مساهمات

حـــــرب الـــذاكرة بيـــن الجــزائـــر وفرنســــا، ومــواقـــف قـــادتهـــــا فرانســــوا ميتــران «الاشتـراكــي» نمــوذجــا

باريس/سعدي بزيان/

كثر الحديث في المدة الأخيرة وعبر الصحف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة، وأدلى العديد من الأساتذة الجزائريين المختصين في التاريخ المعاصر، بل إن البعض منهم تحدث عن تخصص في تاريخ ثورة نوفمبر 1954- 1962، وعندما تقرأ هذه المقالات تكاد لا تخرج منها بمعلومات تثري ذاكرتك التاريخية ذلك أنه من الصعب الحديث في هذا الموضوع دون الاطلاع على مواقف وآراء وأفكار قادة فرنسا السياسيين الذين كانوا دوما في مراكز السلطة، ويملكون مصادر القرار، وكانوا هم الخصم والحكم في هذه الحرب، فمنهم المنتمون للحزب الاشتراكي بجناحيه: الميتراني، والغي موللي ويرمز له بالحرفين P.S) (والحزب الاشتراكي الموحد، ويرمز له بالحروف اللاتينية الثلاث -P.S.U والذي كان يرأسه ميشال روكار الذي كان مناصرا لاستقلال الجزائر، وله تقرير صدر في كتاب مفصل تناول فيه قصة المحتشدات التي تم زرعها في كامل القطر الجزائري وكان الهدف من وراء إنشائها فصل الشعب عن الثورة، ومراقبته، ورصد تحركاته، في حين نرى حزب الشعب غي موللي) الإشتراكي (ومعه فرانسوا ميتران الذي كان عشية اندلاع ثورة نوفمبر 1954 وزيرا للداخلية وتحالف مع الجيش للقضاء على الثورة الجزائرية وقد صرح أثناء اندلاع ثورة نوفمبر 1954: «إن التفاوض الوحيد هو الحرب»، وعندما كان وزيرا للعدل في حكومة غي موللي GUY MOLLET وقبل انتهاء مرحلة قيادة وزارة العدل كانت قد صدرت 45 حكم إعدام الوطنيين الجزائريين بالمقصلة خلال ستة أشهر من توليه وزارة العدل، والغريب أن ميتران عندما وصل إلى الحكم في 10 مايو 1981 ألغى حكم الإعدام في فرنسا، وقد ورد في كتاب:
LA GUERRE D’ALGERIE» FRANCOIS MITTERRAND»
«شارك في إعداده الصحافي MALYE وBENJAMINSTORA»
هناك غرائب سجلها التاريخ، وهو أن الشباب الجزائري في فرنسا عندما نجح فرانسوا ميتران في الانتخابات في 10 مايو 1981 احتفل هؤلاء الشباب في ساحة الجمهورية بباريس ورقصوا فرحا وطربا بنجاح ميتران على خصمه جيسكار ديستان، وكان خيرا وبركة على اليهود وخصهم بالوظائف العالية والمناصب الرفيعة وكان هناك جاك أتاي اليهودي من يهود قسنطينة مستشاره الشخصي وحرمه يهودية وأن أحد أبنائه أدى خدمته العسكرية في إحدى» الكيبتسات» اليهودية في إسرائيل وكان ميتران قبل اندلاع ثورة نوفمبر 1954 قد عرف الجزائر وكان له صديقه يهودي في وهران طالما قضى عطلته الصيفية: بجواره وفي ضيافته، والحق أن ميتران لم يخف ميوله لليهود ويرى أنهم ضحايا التاريخ، ومما هو غير معروف لدى المؤرخين الجزائريين هو أن الجزائر مولت الحزب الاشتراكي جناح ميتران، والحزب الاشتراكي «جناح ميشال روكار» P.S.U ، وهذا في عهد الراحل هواري بومدين وكانت صحيفة «لوكانار أنشيني» المهزلية نشرت ملفا كاملا في هذا الموضوع، وبالمقابل كانت العراق تمول حزب جاك شيراك الذي أصبح صديقا حميما لصدام حسين، وفرانسوا ميتران كان يعرف الجزائر وأخبارها جيدا حيث كان صديقه اليهودي في وهران ويدعى DAYAN، يزوده بكامل المعلومات كما ذكرت.
فرانسوا ميتران يوقع على قانون يمنح سلطات خاصة لرئيس الوزراء «غي موللي» فيما يتعلق بمواصلة الحرب في الجزائر قصد القضاء على ثورة التحرير الجزائرية، والغريب أن نوابا في البرلمان شيوعيين واشتراكيين صوتوا لفائدة منح سلطات لغي موللي قصد تصفية القضية الجزائرية، والغريب كذلك أن رغم ذلك فلم يرض عنه أوروبيو الجزائر الذين قابلوه في الجزائر بـ «الطماطم» يسمى بـ: يوم الطماطم JOURNEE DES TOMATES وميتران يقفز فوق التاريخ والجغرافيا ويهذي بعيدا عن كل ذلك ويقول :الجزائر هي فرنسا من فلاندر إلى الكونغو هناك قانون- أمة واحدة -وبرلمان واحد- إنه الدستور إنها إرادتنا !!». هكذا كان موقف الحزب الاشتراكي الفرنسي وقيادته، ولا نستثني منهم إلا أفرادا قلائل غردوا خارج سرب قيادتهم» ، وهاهو اشتراكي آخر وهو إدموند نيرجلان الذي شغل منصب الحاكم العام في الجزائر والمعروف بتزويره للانتخابات وقد دخل التاريخ من بابه الواسع في سياسة التزوير، وذلك قصد غلق الباب في وجه الوطنيين ودعم العملاء، وبني « وي وي « !!وقد صرح في البرلمان الفرنسي معبرا عن مواقفه الاستعمارية قائلا :إن فقدان إفريقيا الشمالية والجزائر، المغرب، تونس» سيؤدي في القريب العاجل لفقد كل إفريقيا، ثم « الاتحاد الفرنسي» وبذلك يضع فرنسا في المرتبة الثانية في القوة،» ومضى مسترسلا في خطابه يحذر من مطية التهاون والتساهل في معالجة الوضع بالقوة» وهاهو الاشتراكي ميتران من أجل القضاء على الثورة والثوار يقدم برنامجا إصلاحيا لمواجهة انتفاضة الشعب الجزائري ويتراجع لفظيا حول آرائه السابقة عن الجزائر فكان في البدء يقول «الجزائر هي فرنسا» ثم أصبح يقول الجزائر هي فرنسا ولكن فرنسا بالنسبة لنا هي فرنسا الأخرى»
«L’ALGERIE C’EST UNE AUTRE FRANCE»
ولمن أراد مزيدا من التعرف على موقف الحزب الاشتراكي من الثورة الجزائرية أن يقرأ كتاب: ETIENNEMAQUIN
LE PARTISOCILISTE ET LA GUERRE D’ALGERIE 1954-1958
فالاشتراكيون والشيوعيون واليمينيون كلهم في سلة واحدة فيما يتعلق بمواقفهم تجاه الثورة الجزائرية والشعب الجزائري فهذا روبير لاكوست» الاشتراكي «الذي كان مقيما عاما في الجزائر خلال ثورة نوفمبر 1954 نراه يتحدث إلى محامية الوطنيين الجزائرية عن جيش التحرير، وقال عنهم أنهم حفنة من المتمردين أنتم المحامون الباريسيون، الذين خلقتم جبهة التحرير والتي هي عبارة عن عصابة سيئة السلوك1
1 المحامية هي جيزيل حليمة
وأخذ يهذي ويهرف ويحلق في أجواء خيالية بعيدة عن الواقع حيث المعارك الضاربة بين جيش التحرير وقوات الاحتلال على امتداد كامل القطر الجزائري، وقد شهدت حكومة غي موللي الاشتراكي خلال 500 يوم إعدام 45 شخصية وطنية جزائرية، بواسطة المقصلة وفي ظل وزير العدل وحامل الأختام فرانسوا ميتران، وهو شخصيا الذي ألغى حكم الإعدام عندما وصل إلى رئاسة الجمهورية الفرنسية سنة 1981، وفي كتاب: فرانسوا ميتران وحرب الجزائر، للمؤرخ الفرنسي بن جامان ستورا وفرانسوا ماليي، حديث طويل عن الشهيد أحمد زبانا أحد أبطال ثورة التحرير والذي تحمل اسمه عدة شوارع ومن الذين شاركوا في الهجوم على البنوك في وهران في 5 أفريل 1949، وله ماض نضالي طويل رحمه الله، والذي أعدم من طرف السلطات الاستعمارية، وقد صادق روني كوتي رئيس الجمهورية الفرنسية على الحكم بالإعدام وتحدث في إحدى خطبه عن الجزائر وضرورة الحفاظ عليها والجزائر بالنسبة لفرنسا هي الألزاس واللوران، التي استردتها فرنسا من الألمان وهي منطقة شرق فرنسا ولا ينطبق عليها قانون العلمانية الذي صدر في فرنسا 1905، وتحدث كوتي مطولا وسط الجيش الإفريقي متحدثا عما يجري في الوطن، ويقصد الوطن الجزائري الذي هو وطن فرنسا كما قال غي موللي وهذا الوطن في خطر، وفي معركة «إن زابانا مات شهيدا ولكن اسمه خالد في ذاكرة الأجيال فمتحف وهران يحمل اسمه وحتى في الجزائر هناك شارع يحمل اسمه.
وفي عهد ميتران كوزير للعدل عرف المناضلون والمجاهدون الجزائريون عهدا لم يعرفوه من قبل حيث شهدت مدة مهمته كوزير للعدل محاكمات وأحكاما بالإعدام ضد كل متهم بالانتماء لجبهة التحرير أو دعم الثورة الجزائرية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com