على بصيرة

تعزيز وحدة الوطن واستئصال أسباب الفتن

أ.د. عبد الرزاق قسوم
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/

ويح وطني الجزائر مما يكابده ويعانيه، داخل الوطن على أيدي بعض أبنائه، وويحه مما يلاقيه خارجيا، من كيد وحقد أعدائه، والمبثوثين من عملائه.
فقد تألبت على الجزائر، قوى الشر، على اختلاف مشاربها، بدءا بحشد القوات على الحدود، ومرورا بتجفيف المنابع والسدود، وانتهاء بتهديد الوحدة والوجود، وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين.

ويلمّهم ! أكل هذا التحامل على الجزائر لأنها رفعت لواء المعاداة للتطبيع، وشعار عدم الخنوع لمحاولات التركيع، وتقديم السّند والدعم للمقاومين، والمرابطين في غزة وفي مسجد القدس الرفيع؟
وما هذه الحرائق للغابات المفتعلة، والمسيرات الشعبية المشتعلة، إلا أعراض، ونذر شؤم لمخططات نسجت خيوطها أنفس حاقدة، مريضة، منفعلة.
إننا نرثى لوطننا، وقد طوقته الأزمات من كل جانب، وأحاطت به المؤامرات من صنع الأباعد والأقارب، وهو يعاني –اليوم- أزمات الوباء، ومحنة الغلاء، وشيوع البطالة، ونقص الغذاء… فيا الله من كل هذا الابتلاء !
وما هو المخرج إذن؟ وكيف نتجاوز هذه المحن؟ وما السبيل لاستئصال أسباب الفتن؟ إنه لا مناص لنا، من البدء بتشخيص واقعنا بكل الشجاعة المطلوبة، وغمس أقلامنا في دماء قلوبنا، لنقدم الحلول المرغوبة، والأدوية المكتوبة، والمحبوبة.
لنبدأ، بأزمة الجنوب، هذا الجزء المنكوب، بماله المنهوب، وعمله المغصوب، هلا فتحنا معه الحوار المطلوب، وأعدنا إليه بعض الأمل المرغوب؟
أحرامٌ على بلابله الحر
حلال التغريد من كل جنس؟
فليس من التحيز، ولا من العصبية، المناداة بتحقيق الأمل لشباب، أظلمت في وجهه الدنيا بسبب البطالة، وضعف الإعالة.
فلئن كنا نؤمن بالوطن الواحد الموحد في شعبه، وفي خيراته، وفي كل موارده وصادراته، فإننا نطالب بتخصيص الحد الأدنى من فرص التشغيل لذوي المستوى الضئيل، كالسائق، والحارس، والطباخ، والدليل؛ وتفتح المهن ذات الاختصاص لذوي الكفاءات، ولكن للمواطن دون الأجنبي الدخيل.
حذار ! فإننا لو أقدمنا على هذا المسعى الشجاع، سنستأصل أسباب فتن كثيرة، إن لم يطفها علاء قوم، يكون وقودها جثث وهام، كما قال الشاعر القديم، وإذن، بدل أن تلعنوا الظلام، أشعلوا المصباح.
وما ينطبق على أبناء الجنوب، ينبغي أن يمتد، إلى باقي أنحاء الوطن، حيث يسود العنف، واللاأمن، وتعاطي المخدرات، والاعتداء على المنازل، وسرقة السيارات، وما ذلك، إلا بسبب تفشي البطالة، وانعدام سياسة التكفل بالجيل، روحيا، وثقافيا، واجتماعيا، ورياضيا، حتى نعيد الجيل إلى الذات، وننقذه من الآفات والموبقات.
أما إذا عدنا إلى منطقة القبائل، هذا الجزء الغالي من وطننا الكبير، فإننا نعيد ما فتئنا ترديده في كل مناسبة، وهو أن إقليم زواوة إقليم مسلم إلى النخاع، شأنه في ذلك شأن كل أجزاء الوطن، إن لم يفقهم، ولذلك، فأية عقدة إقليمية، أو لغوية، أو تقليدية، لا يمكن حلها إلا بالإسلام، وفي إطار الإسلام.
فعلى دولتنا أن تكثف الجهد الإسلامي، وتسند مهمة نشر الإسلام إلى متخصصين من أبناء المنطقة، المتضلعين في الأصالة، وفي الحضارة الإسلامية، لنعيد إلى منطقة القبائل، دورها الريادي في نشر الإسلام، وإخراج العلماء الربانيين، وبذلك ننزع مصير هذه المنطقة من أيدي المغامرين والمتاجرين بخصوصيتها، فلا تستخدم كقميص عثمان.
إننا لو شخّصنا واقع كل منطقة من الوطن، في ظل الواقع الوطني، والأخذ بعين الاعتبار، خصوصية كل منطقة، لضربنا على أيدي العابثين بمصير الوطن وما أكثرهم الذين يستغلون حاجات الناس المادية والمعنوية، ليقدموها طعمة للاصطياد، فيطعنوا بها جانبا من جوانب الوحدة الوطنية.
في ضوء هذا كله، يجب أن نعمد إلى تبني سياسة توحيد ووحدة وطنية، تعلوا على المحاباة، وعلى الجهويات، وعلى الإقصاءات، لنبني الوطن الواحد القائم على الوعي، والعدل، والوطنية، والقيم العليا الإنسانية.
إن القوم، ما استضعفونا إلا بعدما وصفونا، وما تجرؤا على النيل من وحدتنا إلا بعد أن وجدوا في البعض منا –على قلتهم- القابلية للعمالة والخيانة.
فيا أبناء وطني!
حذار، فلقد بلغ السيل الزُّبَى، فأن يصل التحدي من بعض من كنا نعدّهم أشقاء، إلى تهديد وحدتنا، ومحاولة تدويل هذا المطلب النشاز، الظالم، الغريب في شكله ومضمونه، إن هذه لمن علامات قيام الساعة.
ليس العيب –إذن- أن يقدم أيا كان من الداخل أو الخارج على المساس بثوابتنا، تلك ضريبة النجاح التي يدفعها كل ناجح، ولكن العيب كل العيب، أن لا يلقى من الرد القوي والصد الأبـيّ، والمقاوم الفتـيّ، وما يهزم كل متطاول دعيّ.
إن من الخطأ، أن نعتبر الأمر سياسيا يخص السياسة، والعسكر وحدهم، فعندما يتعلق الأمر بوحدتنا الوطنية المقدسة، وثوابته الحضارية المؤسسة، يجب أن نتحول جميعنا إلى عسكر، وإلى ساسة، موحدي الغايات، ومجندي الطاقات، معززي الإرادات.
إن ما أقدم عليه البعض، هو امتحان لإرادتنا وصلابتنا، لا تحسبوه شرا لكم، بل هو خير لكم، ولكن هو خير إن أحسنا التعامل مع الامتحان، فننجح في تعزيز وحدتنا، ونسد كل الثقب في جدار بنيتنا، بعد أن نكون قد استأصلنا أسباب الحرائق والمحن، وقضينا على مسببات الفرقة والفتن.
إن الوحدة الوطنية أمانة الشهداء في ضمائرنا، وعهد العلماء في عقائدنا، ووفاء الجهاد في ذمتنا، وإن هذا لهو البلاء العظيم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com