍ في أول شهرٍ في هذا العام المبارك، نفتتحه بطاعة الله كما اختتمنا العام الماضي بطاعة الله تبارك وتعالى، فهذه دعوةٌ لنا جميعاً، أن نتوبَ إلى الله سبحانه وتعالى، ونستدركَ ما فات، فإنما الأعمال بالخواتيم، رحم الله القائل:
فَهَل لَكَ أَنْ تَمْحُوَ الذَنُوبَ بِغَبْرةٍ وَتَبكْي عَلَيها حَسْرَةً وتَنَدُّمَــا
وتستقبلُ العَــام الجَدِيْدَ بِتَوْبَــــــةٍ لَعَلَّكَ أَنْ تَمْحُوَ بِهَا مَا تَقَدَّمَـا
فعلينا أن نحرص على الصيام في أيام هذا الشهر الفضيل، وخصوصاً صيام يوم عاشوراء،- أي: يوم العاشر منه- فإنّ فضله عظيم وثوابه كبير، فقد كان نبينا – صلّى الله عليه وسلّم- يتحرّى صيامه ويحثُّ عليه.
ما أحوجنا في مثل هذه الأيام أن نحمدَ الله عزَّ وجلَّ على ما وَفَّقنا إليه من صالح الأعمال، فالفضل كلّه لله سبحانه وتعالى وحده، أنْ هدانا إلى الطريق القويم والصراط المستقيم، {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ} (9).
وصلّى الله على سيِّدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين
الهوامش:
1- أخرجه مسلم 2- أخرجه مسلم
3- أخرجه مسلم
4- أخرجه البخاري 5- أخرجه مسلم
6- سورة آل عمران الآية (68)
7- زاد المعاد في هدي خير العباد للإمام ابن القيم 1/349
8- أخرجه مسلم
9- سورة الأعراف الآية (43)
* خطيب المسـجد الأقصى المبـارك
وزير الأوقاف والشئون الدينية السابق
www.yousefsalama.com