اتجاهات

وقـفـــات إيمـــانـيـــة فـــي زمـــن الوبــــاء

عبد العزيز كحيل/

طبيعي جدا أن يتضايق الناس من جوّ الجائحة وانتشار أخبارها المفزعة ووقائعها الأليمة، وأريد التنبيه في هذا الصدد على مسائل:
– لا يُعقل أن يأخذ الناس ثقافتهم الصحية وزادهم الطبي من الوسائط الاجتماعية مثل فيسبوك ويوتيوب، فهي كما يلاحظ الجميع تطفح بالأخطاء الفادحة وبالتناقض الصريح بين الأطباء، كل واحد ينقض وصفة السابق، وهذا يشوش على الناس ويزيد من سوء حالتهم النفسية ويربكهم ولا ينفعهم في شيء، وهو أشبه بالفتاوى الدينية المتناقضة التي تصدر من غير أهلها فتفسد ولا تصلح، ولا بد من سلطة – كنقابة الأطباء والمجلس العلمي التابع لوزارة الصحة – لضبط الأمور، فإليكم هذه النصيحة:لا تأخذوا ثقافتكم الطبية والصحية من فيسبوك ويوتيوب، فيهما كلام متناقض ووصفات غير علمية وأحاديث تنشر الوسوسة والارتباك،انتبهوا وتبينوا.
– إشاعة الأمل: إن «فعل الخير المعنوي»من أجلّ الأعمال، مثل إدخال السرور على مهموم ومعالجة قلقة وإعادة الأمل إلى قلبه وملء نفسه بالثقة بالله وبالذات وإزالة همّه والتخفيف من الضغط النفسي الواقع عليه.
– قبس من عرفات: زمن الجائحة القاتلة يجعلنا نتذكر الآخرة ونحيي في أنفسنا مواطن التوبة ورقة القلب والإقبال على الله تعالى وصفاء النفوس وإخبات القلب، تذكرتُ يوم عرفة…في صعيد عرفات الطاهر كنّا كأننا في الآخرة…لا توجد هناك مشاغل دنيوية بل ذكر طول اليوم ودعاء وتضرع ودموع وابتهالات، الحناجر لا تتعب ولا تتوقف، الرجال والنساء والكبار والصغار يجأرون إلى الله تعالى…الموقف يعلوه اسم واحد : «الله»…الله أكبر، ولله الحمد…الموقف يظهر فيه شيء واحد: «الإيمان»…هذا ما جعل وفد الرحمن لا يتعب ولا يسأم ولا يتوقف عن تجديد الصلة بالله والإقبال عليه بكل إخلاص.
ما رأيت في حياتي – وقد رأيت فيها الكثير – ما يشبه موقف عرفات في الجلال والعظمة والروعة …ولعل زمن الوباء وما فيه من ضيق وضغط نفسي يعيد إلى أذهاننا وقلوبنا مشاهد يوم عرفة لأنها مشاهد أقرب إلى مشاهد الآخرة، وكنت كأنني أحسّ أن صوتا من الملإ الأعلى يُشهد الملائكة أنه قد غفر لهذه الجموع المتضرعة المخبتة المتذللة على عتبة باب الله… عسى الله أن يغفر لي ولكم ويثبتنا على الحق.
– إنه زمن التوبة: الله تعالى يحبّ أن يُذكر فلا يُنسى، وأن يُطاع فلا يُعصى، لكن الإنسان واقع لا محالة في الغفلة والمعصية غير أن له – مادام على قيد الحياة- مجالا للاستدراك وهو التوبة، وليست كل توبة صادقةً ولا مقبولةً، إنّما التوبة التي ترضي الله وتمحو الذنوب وتحوّلها إلى رصيد من الحسنات، هي رجوع المؤمن بكلّيّته إلى الله بعد الشرود، أي بعقله وقلبه وجوارحه، وتوبة العقل أن يعرف نفسه وربّه ويعترف بتقصيره في حق خالقه، ويكفي أن يذكر كيف يتحبّب إليه الله بالنعم وهو غني عنه، بينما يقابله بالمعاصي وهو أفقر الخلق إليه، وقد ورد في حديث سيد الاستغفار:﴿أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنّه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت﴾(رواه البخاري).
فإلى الندم وشحذ العزيمة للثبات على الاستقامة والتزود بأنواع العمل الصالح وحسناته من مثل بر الوالدين وصلة الأرحام وإعادة التواصل مع المؤمنين والتوسعة على المحتاجين، إضافة إلى طول الركوع والسجود والتضرع والصوم وتدبر القرآن والذكر، حتى نلقى الله وهو راض عنا.
– الدعاء: هو زاد المؤمنين الأكبر خاصة في أزمنة الشدة والبلية والمحنة:
• اللهم يا لطيف، يا قوي، يا عظيم،يا عزيز، يا ذا الجلال والإكرام، يا رب، قد أريتنا قدرتك فأرِنا عفوك فما أحوج الأمة إليك وإليه في زماننا.
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا، اللهم اعتق رقابنا ورقاب آبائنا من النار يا أرحم الراحمين
اللهم اجعل للمسلمين من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية،اللهم أتم عليهم نعمتك وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة، يا رب.
• يا رب…
يا رب التائهين ارشدنا
يا رب المكسورين اجبرنا
يا رب الجاهلين علمنا
يا رب الضعفاء قوّنا
يا رب الفقراء أغننا
يا رب الأذلاء أعزّنا
يا رب المحزونين أسعدنا
يا رب المصابين عافنا
يا رب المحرومين اعطنا
يا رب الخائفين أمّنّا
يا رب…إلى من نشكو وأنت موجود؟ ولمن نبكي ومن اتاك غير مردود؟ ومن ندعو وأنت وحدك المعبود؟ ومن نرجو ورجاؤنا فيك غير محدود؟
– وإنه زمن التوبة وتيسير العودة إلى الله: جاء رجل أثقلته ذنوبه إلى شيخ رباني يسأله:هل يقبلني ربي على عظيم جرمي؟قال له:ويحك،إنه يدعو المدبرين أفلا يتوب على المقبلين؟هذا هو ربنا سبحانه وتعالى.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com