أفكار تعليمية/ عبد القادر فضيل
لقاء تربوي علمي بالمركز الجامعي –مغنية تلمسان تنظيم قسم اللغة والأدب العربي حول موضوع تعليمية اللغة العربية في المدرسة الجزائرية من تقديم الدكتور عبد القادر فضيل، وتنشيط الدكتور عبد القادر بوشيبة ومتابعة الدكتور عبد الحفيظ بورديم.
خلاصة المحاضرة
بعد الكلمة التي افتتح بها الجلسة ومنشط اللقاء د/عبد القادر بوشيبة وقدم شخصية المحاضر وموضوع المحاضرة توجه المحاضر في بداية الجلسة إلى المجتمعين وحياهم، وعبر لهم عن سعادته بوجوده في هذا اللقاء ثم شكر المركز على الدعوة التي تلقاها وشكر الدكتور عبد الحفيظ بورديم على الاهتمام الذي أولاه لهذا الموضوع وفكر فيه، ثم بدأ الكلام قائلا: شكرا للأخ المقدم على هذا التقديم الذي يتجاوز مكانتي العلمية، أشكركم واشكر جميع أعضاء هذا المركز الجامعي الذي دعاني لأسهم بما أستطيع الإسهام به، في ميدان تعليم اللغة في مدارسنا.
إن الحديث عن اللغة العربية هو حديث عن ذاتيتنا وتاريخنا وعن لساننا وعن وطننا لأن اللغة وطن ينبغي أن نعيش أحداثه ونتعمق في معرفة أركانه ومقوماته، وعندما نستعرض واقع تعليم اللغة العربية اليوم في محيطنا يتحتم علينا أن نرجع بذاكرتنا إلى الوضع الذي انطلقت منه البلاد وعرفته اللغة العربية في بداية الاستقلال، لأن وضع اللغة في عهد الاستعمار كانت له ظروف معينة وهي الظروف التي عقدت الوضع، وجعلت اللغة تعيش مجموعة من الإشكالات سواء في مستوى المدرسة أو الجامعة أو في مستوى المحيط الحياتي، وعندما نستعرض الأوضاع التي كانت عليها البلاد في تلك الفترة نجد أن اللغة العربية لم يكن لها وجود في محيطنا الرسمي لأن المدرسة التي وجدناها بحكم ظروف البلاد لم تكن موجودة بصفتها التي نجعلها مدرسة جزائرية ولكن الشعور الذين كان عند المسؤولين والمنظمين للتعليم جعلهم يقررون بعض الإجراءات التي توجه الجهود وتكيف المدرسة الموروثة مع العهد الجديد تجعلها تسترجع بعض مظاهر هويتها التي فقدتها مع ظروف الاستعمار، لأن المدرسة الوطنية توقفت عن السير مدة 132، وسنة لأن إدارة الاستعمار فرضت أن تطوى هذه المدرسة ويتوقف نشاطها بالصفة التي كانت عليها، وتغيب عن المجتمع، ولم يبق من أوضاع التعليم الوطني إلا ما كانت تقدمه الزوايا وحلقات المساجد الحرة، ومدارس جمعية العلماء وأوضاع التعليم التي ترجع إلى المبادرات الشخصية والجهود الذاتية وعند تلخيص الوضع نقول إننا عند استرجاع السيادة لم نجد المدرسة الوطنية ولم يتحقق وجودها مباشرة بعد الاستقلال لذا ينبغي أن نذكر حقيقة قد تخفى عن البعض وهي أن المدرسة الجزائرية لم تولد مع بداية الاستقلال وإنما الذي ولد هو الإطار الفكري والسياسي الذي بقي فكرة قائمة في الأذهان ومدونة في الوثائق، وتنتظر الظروف التي تخرجها إلى الوجود، فلم يترجم هذا الإطار إلا بعد جهود وإصلاحات، وتحقق ذلك عام 1976 عندما صدرت النصوص المحددة للنظام التربوي الوطني ولمكونات المدرسة الجزائرية، وكانت المشكلة التي واجهت البلاد والتي ظلت تطرح هي العمل الجاد على استرجاع الظروف الملائمة لتطوير تعليم اللغة العربية والتعليم بها والتعامل معها في الحياة هذه الحالات الثلاثة: تعليمها والتعليم بها، والتعامل معها هي التي كانت مطروحة أمامنا، وكان اهتماما مركزا في البداية على ترسيم تعليم اللغة العربية في جميع المدارس، هذه هي العملية الأولى وقد صدر القرار الأول بشأنها، في أول موسم دراسي بعد الاستقلال، القرار الذي يدرج تعليم اللغة العربية في جميع المدارس بواقع سبع ساعات في الأسبوع عند توفر الإمكانات، ثم بدأ التفكير في العملية الثانية وهي التعليم بها أي جعلها أداة تعليم جميع المعارف التي تقدم للأطفال والمشكلة التي واجهت البلاد على أن تعليم اللغة لا تختلف فيه ولكن التعليم بها هو الذي طرح الإشكال، والخلاف حول الموضوع لا يزال قائما: هل تعلم بها كل المعارف، أم نجعل اللغة العربية وظيفة ونترك الوظائف الأخرى لغير العربية، هذا هو المشكل الذي لا يزال قائما والتردد بشأن معالجته لم يتوقف.
إذن فكرة التعليم العربية ظلت فكرة مطروحة في ميدان تعريب التعليم، وبدأ الاهتمام بمعالجتها في سنة 1965، حينما تقرر تعريب السنة الأولى من التعليم الابتدائي، وتواصل الاهتمام بهذه الفكرة مع تعريب التاريخ والفلسفة إلى غاية 1971 حيث جاء القرار الحسم الذي رسم خطة التعريب، وهو قرار تعريب المواد العلمية في ثلث الأقسام المفتوحة في الابتدائي والمتوسط والثانوي والاقتصار على ثلث الأقسام يرجع إلى قلة الإمكانات البشرية المتاحة عندنا: إذ لم نستطيع أن نعمم الإجراء في جميع الأقسام، هذا هو الإجراء الذي كان يسمى التعريب النقطي، وهو يعني أننا ننطلق من تعريب نسبة من الأقسام مع العمل على توسيعها تمهيدا للتعريب الشامل، ولكن الفكرة، لم تتوقف عند هذه السنة، بل أصبح التوسع فيها أمرا جاريا، والخطة التي رافقت هذا الإجراء هي تهيئة الأساتذة الذين يدرسون بالفرنسية وتدريبهم على العمل بالعربية فأصبحوا بعد إجراء دورات علمية متمكنين من ممارسة التدريس بالعربية وقد تم هذا، ثم جاء نظام التعليم الأساسي الذي تقرر، وعمم العمل به بدءا من سنة 1980 وهو النظام الذي وجد المدرسة وعرب لغتها واستمر العمل بهذا النظام الذي وحد المدرسة وعرب لغتها وغير وجه الممارسة التربوية، وحقق نتائج لا ينكرها أحد، وخاصة في تعريب التعليم وترقية الجهود التربوية.
وبعد تعميم هذا التعليم ظهرت بعض التوجهات الفكرية الثقافية وطرحت إشكالية التغيير والتطوير التي فرضتها هذه التوجهات والإشكالية التي بدأت تطرح نفسها بعد الانفتاح السياسي حين طرحت فكرة التغيير، وهي هل نواصل تعريب المواد العلمية في التعليم العالي، وهي المشكلة التي ما تزال قائمة، والتردد بشأن معالجتها ما يزال مستمرا، أم تبقى الحالة الراهنة: وضع لغوي في الثانوي، ووضع آخر في التعليم العالي، ولكن المشكلة التي خصصت لها هذه الكلمة هي تعليمية اللغة العربية، أي ما هي المنهجية التي ينبغي اتباعها، وهذا ما نعنيه بالتعليمية التي نناقشها في هذا اللقاء، والتي تعتمد في ترقية تعليم اللغة العربية. فالتعليمية مصطلح مأخوذ من الوصف الذي توصف به طريقة التعليم وهي تعني منهجية التدريس أو علم التدريس أو هي المقاربة البيداغوجية التي تشرح الكيفية التي بها تعرض المعلومات وتثار اهتمامات التلاميذ، وإتقان هذه الكيفية هو الهدف الذي يسعى إليه تعليم اللغة، ويتطلب ذلك إيجاد المعلم المتمكن من اللغة والملم بأركانها وقواعدها، وأساسيات بناء تعابيرها، لأن المعلم الذي يسند إليه تعليم اللغة أو التعليم بها، يجب أن يكون له إلمام بهذه الجوانب لأن مهمته هي تلقينها للأطفال، والتلقين يجب أن ينطلق من الفهم الصحيح للغة فاللغة ليست مجرد كلام يتعلمه المتعلم ويمارس به الحديث، إنما هي وسيلة فهم وأداة للتفكير، فهي التي تعتمد في بناء فكر التلميذ وتهذيب مشاعره وصقل ذوقه وجعله يستوعب ثقافة أمته وتاريخها.
وهنا تطرح وظيفة المدرسة، فالمدرسة ليست مكانا للتعلم وحسب إنما المدرسة قلعة من قلاع الدفاع عن الذاتية الثقافية، وهي مرفق وطني مهمته بناء الفكر، وتنمية الوجدان وتعليم الإنسان ما لم يكن يعلمه، هذه هي المدرسة التي يوجد بها المعلم الذي يُسند إليه تلقين المعارف والمفاهيم التي تؤذيها اللغة، فالمعلم يعلم المتعلم كيف يفهم اللغة وكيف يتعامل بها، وكيف يوظف المعرفة التي تصله عن طريق’ اللغة وكيف ينتج باللغة والإنتاج باللغة يعتمد الفكر، لأن اللغة أساسها الفكر وتوظيف الفكر هو ما نهدف إليه من التعليم، فالمعرفة ليست غاية في ذاتها إنما هي أداة لبناء الفكر وصناعة الوعي ووظيفة التعليمية هي أنها تعلم المتعلم كيف يوظف المعرفة في حياته وفي علاقاته داخل المجتمع ومع أحداث التاريخ.
هذا كله ينبغي أن تتضمنه تعليمية اللغة، واهم ما ينبغي أن يتقنه المعلمون هو أن تعليم اللغة يتدرج مع المتعلم وفق كفايات ثلاث الكفاية الأولى وهي الكفاية الاتصالية التواصلية وهي أساس تعلم كل لغة ويستوجب تحقيق هذه الكفاية التركيز على دفع المتعلمين في المرحلة الأولى إلى ممارسة أساسيات التعلم اللغوي: الفهم والاستعمال والمحاكاة وتوفير ظروف الاستماع والإسهام في الحوار وتصحيح ما يجب أن يصحح من كلام المتكلم.
وتلقين أساليب التواصل يتم عن طريق استنطاق المشاهد والتعبير عنها بواسطة الأسئلة المحفزة والمواقف المثيرة التي تدفع المتعلم إلى ممارسة الاستعمالات اللغوية التي يفرضها الموقف والتي تجعل الممارسة اللغوية أقرب ما تكون إلى الممارسة الطبيعية.
بهذه الكفاية تكتسب الدربة على استعمال اللغة وفهم الاستعمالات الجارية في المحيط والشرط الأساسي الذي يحقق هذه الكفاية وينميها هو التزام المعلمين بالحديث باللغة في كل الحصص، وفي جميع المواد، والتزام المتعلمين بذلك لأن المحيط اللغوي المسموع هو أساس تعلم اللغة لأن تعلم اللغة أساسه الاستعمال، فالمعرفة وحدها لا تكفي والمعلمون عندنا لا يهتمون بالاستعمال ولا يلتزمون به في دروسهم وفي تحاورهم مع تلاميذهم وهذا هو سبب الضعف اللغوي في مدارسنا بعد هذه الكفاية يتوجه التعليم إلى الكفاية الثانية وهي الكفاية اللغوية المعرفية التي تجعل المتعلم يفهم العبارة اللغوية ويحسن توظيفها ويدرك معناها، وتحرص المنهجية في مجال تحقيق الكفاية المعرفية على توجيه اهتمام المتعلم إلى معرفة دلالة العبارة وخصائص التركيب وفهم وظائف الكلمات داخل الجمل والمعاني التي تحددها القواعد النحوية والصرفية والإملائية ومعاني الأساليب البلاغية من خلال تحليل الأمثلة التي ينطلق منها الدرس والمحددة لطريقة البناء ووظيفة التركيب، وتركز المنهجية في هذا المجال تهيئة الأوضاع الموضحة لمعاني الدرس وعلى الانطلاق من تناول عدد من الأمثلة المعالجة للوظيفة التي يقصدها الخطاب، والمنهج الاستقرائي هو الذي يجعل المتعلمين يتتبعون المعاني الواردة في الأمثلة، والصفات المشتركة بين الأمثلة والتي تضبط القواعد النحوية والبناء الفكري والمعاني البلاغية التي تستخلص من التحليل، وأهم ما ينبغي التركيز عليه في تحقيق هذه الكفاية هو الاستعمال الواعي للحقيقة المستخلصة فالاستعمال القائم على الفهم هو الذي جعل المتعلم يدرك الحقائق اللغوية والدلالات والمعاني التي يتضمنها التركيب.
وبهذا يكتسب الكفاية المعرفية التي تجعله متمكنا من معرفة اللغة ومن إدراك وظائفها بعد هذا تأتي المرحلة التي تؤكد لنا أن التلميذ قد اكتسب القدرة اللغوية، وأصبح يفهم ما يسمعه وما يقرأه ويستطيع التعبير عما يفكر فيه أو يشاهده، هذه هي المرحلة التي تطلق عليها الكفاية الإنتاجية وتعني أن المتعلم أصبح في إمكانه أن يستخدم اللغة وينتج المعرفة بها، أن يوظفها حديثا وكتابة أي أنه متمكن من توظيف اللغة ومن فهم ما يكتب بها، والتمارين التي تمكنه من ذلك، هي تحليل النصوص واستثمار القراءة والتدريب على الأشياء ومن خلال هذه الكفايات الثلاث يكتسب القدرة على إنتاج المعرفة والتعبير عن الأفكار، بحيث يصبح متمكنا من ممارسة اللغة، أي يكون له حضور فاعل في الحياة الثقافية والإسهام الفكري، وما تريده من المتعلمين هو أن يكون لهم وعي بحقيقة التعامل مع المسألة اللغوية بحيث يدفعهم هذا الوعي إلى معرفة ما تعبر عنه اللغات الأخرى خارج بلدنا وخاصة اللغات التي لها صلة بواقعنا الثقافي وتطلعاتنا الحضارية، وهذا يحتم على النظام أن يمُكن أبناءنا من عدد من اللغات التي تفيد مجتمعنا و تهيئ أبناءنا للإسهام العلمي والحضاري والتواصل الثقافي، ومن بين اللغات التي ينبغي أن يتجه الاهتمام إليها الإنجليزية والألمانية والإسبانية، وكذا اللغات التي تعبر عن حضارة بعض البلدان الإسلامية.
هذا وان التحكم في اللغات أساسه وضوح الهدف من التعامل مع اللغة أية لغة من جهة وإتقان اللغة العربية من جهة أخرى، وعندما يُتقن المتعلم اللغة العربية يجب عليه أن يتعلم اللغات الأخرى ويستوعب مجالات المعرفة لأن اللغات هي التي تجعلنا نستوعب ما يفكر فيه الإنسان لأن هناك روابط مشتركة في المجال المعرفين وعدم تمكننا من اللغات الأجنبية جعلنا عاجزين عن امتلاك أنواع المعارف، وعن دقة التعامل مع المعرفة الإنسانية في خصوصية أبعادها الحضارية، لذا يتحتم تمكين أبنائنا من وسائل الاتصال والتبادل الثقافي والتنافس الحضاري هذا ما ينبغي أن يشمله الحديث عن منهجية تعليم اللغة والتعليم بها وإدراج مجال البحث اللغوي والإبداع الفكري هذه هي كلمتي التي أتمنى أنها أسهمت في مناقشة موضوع تعليمية اللغة، أشكركم جميعا وأشكر الحاضرين الذي أسهموا بمناقشاتهم، وأتمنى في الأخير أن تجعلوا من هذا المركز منارة للعلم والمعرفة
عبد القادر فضيل
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.