الموضوع: زكاة أموال الجمعيات الخيرية والتعاونية./محمد مكركب
قالت السائلة: أنا أمينة مال جمعية خيرية، والمتبرعون يعطون أموالهم في سبيل الله للجمعية ويدفعونها عن طريق حساب بنكي؛ وتتجمع أموال في رصيد الجمعية، ويحول عليها الحول قبل أن نصرفها لذوي الحاجات من الفقراء المحتاجين. والسؤال هنا: فهل نستطيع إخراج الزكاة على الأموال التي يحول عليها الحول في حساب الجمعية؟
وهل تستقبل الجمعيات الخيرية أموال الزكاة؟ ثم كيف تتصرف فيها؟
الجـــواب:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: يجب على أصحاب الجمعيات الخيرية أن يبينوا في القانون الأساسي للجمعية والنظام الداخلي لها، طريقة جمع المال، ومصدرها بوضوح، هل هي عن طريق هبات وتبرعات سائر المحسنين، أم من مشاركة أعضاء الجمعية نفسها؟ أم هي منح من الأموال العمومية كالوزارة، والولاية والبلدية؟ كما يجب أن يبينوا ذلك في جداول واضحة. ولمن تصرف هذه الأموال؟ )الفئات والجهات(.
هل تحول نقودا إلى الفقراء والمساكين وفي سبيل الله؟ أم تحول إلى خدمات علمية، أو استشفائية، أو اجتماعية اقتصادية؟ وأن يقابل كل مدخول الباب الذي يصرف فيه. لماذا وجوب هذا التفصيل؟
لأن المال الذي جمع من اشتراكات أعضاء الجمعية إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول، تخرج منه الزكاة إذا كان قد بقي في ملكية المشتركين، كأن تكون نيتهم إن صرفوه في أوجه الخير صرفوه، وإن صرفوه لمصالحهم الخاصة صرفوه. أما المال الموقوف من قبل المحسنين الآخرين، وسائر المتبرعين لا تجب فيه الزكاة، لأنه خرج من ملكية المتبرعين. وكذلك ما كان من المال العام. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.
ثانيا: أموال الزكاة التي تجمعها الجمعية الخيرية يجب أن تصرف بأمانة وحساب محكم كما أمر الله تعالى؛ لا تستعملها الجمعية في خدمات أخرى غير الأبواب التي بينها الله تعالى في قوله جل جلاله: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [سورة التوبة: 60]. وللجمعية الأجر والثواب على توزيع وإيصال الصدقة إلى المستحقين فعلا، ولا تأخذ الجمعية من أموال الزكاة إلا الثُّمُن )1/8( مقابل خدمات الخاصة بالزكاة نفسها، كإجراءات الجمع والتوزيع والنقل وغير ذلك.
والله تعالى أعلم.
ثالثـا: الجمعية الخيرية التعاونية الخاصة التي يكون الغرض منها خدمة أعضائها فقط، كأن يشترك مجموعة من الشباب يدفعون مبالغ شهرية متساوية يجمعونها في حساب الجمعية لأجل علاج، أو زواج، أو بِناء مسكن، أو شراء سيارة، أو سفر، وغير ذلك. فإذا بلغ مال الصندوق النصاب، وحال عليه الحول، تجب فيه الزكاة كما هي الأموال مجتمعة.
والله تعالى أعلم.
رابعا: التعامل بمال المحسنين في الجمعيات، والمال العام في الإدارات والممتلكات العامة، قضية خطيرة ودقيقة، تحتاج إلى كفاءة وإخلاص وصدق وأمانة. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ [سورة النساء: 10].
إن الذي يتعامل بالمال العام، ومال الجمعيات، يجب أن لا ينفق سنتيما خارج مجاله المشروع، كما يجب في مجال الاجتهاد أن يتصرف وفق القوانين المعمول بها دون مخالفة. لقد جاء الخبر في القرآن عن الذين يأكلون أموال الناس بالباطل بأن لهم عذاب أليم؛ قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [سورة التوبة: 34]. قال ابن كثير: في هذه الآية: (التحذير من التشبه بأحبار اليهود ورهبان النصارى في أحوالهم وأقوالهم؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ﴾، وذلك أنهم يأكلون الدنيا بالدين، وبمناصبهم وبرياستهم في الناس، يأكلون أموالهم بذلك، كما كان لأحبار اليهود على أهل الجاهلية شرف، ولهم عندهم خراج وهدايا وضرائب تجيء إليهم). وفي الحديث عن عدي بن عميرة الكندي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا، فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ]، قال: فقام إليه رجل أسود من الأنصار كأني أنظر إليه، فقال: يا رسول الله، اقبل عني عملك، قال: [وَمَا لَكَ؟] قال: سمعتك تقول: كذا وكذا، قال: [وَأَنَا أَقُولُهُ الْآنَ، مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ، وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى].
رواه مسلم: كتاب الإمارة.
والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم.