هل آن أوان العودة إلى الذات والارتماء في المحاضن التربوية
أ. لخضر لقدي/
في حياة الأفراد عندما يفترق الجميع يعود كل واحد إلى منزله، وفي التجمعات عندما تفترق الطرق وتكثر المزالق وتتوالى العقبات يعود أصحاب الدعوات إلى تراثهم وثقافتهم وذاتهم الخاصة وهويتهم المتميزة.
ونقد الذات ومراجعة النفس ومراقبتهاواجب، فلم تشرع التوبة إلا للعودة للصواب، وكيف يكون تصحيح المسار دون مراجعة وتقييم وتقويم وتدقيق ومحاكمة.
ونقد الذات ومراجعتها طوق نجاة وليس حبل مشنقة، وهو سعي لبلوغ الكمالات وتصحيح للمسارات.
ومن تأمل سورة التوبة بان له جليا أهمية مراجعة الأخطاء (قصة الذين خلفوا)، والمراجعة سنة نبينا صلى الله عليه وسلم.
وهو القائل: «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ من أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ؛ ما أَهْدَيْتُ، ولولا أن معي الهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ».
وقالت عائشة: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا غَسَّلَ – رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم- غَيْرُ نِسَائِهِ.
ومما أُثر عن حسن البنا رحمه الله قوله: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لعُدت بالإخوان إلى قراءة المأثورات»، روى عنه هذا القول الشيخ محمد الغزالي، والأستاذ فريد عبد الخالق رحمهما الله، وحكاه كثيرون.
وقوله لا يعني البتة الندم عن خوض غمار السياسة والدعوة إلى الله، ولكنه استشعار للمسؤولية، ومراجعة للأداء، وبيان لأهمية التربية ابتداء وانتهاء، وترتيب لسلم الأولويات، وبيان لضرورة تخصص فئة في كل جانب تتقنه وتبدع فيه، وليس عملا يحشر فيه الجميع وتحكمه العاطفة والارتجال، فقد واصل حركته ونشاطه دون كلل ولا ملل، بل وبعث برسالة إلى المجاهدين في فلسطين قائلا: «أيها الإخوان لا يهمكم ما يجري في مصر، فإن مهمتكم هي مقاتلة اليهود وما دام في فلسطين يهودي واحد فإن مهمتكم لم تنته».
ومما يؤسف له أن كثيرا من رجال العمل الإسلامي وأبنائه يرفضون توجيه أي نقد لهم، ويخلطون بين ذواتهم والإسلام، معتبرين كل نقد لهم نقدا للإسلام ذاته.
وهنا لا بد أن نعلم أن هناك فرقا بين النص وفهمه وتطبيقه، وكل خطأ أو انحراف مصدره الخطأ في فهم النص الشرعي أو في تنزيله على أرض الواقع، وهو ما يسميه العلماء بتحقيق المناط.
والدعوة إلى الله تعالى واجبة على كل فرد من المسلمين بحسب استطاعته وقدر علمه، أما وقاية النفس والأهل من النار ففرض عين، وهل ينفعك من دخل الجنة إذا دخلت أنت النار,وهل يضرك من دخل النار إذا دخلت أنت الجنة.
إن الناقد المتبصر ليرى واضحا أن من نتيجة تضخم السياسي على حساب الدعوي: فتنة الناس في دينهم، وانصراف بعض الناس عن التدين، وتفريغ التدين من محتواه، وضعف الثقة في المتدينين التي نخاف أن تطال الدين نفسه، والاتهامات التي تطال القادة بسبب الانغماس وترك العفاف والتعفف، اللتان هما من سمات القادة والدعاة.
فلا تدفنوا رؤوسكم في الرمال، عودوا إلى محاضنكم التربوية تعمرون المساجد، وتصلحون الحال، تكونوا قوما صالحين.
ولله درّ شكيب أرسلان المفكر الواسع المدارك، الممتدّ الأفق، الذي ينفُذ إلى أعماق القضية، مُستندا إلى سنن الله المضطردة بين عباده إذ قال: ،تأتيني كتب كثيرة من المغرب، وجاوا، ومصر، وسوريا، والعراق، ونفس فلسطين بلدكم، يقترح أصحابها عقد مؤتمر إسلامي أو انتخاب خليفة أو ما أشبه ذلك، ويكون جوابي دائما: يجب أن نؤسس من تحت، يجب أن نُربّي الفرد…، أما أن نعقد مؤتمرا مجموعا من أفراد ليس لهم إرادة مستقلة وهم لا يقدرون أن يُنفّذوا قرارا، فما فائدة ذلك؟ أتريد أن نجمع أصفارا؟».
كونوا ممن يملك حاسة التبصر والتيقظ والتحسب، ولا تدفنوا رؤوسكم في الرمال كما تفعل النعامة المظلومة، فقد كان الظن أن النعامة تفعل ذلك لتختفي من الخطر الذي يتهددها، وهي تهمة باطلة علميا وإن ترددت تاريخيا، فقد دلت الدراسات أن هذا الاعتقاد خاطئ، فطائر النعام يحمي نفسه من الخطر، عن طريق التنصت لدبيب الأقدام ,والذبذبات التي ينتشر صداها في الأرض من مسافات بعيدة لوقع خطوات الحيوانات الخطيرة، فقد هداه الله ليعلم أن انتقال الصوت في المواد الصلبة أسرع كثيرًا من انتقاله في الهواء.