عندما تنطمس العقول/ محمد الصالح الصديق
قلت لمعلم تجاوز عمره الخامسة والأربعين: لم لا تتزوج، والزواج بالنسبة إلى مثلك ضروري؟
فقال: كيف تريد أن أتزوج، والزواج في هذا الوقت كثير النفقات، عظيم التكاليف والتبعات، حسبك أن القاعة التي يقم بها حفل الزواج لا يقل ثمن كرائها عن ثمانية ملايين فرنك. فقلت: هذا خطأ فاحش، فالزواج الشرعي الذي قننه الإسلام وأرسى قواعده سهل ميسور، وإنما عقّده الإنسان وصعّبه وعسّره بما فرضه واخترعه، من تكاليف باهظة، ونفقات مرهقة، ومغالاة في العادات السيئة عواقبها وخيمة، لا تزداد مع الأيام إلا رواجا وشيوعا وانتشارا.
صحيح أن للزواج تبعات وتكاليف ولكنها عظيمة في أثرها وثمارها، يعظم بها صاحبها، ويكرم بها متحملها، إن الحرص على تمتين عروة الزواج بين الرجل والمرأة والسعي الجاد في سبيل أن تكون هذه الزوجية أرضية طيبة لأسرة رشيدة في المجتمع.
إن تكاليف الزواج وتبعاته الحقيقية، ليست تلك الملايين التي تُكرى به قاعة الحفلات، ولا تلك الأموال الباهظة الطائلة التي تنفق في المأكولات والمشروبات، ولا ذلك الثمن الخيالي الذي يكرى به فستان الفرح لبعض الساعات، وإنما هي –لو كان الأعمى يبصر- الحرص الدائم على بقاء الزوجية في جو كله صفاء ومحبة، وكله تفاهم وانسجام، وكله تعاون وتناصر.
على العاقل أن يفكر في الهدف من الزواج، هل هو المفاخرة بما انفق، في العرس من مال، وما أكل فيه من طعام، وما مشى مع العروس من سيارات.
أم أن الهدف منه، الاستقرار النفسي، وبناء الأسرة، التي هي المجتمع الصغير؟
فما دام الهدف هو هذا، فلم هذه العادات السيئة الباطلة؟ ولم التنافس فيما يعد عند العقلاء طيشا وحمقا وضلالا؟
إن الذين يتنافسون في هذه العادات اللاحضارية لا يفكرون في يوم المصير، عندما يقفون في المحكمة العادلة، ويسألون عن هذه الأموال التي يبذرونها تبذيرا.
إنهم لا يقرأون مثلا هذه الآية:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}[الأنبياء:47].
إن المسؤولية جد خطيرة تعني كل واحد ذكرا كان أو أنثى، كما تخص الجماعة: “كلكم راع ومسؤول عن رعيته”
قال صلى الله عليه وسلم: “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، والولد راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته“.
والخسارة التي ما بعدها خسارة والندامة التي لا تضاهيها ندامة، أن تنتهي تلك التكاليف المجحفة في إقامة العرس إلى الطلاق، كما شاهدنا ذلك مرارا في مجتمعنا.