اتجاهات

عن الباطن وأعمال القلــــــوب

عبد العزيز كحيل/

يقول ابن عطاء في حكمه: «الأعمال صور قائمة، وروحها وجود سر الإخلاص فيها».
مدار قبول أعمال المؤمن لا يقتصر على أداء الأشكال والصيغ بل لا بد من توفر الإخلاص فيها، والإخلاص محله القلب، ذلك أن القلب محل نظر الله تعالى، وهو المحطة الأولى في صلاح الإنسان، وحاجته إلى التغذية التي تديم عليه الحياة والصحة كحاجة الجسم، وإنما يتمثل طعامه وشرابه في المواعظ الرقيقة المؤثرة، وأحسن موعظة هي كلام الله تعالى ووصايا الرسول صلى الله عليه سلم، وتبقى المواعظ حاجة ملحة لازمة ما بقي في الناس إسلام وإيمان، لهذا شرعت خطبة الجمعة، واعتمد الخطباء تشنيف أسماع المؤمنين بالمُلح الرقيقة التي تخشع لها القلوب وتدمع لها العيون، والمكتبة الإسلامية تطفح بكتب المواعظ والرقائق والتحلية النفسية، وعلى رأسها «إحياء علوم الدين» لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي، مدارج السالكين للإمام ابن القيم والحكم العطائية، ونحو ذلك كثير لا يأتي عليه العد.
في هذا السياق يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد كلام طويل عن الإيمان والإسلام والصدق والإخلاص: «وهذا الذي ذكرناه مما يبين أن أصل الدين في الحقيقة هو الأمور الباطنة من العلوم والأعمال، وأن الأعمال الظاهرة لا تنفع بدونها».
وقد علق الشيخ القرضاوي على كلام شيخ الإسلام فقال: «وإنما حرصت هنا على نقل كلام ابن تيمية لظن بعض الناس أنه لا يهتم إلا بالاتّباع في المراسم والعمال الظاهرة، وهذا غير صحيح ومخالف لسيرة الرجل، فقد كان ربانيا مؤمن العقل والقلب عظيم الحب والخشية لله، إنما ظلمه بعض الذين يتمسحون به ويدعون انتماءهم إلى مدرسته من الجفاة الغلاظ الذين لا يعرفون الدين إلا رسوما وشكليات، يمسون ويصبحون وهم يتحدثون عنها ويتحمسون لها، ويكادون يقتالون من أجلها، وإذا دعوتهم إلى توجيه العناية إلى أصول الدين وحقائقه الكبرى وهموم أمته وأعباء صحوته ومؤامرات خصومه اتهموك بأنك ضد السنة المشرفة وعدو السلف الصالح !!!» – كتاب هدي الإسلام (فتاوى معاصرة)، الجزء الثاني ص 516
إن أصحاب القلوب الحية والبواطن السليمة يهتدون بأنوار الربانية ويتدرجون في مدارج الربانيين مستصحبين حاجتهم إلى الله بالليل والنهار والغدو والآصال، يتحسسون في قلوبهم وسلوكهم مواطن الضعف بعين ناقدة بصيرة منزعجة ليبادروا إلى الاستدراك والعلاج وتجديد الصلة بالله تعالى والتوبة الصادقة النصوح، كأنهم يرون اليوم الآخر رأي العين، الجنة عن أيمانهم والنار عن شمائلهم، والصراط نصب أعينهم، يزينون قلوبهم بالخشية ويغسلون وجوههم بدموعهم وألسنتهم بذكر الله، ولا يكفون عن التساؤل: متى الرحيل ولقاء الأحبة محمد وصحبه؟
إن من اهتموا بإصلاح بواطنهم يبارك الله في أعمراهم وينمي سعيهم بشكل عجيب فيأتون من وجوه الخير وصور البرّ ما لا يُتاح لغيرهم، وهكذا شأن من قلوبهم معلقة بالملأ الأعلى، يرتفع قدرهم، وتستقيم أعمالهم، ولا غرو أن صلاح الباطن لا معنى له إذا لم ينعكس على الظاهر، ولا معنى لمزاعم قلب نظيف إذا كان السلوك غير مستقيم ولا منضبط بضوابط الشرع، وإما يكون الإنسان ربانيا إذا أتقن معادلة صلاح الظاهر والباطر، واحترم سلم الأولويات، ونجا من مكايد الشيطان الذي لا يكفّ عن محاولات الإرباك، والموفق من وفقه الله تعالى وأنار بصيرته وثبته على طريق التوازن النفسي والسلوكي.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com