أ.د/ نافذ بن حسين حماد…الأستاذ المتميز في السنة النبوية وعلومها

د. يوسف جمعة سلامة*/
إِنَّ بلادنا المباركة فلسطين أرض العلماء، فَكَمْ مِنْ عالمٍ وُلد على ثَراها، أو ترعرع في أزقتها، أو زارها، أو دُفن فيها، ومن المعلوم أَنَّ بلادنا من أزخر البلاد الإسلامية بالعلماء الذين ملأوا طباق الأرض علماً، واستنار بعلمهم أبناء الأمتين العربية والإسلامية، وقد أنجبت بلادنا عدداً من العلماء الأفذاذ الذين تركوا للأمة إرثاً علمياً عظيماً، منهم: الإمام الشافعي، والحافظ ابن حجر العسقلاني، والشيخ محمد السفاريني، والإمام الطبراني، والعلامة موفق الدين بن قدامة، والحافظ عبد الغني الجماعيلي المقدسي، والشيخ العلامة/ عبد الغني النابلسي، والشيخ العلامة/ برهان الدين الجعبري، والقاضي عبد الرحيم البيساني وقد كان مستشاراً للقائد صلاح الدين الأيوبي-، رحمهم الله جميعاً- …الخ.
ومن الواجب علينا أن نُقدِّم لأجيالنا المُتَعَلِّمة سِيَرَ هؤلاء العلماء؛ ليطّلعوا على تُراث أمتهم وإرثها العلمي والحضاري من جانب، وليقفوا على الجهود الهائلة التي بذلها علماء الأمة في تحصيله ونقله من جانب آخر، فيكون لهم من ذلك كلّه حافز على تقديرهم والاقتداء بهم والسَّيْر على خُطاهم.
لماذا كان اختيار الشيخ الدكتور/ نافذ حماد ؟
يُعَدُّ الأستاذ الدكتور/نافذ بن حسين حمّاد – حفظه الله- عالماً فذًّا ومُحَدِّثاً كبيراً من المتخصصين في السنة النبوية وعلومها، ومن العلماء المُمَيَّزين الذين نذروا حياتهم لخدمة الدعوة الإسلامية والسنة النبوية الشريفة، وقد آثرتُ الكتابة عنه لعدة أسباب، أهمها:
*ما يتمتع به الشيخ الجليل من مكانة علمية رفيعة، وَلِمَا أثرى به المكتبة الإسلامية من بحوث علمية مُمَيزة ومؤلفات وكتب قَيِّمة في مجال السنة النبوية وعلومها، حيث إِنَّ كتبه تُدَرَّسُ في الجامعات السعودية والإماراتية والكويتية والأردنية والماليزية، وفي جامعات أخرى متعددة.
* إِنّه أول فلسطيني في الداخل والخارج يحصل على درجة أستاذ متميز في السنة النبوية وعلومها.
* إشرافه على أول رسالة دكتوراه في قطاع غزة والأولى في فلسطين بقسم الحديث الشريف وعلومه بكلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية بغزة.
* إصراره على المُضِيِّ قُدُماً في مجال البحث والدراسة والتأليف والتدريس رغم تعرضه لحادثِ سَيْرٍ مُؤسف قبل واحد وعشرين عاماً، أُصيب على أثره بشلل في النصف السُّفلي من جسمه، أقعده على كرسي متحرك .
الاسم والنّسب والمولد
هو فضيلة الأستاذ الدكتور/ نافذ حسين عثمان حمَّاد، هاجرت عائلته سنة 1948م من قرية عبدس بفلسطين المحتلة، وكان مولده في مخيم الشاطئ بمدينة غزة يوم الإثنين 13/محرم/1376هـ، الموافق 20/8/1956م.
المؤهلات العلمية
– البكالوريوس: من كلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية سنة 1401هـ -1981م.
– الماجستير: من قسم الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة في جمهورية مصر العربية سنة 1409هـ- 1989م، وعنوان الأطروحة: مرويات سليمان بن مهران الأعمش جمع وتخريج ودراسة.
– الدكتوراه: من قسم الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة في جمهورية مصر العربية سنة 1412هـ – 1992م، وعنوان الأطروحة: مختلف الحديث بين الفقهاء والمحدثين.
مؤلفـاته وآثــاره العلميـــة
للأستاذ الدكتور/ نافذ حماد مؤلفات عديدة، أشهرها:
1. مختلف الحديث بين الفقهاء والمحدثين – نشر دار الوفاء بالقاهرة، سنة 1993م.
والنشرة الثانية بدار النوادر بدمشق، سنة 2007م، والنشرة الثالثة سنة 2009م لحساب وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة قطر، ويوزع مجانًا لطلبة العلم.
2. ثلاث رسائل في الحديث – للسيوطي – نشر دار الوفاء بالقاهرة، سنة 2003م.
3. قرة العيون بتوثيق الأسانيد والمتون (ثلاثة مجلدات) – نشر مكتبة الرشد بالرياض، سنة 2005م.
4. قراءة في كتاب فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر، نُشِر سنة 2010م، ومقرر على طلاب المستوى الثالث بكلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية – غزة.
5. سلسلة أعمال للأستاذ الدكتور/ نافذ حماد بعنوان: أنيس المحدّث، نشر دار النوادر بسوريا، طُبِعَ منها: أحاديث الصحيحين ورجالهما دراسة توثيقية تطبيقية سنة 2012م، وتيسير الاطلاع على أخبار حجة الوداع سنة 2012م، وتطبيقات في توثيق الرواة والروايات سنة2015م في مجلدين، ومختلف الحديث بين الفقهاء والمحدثين سنة 2015م، وأجزاء ورسائل حديثية سنة 2015م في مجلدين، وبقية السلسلة تُطْبَعُ تباعًا بإذن الله تعالى.
6. عشرات البحوث العلمية المُحكمة في مجال الحديث النبوي الشريف وعلومه.
ثناء العلماء عليه
لقد أثنى على الشيخ الدكتور/ نافذ كبارُ العلماء المعاصرين له في الداخل والخارج، لِمَا له من جهودٍ وإضافاتٍ علميةٍ بارزة، ومن ذلك:
* أثنى العالم المشهور الأستاذ الدكتور/ نور الدين عتر –رحمه الله- على كتابه «مختلف الحديث بين الفقهاء والمحدثين» الذي ذاعَ صِيتُهُ، فقال: «وقد اقتحمَ مؤلِّفُ هذا الكتاب عقبةً كؤودًا باشتغاله بهذا الموضوع ودراسته، ونجح في اقتحامها فجاء عملُهُ يتسمُ بما يلي: الأصالة والجدة، وقوة المناقشة للآراء، والدقة في عرض أدلتها، وحُسن الترجيح بينها إجمالاً… وإنه بذلك يستحق مرتبة أستاذ ممتاز…».
* وأثنى عليه وعلى مؤلفاته وتحقيقاته الدكتور/ الشريف حاتم بن عارف العوني –أحد مفاريد زمانه- فقال: «… إنها مؤلفات وتحقيقات حديثية، تخدم سُنّة النبي-صلّى الله عليه وسلّم-، على منهج علمي صحيح، وبأسلوب يدلّ على علمٍ وفهمٍ دقيقٍ.
* وكذلك الأستاذ الدكتور/ محمد عجاج الخطيب الذي وصفه بأنه أحد الأعلام في الحديث الشريف وعلومه في عصرنا الحاضر، يتميز بحُسن منهجه وموضوعيته وتعمقه في بحوثه وَكُتبه، واحترامه للآخرين وإن خالفوه، وإنه أهل لهذا التميُّز ويشهد له بهذا كتابه «مختلف الحديث بين الفقهاء والمحدثين».
* وغيرهم أمثال الأستاذ الدكتور/ زياد أبو حمَّاد رئيس قسم الحديث الشريف وعلومه بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة العلوم الإسلامية العالمية بعمَّان، والدكتور/ حسن محمد المرزوقي، مساعد عميد كلية الشريعة بقسم الدراسات الإنسانية- جامعة الإمارات العربية المتحدة.
مَفَارِيدُهُ وسوابقه في علم الحديث
سبق الشيخ- حفظه الله- غيره بآراء وسوابق ومفاريد في علم الحديث، حيث كان الشيخ أول من أشار إليها، وهذا يدلّ على علمه الواسع ونظرته الثاقبة في هذا العلم.
* فهو يُعَدُّ أول من أشار أَنَّ الإمام الشافعي –رحمه الله- هو أول من عرف علم الجرح والتعديل، ولم يسبقه إلى هذا أحد.
* كما يُعدُّ أول من خالف القاعدة التي اشتهرت بين أهل الحديث، وهي أنّ الإمام البخاري – رحمه الله- يشترط ثبوت اللقاء والتأكّد من السّماع، فأشار الشيخ إلى أنّ البخاري اكتفى بالمعاصرة أو بالمكاتبة لكن مع قرائن.
* كما أنه خرج بنتيجة ربما يعدّها البعض مخالفة لمدلول مصطلحِ «لا يُحْتجّ به» عند أبي حاتم، خاصة وأنَّ أبا حاتم نفسه قد أجاب عن مقصوده من هذا المصطلح، لمَّا سأله ابنه كما ورد في كتابه (الجرح والتعديل2/133): «ما معنى لا يُحْتج بحديثهم ؟» قال: كانوا قومًا لا يحفظون فيحدِّثون بما لا يحفظون فيغلطون، ترى في أحاديثهم اضطرابًا ما شئت.
* يؤكد على ضرورة الدراسات التطبيقية، والاستقراء والتَّتبع عند دراسة القواعد الحديثية للكشف عن مدى دقة تلك القواعد، لاسِيَِّما عند اختلاف العلماء في قاعدة حديثية، أو مصطلح من مصطلحات فنون الحديث.
وفي الختام: إننا نرى أنه من الواجب علينا -وفاءً لهذا العالم الفلسطيني الجليل- أن نُقَدِّم لطلبة العلم في فلسطين والعالم العربي والإسلامي نموذجاً يُحْتَذى به في خدمة الدعوة الإسلامية والسُّنة النبوية، ولنا في رسول الله– صلّى الله عليه وسلّم- الأسوة الحسنة في تكريم العلماء وبيان فضلهم، انطلاقاً من قوله -عليه الصلاة والسلام- : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ) (1).
وصلّى الله على سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين
الهوامش:
1-أخرجه الترمذي
* خطيب المسـجد الأقصى المبـارك
وزير الأوقاف والشئون الدينية السابق
www.yousefsalama.com