تونس: النموذج الذي لم يكتمل
أ. عبد القادر قلاتي/
إلى وقت قريب كانت الحالة التونسية النموذج المستثى من قاعدة الفشل الذي أنهى حلم الشعوب العربية في التحوّل الحقيقي نحو دولة القانون والمؤسسات، والخروج النّهائي من مجال دولة الاستبداد والتبعية، فقد اعتقدنا أنّ ثورات الربيع العربي هي بداية النّهاية لتلك النّماذج المشوهة، وأنّ عصراً جديداً قد لاح في الأفق يبشرنا بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني، ومجمل المفردات التي قرأناها في المدونات السياسية، لكن الحلم ظلّ حلماً ولم يتحوّل إلى حقيقة بعد أن شاهدنا كيف تمّ اغتيال التجارب السياسية الجديدة، وكيف عادت النماذج المشوهة(الدولة العميقة) إلى الحياة السياسية، أكثر شراسة وعداء، وكيف انطفأت جذوة الثورة في نفوس الشعوب التي حسمت أمرها في التغيير الحقيقي، وكيف تهاوت هذه النماذج الجديدة الواحدة بعد الأخرى، ومع القرار الذي خرج به الرئيس التونسي قيس سعيد، تكون هذه النّماذج قد لاقت نفس المصير، ولم تعد التجربة التونسية استثناء، بل صدقت القاعدة ورسختها في الوعي السياسيّ العربي.
هناك من كان يعمل ليل نهار لإفشال التجربة التونسية، وخصوصاً من أعلنوا العداء للربيع العربي، وكانت لهم يد في إفشال الكثير من التجارب، سواء كانت دولا عربية أو غربية، ولذا كانت مجهوداتهم تتكاثف يوماً بعد يوم، سبقتها محاولات باءت بالفشل، وجاءت اللحظة الحاسمة التي أبدعها الرئيس الشرعي الذي جاءت به الديمقراطية إلى سدة الحكم، فأعطاها ظهره، وخضع للأجندات الخارجية التي يعلم مراميها ويدرك أهدافها، وضحى بمسار ديمقراطي حقيقيّ كاد أن ينجح ويصنع فعلاً الاستثناء لتونس، لكن هذه القرارات العرجاء كانت دائماً المحطات التي تصنع الفشل للكثير من التجارب التي عرفتها بلادنا العربية، فنخسر بسببها الكثير من الرصيد والمجهودات النّضاليّة التي تقدمها الشعوب العربية من أجل بناء دول عصرية تنعم فيها بالحرية والاستقلال السياسي والاقتصادي، كما هو عليه الحال في الكثير من شعوب العالم.