العروبة الثقافية والعروبة العرقية عند الشيخ ابن باديس/سيفاوي عبد اللطيف
لقد ختمنا مقالنا السابق بالقول» فالعروبة المطروحة عند جمعية العلماء هي عروبة ثقافية وليست عروبة عرقية وبالتالي فإنّ العروبة من هذا المنظور لا تلغي البعد البربري ولا تتناقض معه.
وفي هذه النقطة بالذات، فإذا رجعنا إلى مقالات ابن باديس، المنظر الأول لجمعية العلماء والواضع لأهم أسسها وتوجهاتها، فالمسألة واضحة كل الوضوح.
ولقد جاءت مجموعة من المقالات لابن باديس إثر الجدل الذي أثاره الباشا الباروني حول رأي عبّر عنه الأمير شكيب أرسلان حول الوحدة السياسية بين العرب واستبعاده لمسلمي المستعمرات، أي دول المغرب، فكتب ثلاثة مقالات مدافعا عن شكيب أرسلان وموضحا رأيه حول المسألة، الأول تحت عنوان “مسألة عظيمة” لم ير فيه ما يمكن نكرانه فيما نسب للأمير أنّ “طرابلس الغرب وتونس والجزائر ومراكش، بلاد عربية وإن كان فيها بربر أكثر من العرب، فإنّ ثقافة هؤلاء البربر عربية وهم على كل الأحوال مسلمون فهذه الأمة منا ولنا ومعنا كما أنّ قلوبنا متحدة بيننا وبينهم” فيعقب على هذا الكلام بقوله “فأين هي براءة الأمير من مسلمي المستعمرات…؟[1].
ويتبع هذا المقال الأول بمقال آخر بعنوان “الوحدة العربية، فهل بين العرب وحدة سياسية ” ويعرف العرب كالتالي “إذا قلنا العرب فإننا نعني هذه الأمة الممتدة من المحيط الهندي شرقا إلى المحيط الأطلنطي غربا، والتي… تنطق بالعربية وتفكر بها وتتغذى من تاريخها وتحمل مقدارا عظيما من دمها وقد صهرتها القرون في بوتقة التاريخ حتى أصبحت أمة واحدة[2].
ثمّ يأتي المقال الثالث، بعنوان “كيف صارت الجزائر عربية” وفيه يطرح ابن باديس مسألة عروبة الجزائر بوضوح، مؤكدا على طابعها المعنوي والثقافي وليس العرقي.
ويستهله بالقول “ما من نكير أنّ الأمة الجزائرية كانت مازيغية من قديم عهدها وأنّ أمة من الأمم التي اتصلت بها ما استطاعت أن تقلبها عن كيانها ولا تخرج بها عن مازيغيتها أو تدمجها في عنصرها؛ بل هي التي كانت تبتلع الفاتحين فينقلبوا إليها، ويصبحوا كسائر أبنائها، فلما جاء العرب، وفتحوا الجزائر فتحا إسلاميا… دخل الأمازيغ من أبناء الوطن في الإسلام وتعلموا لغة الإسلام العربية، فامتزجوا بالعرب بالمصاهرة، ونافسوهم في مجال العلم، وشاطروهم سياسة الملك… فأقام الجميع صرح الحضارة الإسلامية ونشروا لواءها بلغة واحدة هي اللغة العربية الخالدة… فأصبحوا شعبا واحدا عربيا متحدا غاية الإتحاد، ممتزجا غاية الامتزاج، وأي افتراق يبقى بعد ان اتحد الفؤاد واتحد اللسان”[3]
ثم يبين بتعداد مجموعة من الأسباب كيف دخل الأمازيغ من أبناء الوطن الإسلام وتعلموا لغة الإسلام، وامتزجوا بالعرب بالمصاهرة وأقاموا معا صرح الحضارة الإسلامية، واتحدوا في اللغة والعقيدة “فأصبحوا شعبا واحدا عربيا متحدا… فلبس أبناء الجزائر العروبة وامتزجت بأرواحهم..”
هذا تاريخيا أما الآن حسب ابن باديس فاللغة العربية هي لسان الأمة الجزائرية كلها، وأن الأمازيغية لا تستعمل إلا في بعض النواحي القليلة استعمالا شفهيا محليا. كما أنّ العربية هي لغة الكتابة والتخاطب، وهذا التعريب كان طبيعيا، اختياريا صادقا[4].
ويقرر أنّ تكوّن الأمة ليس متوقف على اتحاد دمها ولكنه متوقف على اتحاد قلوبها وعقولها، ثم يتكلم عَمّن يصفهم بـ “الغلاة المتعصبين لها” أي لفرنسا، والذين يحاولون بوجود اللغة الأمازيغية في بعض الجهات وجودا محليا وجهل عدد قليل جدا بالعربية… أن يشككوا في الوحدة العربية للأمة الجزائرية التي كونتها القرون وشيدها الأجيال”[5]
فإذن فإنّ العروبة في الجزائر بمفهومها الثقافي عند ابن بايس قائمة على ثلاث شرعيات، تاريخية واجتماعية ودينية.
وفي مقال آخر له، جاء فيه “أما أبناء يعرب وأبناء مازيغ فقد جمع بينهما الإسلام منذ بضعة عشر قرنا ثم دأبت تلك القرون تمزج بينهم في الشدة والرخاء، وتؤلف بينهم في العسر واليسر وتوحدهم في السراء والضراء، حتى كونت بينهم خلال أحقاب بعيدة عنصرا مسلما جزائريا، أمه الجزائر وأبوه الإسلام”
[1]الشهاب ج13 ص 485،486
[2] 523الشهاب ج13 ص
[3] مجلة الشهاب قسنطينة عدد فبراير 1938/كيف صارت الجزائر عربية
[4] 13 p 565 et 566الشهاب ج13 ص
[5] 567الشهاب ج13 ص