إلام نعتمد أسلوب المنطق التبريري لمواجهة واقعنا المتردي…؟/ محمد العلمي السائحي
قد يبدو لبعض الناس أن المجتمع الجزائري بات ينعم بالأمن والسلم، واجتاز ما سُمِّي بالعشرية الحمراء أو السوداء كما كان يطلق عليها بسلام، ذلك هو ظاهر الأمر أما باطنه، فإن الجزائر مازالت تعاني من ارتدادات تلك الفترة الحرجة، ولا أدل على ذلك من أن الناس ما زالوا غير مطمئنين على أرواحهم وممتلكاتهم، ولذلك تراهم يتحصنون في بيوتهم بالأبواب والأسيجة الحديدية، حتى الآن، ولو كانوا من قاطني العمارات والأبراج الشامخة، ولا زالوا يتعرضون للاعتداءات في المدن والطرقات، والحقيقة التي لا يجوز أن نغفل عنها، أن تلك الفترة أورثتنا وضعا اقتصاديا مزريا، الذي بدوره أوجد وضعا اجتماعيا لا يطاق، أفرز الكثير من الآفات الاجتماعية الخطيرة، التي عصفت بقانون الوئام المدني، والمصالحة الوطنية، وذلك لأن هذين لم تصحبهما جهود صادقة لمعالجة الأثار الاقتصادية والسياسية والثقافية والنفسية لمخلفات تلك الفترة، التي سالت فيها الدماء غزيرة في كل واد، وانقسم فيها المجتمع إلى فريقين، فريق السلطة، وفريق المعارضة، فلم يتم رأب الصدع الذي أحدثته تلك الفترة بين الفريقين ليشكلا فريقا واحدا من جديد، كما كان الأمر عليه من قبل، حيث انشغلت السلطة بتأمين نفسها، وتكريس وجودها، عن الاهتمام بتشغيل الآلة الاقتصادية وتحريك عجلة التنمية، مما ولَّد حالة من الركود الاقتصادي، فتضاعفت أرقام البطالة، وتعطلت مشاريع الإسكان، وتخلف إنجاز المدارس والمستشفيات والطرق ووسائل النقل، فساءت الخدمات التي يحتاج إليها المواطنون في كل تلك المجالات، مما دفعهم دفعا إلى التجارة الموازية وغير المشروعة، ودفع البعض الآخر، إلى الجريمة الموصوفة، في حين نزع غيرهم إلى الهجرة إلى البلدان التي اعتقدوا أنهم يجدون فيها فرص الحياة الكريمة، والسلم الاجتماعي الذي افتقدوه في بلدهم هذا، ولم يجد البعض الآخر من المتبقين، من سبيل لمدافعة بلواهم إلا ركوب متن الاحتجاجات الاجتماعية للمطالبة بحقهم في السكن، أو الوظيف، أو الأجر العادل، أو التعليم، أو الخدمة الصحية السليمة.
وعوض أن تتكفل السلطة بالنظر الجدي في مشاكل المواطنين، وتضع خطة استراتيجية شاملة ومتكاملة، لتلبية مطالبهم والخروج من هذا الوضع المتردي البئيس، عمدت إلى أسلوب الترضية، وشراء السلم الاجتماعي تارة، وتارة أخرى إلى اتهام أطراف خارجية بالوقوف وراء تلك الاحتجاجات، وكانت نتيجة ذلك أن ازدادت الأوضاع المزرية تعقيدا، وساءت الأحوال أكثر فأكثر، فانتشرت الجريمة بأنواعها، فمن سرقة، إلى خطف، إلى اغتصاب، إلى قتل وتنكيل بالمقتولين، نساء وأطفالا وشيوخا، والأدهى والأمر في الأمر، أن السلطة كثيرا ما تعتمد المنطق التبريري لتفسير ما تواجهه من مشاكل، فالتخلف الاقتصادي وتوقف عجلة التنمية سببه بالنسبة لها، هو ارتفاع وتير ة النمو الديموغرافي للسكان، وانتشار الجريمة في المجتمع الجزائري واتساع دائرتها، مرده إلى فشو الأمراض العقلية والنفسية بين الناس.
ولا يخفى على أحد من الناس، أن هذه التفسيرات لاتسمن ولا تغني من جوع، ولا تسهم في قليل أو كثير في حل المشكل القائم، ومن ثمة فإن على السلطة أن تتخلى عن هذا الأسلوب التبريري وأن تبحث عن مناهج وطرائق أخرى تجدي ولا تردي، مثل هذا المنطق الذي يبقي الأمور على ماهي عليه، عليها أن تبحث في أسباب توقف عجلة الاقتصاد عن الدوران، والتي قد تكون في غياب التخطيط السليم، أو الثقل الإداري، مما يعطل عقد الصفقات، أو تفشي الفساد المالي، وعليها أن تبحث في أسباب ظهور وانتشار الأمراض العقلية والنفسية في المجتمع الجزائري، لعلها تكون في ضغوط تكاليف الحياة، وعجز المواطن عن الاستجابة لمطالبها، أو نقص الأطباء المختصين في هذا المجال، أو في ندرة المستشفيات القادرة على التكفل بهذه الحالات.
على السلطة أن تدرك أنها في موقعها ليست مطالبة بالتفسير والتعليل،
بقدر ما هي مطالبة بالتغيير ولو بالقدر القليل، فالله سبحانه وتعالى يقول: ” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ” فالتغيير من أسوأ حال إلى أحسن حال هو المطلوب، وهوما يتوقعه الناس من السلطة، ويأملونه ويعولون عليه، وهو وحده الكفيل بوضع حد لهذه الاحتجاجات التي لا تكاد تنطفئ في مكان إلا لتشتعل في غيره، وهو وحده الكفيل بإحلال الأمن الاجتماعي والاستقرار السياسي، الذي هو المطلب الأسمى للسلطة والشعب معا…