الإسلام والغرب

بمناسبــــــة إهـــــلال العـــــام الهجــــري الجــديـــــد: شهادات الـمنصــــفين الغربيين «محمَّد الـمفــــتَرَى عليــــه» / دراسة الـمفكــــر السويسري روجــــي دوباسكيي نمـــوذجا

أ. محمد مصطفى حابس: جنيف / سويسرا/

أيام معدودة باتت تفصلنا عن العام الهجرى الجديد وهو عام 1443 هجريا، وذلك وفقا للحسابات الفلكية التي أعدتها المعاهد ومخابر البحوث الفلكية، بحيث يولد هلال شهر المحرم 1443 مباشرة بعد حدوث الاقتران في تمام الساعة الثالثة وخمسون دقيقة عصراً بتوقيت دول شمال افريقيا يوم الأحد 29 من ذي الحجـــة الموافق 2021/8/08 م.

ورغم صعوبة الحساب الفلكي عموما والهجري خصوصا، إلا أنه كثيرا ما نجد من يدافع عليه ويعمل به حتى في بلاد الغرب منذ عقود خلت، أمثال المفكر السويسري روجي دوباسكيي -رحمه الله – بل حتى من معتنقي الإسلام الجدد، مهما كانت الصعاب والمحن التي يتعرضون لها من أقرب الناس اليهم في العائلة الواحدة، وفي الشغل ومن أرباب العمل، بحيث يهدد بالطرد من بيته أو من محل شغله، فقط لأنه اعتنق الاسلام، شعار بعضهم في ذلك قول الله تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾. فالإيمان الصادق بالنسبة له يجعل المسلم على يقين بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فالله عليم بكل شيء لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء فإذا علم المسلم أن الملك ملك الله والخلق خلق الله لم يعد يبالي أن يرضي الناس بسخط الله ولم يعد يبالي بذم الناس أو مدحهم فالإيمان بالقضاء والقدر يجعله أكثر يقينا ورضاً فكل متع الدنيا ولذائذها تُنسى فور عبورها وكذلك الأحزان والآلام لن تذكر منها شيئا بعد مُضِيِّها والرضا والتسليم سهلٌ قريب المنال إن هدى الله قلبك وارضاك بما قدره لك..
هذه العقيدة الفولاذية لمستها في حياة احد زملاء شيخنا العلامة محمود بوزوزو رحمه الله، وأقصد المفكر الإسلامي السويسري روجي دوباسكيي المدعو (سيدي عبد الكريم)، أمام بعض من أرادوا زعزعة إيمانه لما أشهر إسلامه وبدأ يكتب عن الإسلام والمسلمين في ستينات القرن الماضي، فجاءته ردود تحذره من أن المسلمين قوم لا علم لهم صحيح و لا حساب لهم دقيق، فرأس السنة عندهم يختلف من قرية لقرية و من دولة لدولة، وأفضح و أفصح دليل على هذا العبث عند المسلمين ذاك الخلط في صيامهم لشهر رمضان، كل يصوم على دين ملكه، ويفطر على هواه، بحيث يلاحظ أن دول المشرق تصوم و تفطر بفارق أيام عن دول المغرب، فما بالك عن الجالية المسلمة في الغرب، ورد -رحمة الله عليه – على هذه الزوابع والافتراءات بدم بارد ويقين صادق بكتابات قوية متينة تظهر مواقفه الشجاعة في الصحافة الغربية بالإنكليزية والفرنسية دفاعا عن معتقده الجديد الذي إختاره لنفسه كما أتقن الذود عن أمثاله من المفكرين وعلماء عصره أمثال كل من:
“تيتوس بوركارت”، و”مارتين لينكس”، “وليوبولد وايس (محمد أسد)” و”فانسون منصور مونتاي” و”منتجومري وات” وغيرهم وقد جمع بعضها في كتب أصبحت اليوم مراجع يبرء فيها الإسلام ورسالة الإسلام ومعتنقي الإسلام من كل هذا الظلم والافتراء، منه مقاله الشيق التالي، دفاعا عن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بعنوان: “محمَّد المفتَرَى عليه”، بحيث كتب يقول رحمه الله: “لا تجد رجلا بين كل الشخصيات الدينية غير المسيحية وجهت إليه التهم والافتراءات وحمل عليه بقدر ما افتُري على سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم – مؤسس الإسلام، فمنذ أوائل القرون الوسطى حتى عصرنا هذا، ويدخل في ذلك ما يسمى بعصر النور، ما زالت الأساطير الجوفاء تنشر عن محمد، تتهمه بكل الرذائل، بل لا تتورع عن أن تضعه في عداد عبّاد الأوثان، مع أنه هو رسول التوحيد، والتوحيد المطلق بلا منازع. وبينما يُتخَذُ محمدٌ هدفاً لاتّهامات لا حصر لها يجدر بنا أن نلفت النظر إلى أن أتباع هذا الرسول يقابلون ذلك بإبداء الاحترام للشخصيات الكبرى المعروفة في الملل الأخرى، ولا سيما أنبياء بني إسرائيل والسيد المسيح نفسه، فإذا ذكر المسلمُ المتدين اسم السيد المسيح لم يلبث أن يتبعه بدعاء تبركي فيقول مثلا: (عليه السلام) وما أجدر المسيحيين بالمقابل أن يبذلوا شيئا من الجهد ليقفوا موقف العدل بالنسبة إلى محمد، فيمتنعوا عن قبول الافتراء عليه بسهولة، ويعترفوا له على الأقل بالذي لا يحتمل الإنكار من فضائله.

من الإنصاف ذكر أنّ هنالك محاولات كثيرة لفهم الإسلام فهما صحيحا
من الإنصاف أن نذكر أنّ هنالك محاولات كثيرة لفهم الإسلام فهما صحيحا تصدر عن جهات مختلفة لا سيما عن بعض المستشرقين الغربيين، والكتاب الذي جرّنا إلى نشر هذا المقال من تأليف السيد “منتجومري وات” مطبوع في باريس في مكتبة “بايو” وعنوانه: “محمد في المدينة”، يصلح مثالا على ما أنتجه الاستشراق الرسمي في هذا الصدد. فالمؤلف مدرّس للعربية في جامعة أدنبره، وقد جمع معلومات غزيرة موثوقا بها تشهد بسعة علمه واطّلاعه، ثم إن نهجه يشعرك بصدقه في تحرِّي الموضوعية في البحث.
يشرح المؤلف في نحو أربعمائة صفحة ضمّها كتابه “محمد في المدينة” وهي تتمة لكتاب سبق باسم “محمد في مكة” أو هو يحاول أن يشرح الإسلام من منابعه وأن يفسّر بذلك شخصية محمد النبي، وقبل أن نحكم على المؤلف أو له في مدى نجاحه في هذه المهمة الكبيرة، نستطيع أن نذكر بعض الحقائق الهامة التي ظهرت في الكتاب، والتي تساعد بالتالي على فهم تلك الشخصية الفذة التي تمتّع بها مؤسِّس الإسلام.
خلافا لما هو شائع في أوربا، يبرز الكتاب من أُولَى صفات الرسول رحمته وحلمه وتواضعه، فالرسول يناهض ما كان سائدا قبله من قسوة ووحشية في الجزيرة العربية إذ ذاك، ويدعو الناس إلى أن يعامل بعضهم بعضا سواء الصديق منهم أو العدو معاملة سمحة كريمة، فهو مثلا يأمر أتباعه بالإحسان إلى من يقع في أيديهم أسيرا من أعدائهم، والرسول وإن كان لم يُلغِ القاعدة القديمة في القصاص ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [الشورى: 40] غير أنه قد أعطى من التعاليم ما يبين بأن الصفح والعفو أسمى من القصاص وأرفع كما ذكر في سورة [النحل]. وأما موقفه من الرِّق فقد تبين للسيد “وات” كما أبرز في كتابه أنه موقف يتّفق تمام الاتّفاق مع ما جاء في أناجيل العهد الجديد.
من الاتهامات الشائعة التي يوجهها الأوربيون إلى محمد
ويمضي المستشرق الإنجليزي في الرد على الاتهامات الشائعة التي يوجهها الأوربيون إلى محمد مبينا أنّ محمدا لم يكن أبدا ذلك الرجل الشهواني الذي يصوّره الأوربيون، فتعدد الزوجات مثلا إنما كان شائعا قبله، وكان الناس في عصره يعتبرونه فضيلة وشرفا، أما حياة محمد الشخصية وعلاقاته مع زوجاته فلم يستطع أحد من معاصريه أن ينكر عليه فيها شيئا قد ينال من قدره كنبيٍّ.
ويُبرِز السيد “وات” صِدقَ مؤسس الإسلام، فيؤكد أنه ليس هنالك مجال للشك في صدق النبي، وليس هنالك مجال لاتّهامه بالغش والخداع كما تعود الأوربيون أن يفعلوا بدون رُوِيَّة، لأن مثل تلك التهمة تصطدم بحقائق ثابتة لا يمكن تفسيرها إذا قبلنا التهمة، يقول السيد “وات”: “إن هذه التهمة لا تعطينا تفسيرا مقنعا ولا تبين لنا لماذا كان محمد في العهد المكّي مستعدا لتحمُّل العَنَت الكبير الذي لقيه، ولا تفسر لنا كيف كان يحتل محلا مرموقا من الاحترام لدى أشخاص عرفوا بسعة العقل كما عرفوا بالاستقامة في الأخلاق، ولا تفسر لنا كذلك كيف نجح الرجل في تأسيس دين قد انتشر في العالم كله واستطاع أن ينتج رجالا مرموقين في سموهم الروحي، فليس من شك إذاً أن محمداً كان صادقا، وليس من شك أيضا في أن محمداً كان مقتنعا تمام الاقتناع بينه وبين نفسه وفي صميم شعوره بأن القرآن من عند الله وأنه ينزل عليه من السماء”. ولكن ذلك لا يمنع في رأي السيد “وات” من افتراض أن يكون محمد نفسه واهما.
ونحن نرى أن بإمكان كل إنسان أن يفترض أن الأنبياء ومؤسسي الأديان كانوا واهمين مخدوعين، وهو افتراض يصدم أتباعهم صدمة مؤثرة، وعلينا – على الأقل- أن نشعر بأنّ مجرد الإشارة إلى هذه الفرضية وإلصاقها بمحمد يصدم المسلمين في أصدق مقدَّساتهم، فمحمّد في نظر المسلمين كما لاحظ السيد “وات” نفسه هو الأسوة والقدوة وهو المثل الأعلى الأخلاقي والروحي للعالم أجمع، فكيف يمكنهم أن يقبلوا من مستشرق غربي أن يلقي شيئا من الشك في نفوسهم عن الوحي الذي أنزل على نبيهم بتصوير ذلك الوحي خداعا؟.
ولذلك فإن مثل هذا الكتاب رغم تصحيحه لكثير من الأخطاء المنتشرة عن مؤسس الإسلام، ورغم سعة اطّلاع مؤلفه، لا يمكن أن يؤدي المطلوب من حيث التقريب بين المسيحية والإسلام، فمثل هذا التقريب إن كان ممكنا، لا يمكن أن يأتي ثمرة لأعمال الاستشراق الرسمي مهما كانت المسحة العلمية التي يتمسّح بها قوية، إنما يأتي التقارب ثمرة لجهد صادق في محاولة فهم عميق لهذا الدين يتعاون فيها قلب المؤمن، ودماغه المفكر معا ..”.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com