تهديدات إسرائيل لإيران: حرب إعلامية أم مقدمة لصدام مسلح ؟
أ. عبد الحميد عبدوس/
تصاعد التوتر بشكل متسارع بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وجمهورية إيران الإسلامية بما ينذر بحدوث صدام مسلح بين الدولتين خصوصا بعد اتهام إسرائيل إيران بمهاجمة السفينة الإسرائيلية «ميرسر ستريت» مما أدى إلى مقتل اثنين (بريطاني وروماني) من طاقم السفينة . وأشارت صحيفة هآرتس إلى أن الحكومة الإسرائيلية توظف هذا الهجوم «لحشد تحرك سياسي عالمي ضد إيران وإظهارها بأنها عقبة دولية»، ولكن بعد مرور أسبوع على هذا الحادث صرح وزير الدفاع الاسرائيلي، بيني غانتس، أن إسرائيل: «مستعدة لمهاجمة إيران».
بالرغم من أن لعبة تبادل اللوم والتهديد والتراشق بالتهم بين إسرائيل وإيران بخصوص الحوادث البحرية ليست جديدة، إلا أن اللافت للانتباه في الأسبوع الماضي هو مسارعة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى تبني وجهة النظر الإسرائيلية وتهديد إيران بالرد المناسب، وكأن السفينة التي تعرضت للهجوم هي سفينة أمريكية.
في ربيع السنة الجارية (2021) كشفت الصحيفة الأميركية (وول ستريت جورنال) أن إسرائيل استهدفت ما لا يقل عن 12 سفينة إيرانية، وأنها استخدمت منذ أواخر 2019 أسلحة متنوعة بما فيها ألغام بحرية، لاستهداف السفن الإيرانية أو تلك التي تحمل شحنات إيرانية، عبر البحر الأحمر وممرات مائية أخرى في المنطقة، وأنه في عام 2020 تعرضت السفن الإيرانية لستة هجمات على الأقل من طرف إسرائيل، وقبل فتح هذه الجبهة البحرية ضد إيران كانت إسرائيل وظلت تستهدف مواقع إيرانية عبر طائراتها ومقاتلاتها العسكرية على الأراضي السورية وفي مناطق حدودية، ولم تكتف إسرائيل بشن الهجمات الجوية والبحرية ضد إيران، بل إنها تورطت بشكل سافر في عمليات إرهابية صادمة تدل على استهتارها بالقوانين والمواثيق والأعراف الدولية واستباحتها لأراضي الغير باغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة في شهر نوفمبر من السنة الماضية (2020)، وعلى إثر هذا العمل الإرهابي الصهيوني ، دعت إيران على لسان وزير خارجيتها جواد ظريف، المجتمع الدولي إلى الكف عن معاييره المزدوجة. وآنذاك كتبت مجلة (ناشيونال إنترست) الأمريكية تقول: «لو نفذت هذه الاغتيالات التي استهدفت علماء إيرانيين، ضد علماء في الغرب أو إسرائيل لكانت وصفت بأنها عمليات إرهابية» ووصل الأمر بإسرائيل إلى ممارسة الإرهاب النووي بشن هجمات سيبرانية ضد المنشاءات النووية الإيرانية، فقد كشفت التسريبات في الصحافة الإسرائيلية أن الوحدة 8200 في جيش الاحتلال الإسرائيلي، هي التي تقف وراء الهجمات على منشأة نطنز النووية الإيرانية منذ عام 2016، كل هذه الهجمات الخطيرة والمهددة للسلم والأمن في منطقة الشرق الأوسط والعالم لم تجعل الولايات المتحدة الأمريكية العضو الأقوى في مجلس الأمن الدولي تحرك ساكنا، أو تدعو مع دعوة دول أوروبية إلى انعقاد مجلس الأمن الدولي، مما دفع المتابعين إلى التساؤل عما إذا كانت الولايات المتحدة راضية أو متواطئة أو مشاركة في هذه الهجمات الإرهابية ضد دولة إيران التي سارعت دون تثبت إلى إدانتها في حادث السفينة «ميرسر ستريت»، بل توعدتها بالرد ،وهذا ما جعل إسرائيل لا تخشى من عواقب ممارساتها الإرهابية وتبقى في منأى عن المساءلة أو التعرض للعقوبات الدولية.
في سنة 2019 اختار مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي السابق جامعة القاهرة بمصر ليعلن منها أمام مستمعيه من العرب والمسلمين أن الولايات المتحدة هي «قوة للخير في الشرق الأوسط». غير أن الأيام والوقائع أثبتت أن «خير» الولايات المتحدة الأمريكية يقتصر غالبا في الشرق الأوسط على إسرائيل، وأن شرها وعدوانها غالبا ما يصيبان الدول العربية والمسلمة. ورغم تغير الرؤساء والأحزاب الحاكمة الأمريكية وتغير الظروف السياسية والاستراتيجية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ظلت الحكومات الأمريكية المتعاقبة ملتزمة بحماية إسرائيل ودعمها وضمان تفوقها العسكري على جيرانها العرب والمسلمين، وسواء كان السر في العلاقة الخصوصية والمتميزة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل يكمن في قوة اللوبي الإسرائيلي الذي جعل بعض الرؤساء الأمريكيين يقدمون مصالح إسرائيل على المصالح الأمريكية في بعض الأحيان والمواقف، أو في الأهمية الاستراتيجية لإسرائيل كقاعدة أمريكية متقدمة في منطقة الشرق الأوسط، أو يكمن في الروابط الحضارية والثقافية المتينة التي ساهمت في ظهور التحالف الإنجيلي المسيحي واليمين الصهيوني إلى الحد الذي جعل الباحث الأمريكي والتر راسييل مييد يقول «إن التأييد الأميركي البروتستانتي لليهود وإسرائيل وجد قبل أن يطأ اليهود الدولة الأميركية الناشئة، وقبل أن تتأسس دولة إسرائيل». فكل الأسباب تؤكد حقيقة واحدة وهي أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تملك المصداقية في تقييم الأوضاع بخصوص الصراع في الشرق الأوسط، ولا تستطيع أن تحمي الحق أو تضمن العدالة عندما يتعلق الأمر بمصالح إسرائيل في المنطقة.
بعد نهاية عهدة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي كان أكثر صهيونية من زعيم اليمين الإسرائيلي المتطرف بنيامين نتنياهو، وتسلم الرئيس الديمقراطي جو بايدن لمقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية تفاءل بعض العرب بإمكانية الإدارة الأمريكية الجديدة ضبط السلوك العدواني لإسرائيل، وإلزامها بقبول الشرعية الدولية في علاقاتها الخارجية، ولكن صحيفة (تايمز أوف إسرائيل) العبرية أوحت لقرائها بأن دار لقمان في أمريكا ستظل على حالها وأن التحيز الأمريكي المطلق لإسرائيل لا يتغير بتغير الرؤساء والحكام في أمريكا ،وذلك بنشرها لقائمة أهم الشخصيات اليهودية الأمريكية التي اختارها الرئيس الديمقراطي جو بايدن لتولي أهم المناصب الحساسة في إدارته الجديدة.
ومنها أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الذي صرح خلال جلسة التصديق على تعيينه في الكونغرس بأنه سيتشاور مع إسرائيل بشأن سياسة إيران. وميريك جارلاند، المدعي العام في الولايات المتحدة الذي نسب الفضل في ما أصبح عليه إلى أجداده، الذين فروا من معاداة السامية في أوروبا قبل مجيئهم إلى الولايات المتحدة. ورونالد كلاين، كبير موظفي البيت الأبيض الذي حافظ على علاقاته مع كنيس طفولته في إنديانابوليس، وتحدث عن التزامه بتربية أطفاله على أصول الديانة اليهودية. وأفريل هاينز، مديرة لوكالة الاستخبارات المركزية(CIA)، التي تنحدر من عائلة نصف يهودية، حيث أن والدتها رسامة يهودية، فيما أن والدها غير يهودي، وروى مرة أنه ذهب مع ابنته إلى رحلة إلى إسرائيل، لتعرف نفسها اليهودية. وأليخاندرو مايوركاس، وزير الأمن الداخلي الذي ينحدر من عائلة يهدوية كوبية، حيث ولد في كوبا لأب يهودي كوبي وأم يهودية رومانية نجت من الهولوكوست. وينخرط مايوركاس في العمل مع الجماعات اليهودية، وتحدث كثيراً عن التهديدات المحددة التي تواجه اليهود الأمريكيين. وجانيت يلين، وزيرة الخزانة أول إمرأة في الولايات المتحدة الأمريكية تتولى وزارة الخزانة الأمريكية، وتنحدر من أسرة يهودية بولندية. وويندي شيرمان، نائبة وزير الخارجية التي لعبت دورا مهما في تحويل برنامج الحزب الديمقراطي ليكون مؤيدا لإسرائيل وديفيد كوهين، نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية مما يعني أن وكالة الاستخبارات المركزية التابعة لإدارة بايدن لديها خبير كبير في قضايا إيران من اليوم الأول.
وفي المقابل تجب الإشارة إلى أن إدارة جو بايدن الديمقراطية هي أكثر الإدارات الأمريكية انفتاحا على العرب والمسلمين، ولم تخل من شخصيات مسلمة ضمن فريقها على غرار، عائشة شاه، مديرة شراكة في مكتب البيت الأبيض للاستراتيجية الرقمية، وسميرة فاضلي. نائب المدير في المجلس الاقتصادي الوطني الأمريكي، وهما من أصول كشميرية، على زيدي، نائب مستشار المناخ الوطني وهو من أصول باكستانية، وزين صادق، نائب رئيس موظفي البيت الأبيض وهو من أصول بنغلاديشية.
ومن العرب المسلمين اختار جو بايدن ضمن فريقه الحكومي ريما دودين، نائبة مدير مكتب البيت الأبيض للشؤون التشريعية وهي من أصول فلسطينية، وهادي عمرو نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الفلسطينية والإسرائيلية ،وهو مولود في لبنان من أب فلسطيني وأم لبنانية.
كما رشح الرئيس بايدن المحامي رشاد حسين من أصول مصرية ليشغل منصب» سفير متجول للحريات الدينية الدولية»، وحسب البيت الأبيض فإن هذه التعيينات تؤكد التزام الرئيس بايدن ببناء إدارة تشبه أمريكا وتعكس التنوع الديني.
كل هذه المعطيات تؤكد أنه مازال أمام الولايات المتحدة الأمريكية التقدم بخطوات كبيرة لتكون بحق «قوة للخير في الشرق الأوسط» وحامية للقيم الإنسانية في العالم.