حوار

الـمفكر الجزائري الدكتور الطيب برغوث في حـوار مع البصائر (الجزء الأول)

• نعاني كثيرا من ضعف وقصور فقه الأولويات، ولا نعرف ما هي الساحات الأكثر فائدة وقيمة وبركة لنستثمر فيها

• لو كان وعينا السّنَني متحققا لوجدنا سعيا حثيثا وإقبالا لبناء مقرات للجمعية والإسهام في فتح قنوات تلفزية وإذاعية

لعله واحد من الحوارات القليلة الوسيعة والمركّزة الذي يُجرى مع الباحث والكاتب والمفكر الجزائري المعروف الشيخ الدكتور الطيب برغوث .. وقد كان التركيز فيه (الحوار) على توفير شروط الانطلاق والإقلاع التي ينبغي أن يتهيأ لها المجتمع الجزائري وينجزها، عبر المرور ـ الحتمي ـ على جسر الوعي السّنني، وفقه الأولويات، والعمل الدعوي ـ التربوي ـ الثقافي المقدور والمدروس…الحوار طويل ننشره على حلقتين أو أكثر ـ إن شاء الله ـ للإفادة وأيضا للاستئناس وفتح النقاش في موضوع النهضة والوعي والإقلاع الحضاري وواجبات النخب ..

 

حاوره الأستاذ: حسن خليفة/

 

هل يمكن أن تقدم لقرائنا سيرة موجزة ..؟
– الطيب برغوث يعتز كثيرا بكونه من جيل الثورة الذهبي، وأن أباه برغوث مبارك كان من أوائل المجاهدين الشرفاء الأوفياء لروح الثورة، دخل المدرسة الابتدائية الوطنية وعمره 13 عاما، ومع ذلك تمكن من دخول المعهد الإسلامي بباتنة حتى نال شهادة الباكلوريا في العلوم الإسلامية، ثم التحق بجامعة قسنطينة ونال منها ليساس في علم الاجتماع، ثم جامعة الجزائر ونال منها مقدمة الدراسات المعمقة، ثم معهد أصول الدين بجامعة الجزائر وجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية ونال منها شهادتي الماجستير والكتوراه في الدعوة والإعلام، واشتغل بها أستاذا لمناهج الدعوة، كما اشتغل في القسم الإعلامي بوزارة الشئون الدينية فترة من الزمن، ثم جاءت المحنة الوطنية الكبرى، فوجد نفسه في ديار الغربة مكرها، منذ ما يزيد عن ربع قرن من الزمن، في مملكة النرويج الجميلة، يساهم مع الأقلية المسلمة هناك في التعريف بالإسلام والثقافة الإسلامية، والتأسيس للوجود الإسلامي، وهو يحمد الله تعالى على ذلك، مستيقنا بحكمته وتقديره سبحانه، الذي علمنا في القرآن قاعدة عقدية عظيمة هي: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) وفي آية أخرى: ( ويجعل الله فيه خيرا كثيرا). فالمسلم المؤمن كالغيث أينما وقع نفع، ونحن ندعو الله تعالى أن يجعلنا من هؤلاء إن شاء الله.


ألفت حتى الآن نحو 40 كتابا .. هل يمكن أن يعرف القارىء أهم الحقول التي تهتمُّ بها ـ أكثر من غيرها ـ ولماذا ؟ وما هي أهم الكتب المؤثرة ؟
– هذا من فضل الله علي، وأنت تعرف أنني كنت منذ وقت مبكر من حياتي مسكونا بحب القراءة والكتابة، وأظن ذلك قد أتى بعض ثماره في حياتي إن شاء الله تعالى، وما أعظمه من حب وهواية وحرفة! وكتبي المطبوعة والمخطوطة تتجاوز 70 كتابا والحمد لله على ذلك حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه.
أنا شغفت بالتاريخ الجزائري فترة مهمة من مرحلة شبابي ولازلت، وأخذت منه بعض حظي، ثم اتسع اهتمامي فشغفت بالأدب والثقافة العامة، فأخذت منهما بعض حظي كذلك، وأكرمني الله تعالى بأخذ حظي من الدراسة الشرعية المنتظمة والقراءات الحرة الواسعة الممتدة فيها كذلك، ثم أخذت حظي من دراسة العلوم الاجتماعية والإنسانية عامة دراسة منتظمة وقراءات حرة واسعة متواصلة، ثم أكرمني الله تعالى مبكرا كذلك بالانخراط في الصحوة الروحية والاجتماعية الكبيرة التي شهدها المجتمع الجزائري بعد الاستقلال، فأخذت حظي منها على مستوى الوعي والتربية والحركة، ثم أفضىى بي ذلك كله إلى ساحة اعتبرها من أهم وأعز الساحات في المعرفة والثقافة الإسلامية والإنسانية عامة، وهي ساحة فقه النهضة الحضارية أو فلسفة التاريخ والحضارة كما يسميها البعض.
فهذا المسار الممتد في ساحات معرفية وثقافية متنوعة كما ترى، انتهي بي إلى هذه الساحة المعرفية المهمة جدا، بالرغم من أنها ما تزال ساحة بكرا لحد الآن، والاهتمام بها ما يزال في بداياته، والمرتادون لها قلة حسب رأيي، وهذا هو الحقل المعرفي المركزي الذي تمحورت حوله جل اهتماماتي منذ وقت مبكر، سواء على مستوى القراءة أو الكتابة والتأليف والانشغال التربوي والثقافي عامة.
لماذا لم يجمع ويطبع تراثكم الفكري كله لحد الآن؟ ألا تخشون عليه؟ خاصة وأنكم تقدمتم في السن، والأمراض تترصد الناس، والموت يتخطفهم بلا هوادة؟
-أنا حريص على أن تجمع كل آثاري الفكرية والتربوية والإصلاحية المكتوبة والمسموعة والمرئية، وهي كثيرة ومتنوعة، وتطبع وتنشر ليستفيد منها الناس من ناحية، ولأنها جزء من تراث المجتمع الجزائري من ناحية أخرى، وهذا ما أحرص عليه إذا أطال الله في عمري وأعطاني قوة الفكر والبدن إن شاء الله.
وأود هنا أن أنوه إلى أن بعض الفضلاء انتبهوا إلى هذا الأمر منذ وقت مبكر، ومنهم أنت يا أخي حسن وكذلك أخي داود رحمه الله، وشرعوا في طباعة بعض كتبي منذ بداية ثمانينات القرن الماضي، ثم تولى أخي مراد موزالي رحمه الله تعالى طباعة الجيل الثاني من كتبي، وكان يأمل أن يجمع ويطبع وينشر كل تراثي الفكري، ولكن الأجل سبقه، فهب جيل جديد من الرساليين من بعده مباشرة، لتأسيس ما سموه وقفية نشر التراث الفكري للشيخ الطيب برغوث، خوفا على ضياعه، والتي أتمنى أن يساهم فيها كل من يرى في المشروع الفكري الذي أطرحه خيرا للمجتمع والأمة، وأنا سعيد بذلك، وسوف أذكر سجلهم الذهبي يوما لتتأسى بهم الأجيال، لأنه لأول مرة في تاريخنا المعاصر حسب علمي، ينتبه بعض الفضلاء من ذوي السعة في الرزق والوعي، للمساهمة في حفظ وحماية ونشر تراث مثقف جزائري، وهي سنة حميدة نرجو أن تتعمم وتدوم، وتتحول إلى عرف ثقافي واجتماعي إن شاء الله تعالى.
هذه فكرة مهمة فعلا لو انتبه إليها الناس، وترسخت في أجوائنا الثقافية، لأحدثت تغييرات مهمة في حياتنا، فهل من توجيهات أخرى فيها؟
-نعم، هي فكرة في غاية الأهمية، وهي جزء مهم من ثقافة الوقف أو العمل الخيري العام، ومؤشر على قوة الوعي، وصدق النية والإخلاص لدى الأفراد في المجتمع، لأن إقامة مؤسسات تتولى رعاية المفكرين والعلماء والمبدعين عامة، ونشر فكرهم وتراثهم وحمايته من الضياع، من أهم المجالات التي تدر الحسنات على صاحبها، كما أنها من أهم الأعمال التي ينتفع بها المجتمع، إذ ليس هناك ما هو أفضل من نشر العلم والمعرفة، وترقية وعي الناس بسُنن الحياة، لكن مع الأسف هذا المستوى من الوعي السّنني لدى الناس ما يزال محدودا جدا، فقد تجد المئات والآلاف منهم ينفقون في أعمال البر الاجتماعية المختلفة، ولكن من النادر أن تجد من ينفق ماله في مجال نشر الوعي السنني في المجتمع، مع أنّ هذا الوعي هو السياج الذي يحمي كل الأعمال الخيرية الأخرى، ويكتب لها القبول والبركة، وهو يدخل في عمق مفهوم الحكمة التي من أوتيها فقد أوتي خيرا كثيرا!.
نحن نعاني كثيرا من ضعف وقصور فقه الأولويات، ولا نعرف ما هي الساحات الأكثر فائدة وقيمة وبركة لنستثمر فيها جهودنا وأوقاتنا وأموالنا.. مع أن هذا الفقه يعد مؤشرا أساسيا في قياس وعي الأفراد والمجتمعات. فانظر مثلا كم محسن ساهم في بناء مساجد كبيرة رائعة، وتصدق بصدقات مجزية، وسير قوافل إلى الحج والعمرة.. ولكن لا تجد من فكر أو بادر إلى بناء مقر محترم لائق بدرة الجمعيات عندنا وهي جمعية العلماء وتاريخها معروف، وجهدها التربوي الاجتماعي الكبير معروف أيضا ، أو المساهمة في تأسيس قناة تلفزية لها، تبث من خلالها الوعي المتوازن في أجيال المجتمع.
إن هذه الساحة من ساحات الوعي الأولوياتي المهم جدا، لم تنل حقها من العناية، ولذلك ينبغي أن يبادر العلماء والمربون والمفكرون والأئمة.. إلى الاهتمام الكبير بها، حتى يقبل الميسورون منا على رعاية العلماء والمفكرين والمبدعين والمؤسسات الجادة في المجتمع، حتى يؤدي الجميع دورهم بالفعالية المرجوة إن شاء الله تعالى.
إننا في حاجة ماسة إلى تقديم نماذج عملية للأجيال في كيفية التعامل مع تراث وخبرة علماء ومفكري المجتمع والأمة، وحفز الهمم لتعميمها ؛حتى نثمن وننقذ خبرتنا وتراثنا الفكري من الموت مع موت من ساهموا في بنائه.
إن المجتمع في حاجة إلى تقديم نماذج حية له، عن طرق التكفل برعاية العلماء والمفكرين والمبدعين عامة، حتى يحذو الناس حذوها، ويكثر في المجتمع الرعاة لخبرته وحكمته، والمتنافسون في ذلك، ونكون بذلك قد أسسنا لقاعدة جديدة في ثقافتنا هي قاعدة ” وراء كل مفكر أو عالم أو عظيم رعاة خيرون “.
نعود إلى فكرة ساحة فقه النهضة الحضارية التي وجدتم أنفسكم فيها، وجعلتموها من اهتماماتكم المعرفية الرئيسة، فماذا تقصدون بساحة فقه النهضة الحضارية؟ وهل هناك من قادكم إلى هذه الساحة البكر كما تسميها؟
-هذه الساحة تعتبر مصبا محوريا لكل العلوم والمعارف التي أوجدها الإنسان حتى الآن، والتي سيوجدها عبر القرون، بل ولحركة الوحي والرسالات السماوية من قبل، لأنها ساحة تهتم بالمؤثر الأساس على حياة الإنسان الدنيوية وعلى مصيره الأخروي، ألا وهو النهضة الحضارية، أي تحقيق الخلافة في الأرض بما هي عمارة لها، وإقامة لنظام العدل والإحسان فيها، التي تتم عبر الموجات الحضارية الكبرى التي تفرزها حركة المدافعة والمداولة الحضارية المهيمنة على الوجود الإنساني في الأرض بشكل مطرد.
فالكلمة والسلطة والنفوذ والهيمنة في الحياة الدنيوية للإنسان، هي للحضارات الكبرى، فمن تمكن من المجتمعات الإنسانية من تحقيق نهضته الحضارية المتوازنة، فقد أنجز خلافته في الأرض، وأمسك بزمام القوة والمبادرة والتأثير والعزة والمكانة، ومن عجز عن ذلك فقد عرَّض نفسه للضعف والتخلف والغثائية والتبعية الحضارية المهينة، وعرض مصيره الأخروي لمخاطر كبرى، باعتبار الوضع الأخروي نتيجة للوضع الدنيوي للإنسان.
لهذا فإن جميع العلوم والمعارف الجزئية التخصصية المختلفة، التي أوجدها الإنسان والتي سيوجدها لاحقا، تنصب حول هذه القضية المركزية، وتستهدف منح الإنسان إمكانية الإمساك بشروطها المطلوبة، حتى يحقق وجوده الحضاري ويحميه ويستمتع به، ويستثمره في تحضير وتأمين وجوده ومصيره الأخروي، وحتى يتجنب مهالك ومهانات الضعف والتخلف والتبعية الحضارية..
هذا الحقل المعرفي يبحث عن السنن والقوانين الكلية التي تؤثر في قيام الدول والمجتمعات والحضارات وقوتها ونفوذها، أو في ضعفها وتقهقرها وذهاب ريحها. أي في شروط تمكين الإنسان من تحقيق إنسانيته والارتقاء بها في مدارج الكمال الإنساني، بكل ما يعنيه ذلك من شيوع الخيرية والبركة والرحمة الكونية في حياته وفي حركته الثقافية الاجتماعية والحضارية عامة.
وماذا عن المؤثرات التي قادتكم إلى هذه الساحة المعرفية؟
-أما عن سؤالك عن المؤثرات المباشرة التي ساعدتني وقادتني إلى هذه الساحة المعرفية المحورية، فهي كتابات مالك بن نبي رحمه الله تعالى، وكتابات الإمام عبد الحميد بن باديس والإمام محمد البشير الإبراهيمي.. التي انتفعت بها مبكرا جدا، أي في مرحلة التعليم الإعدادي بالمعهد الإسىلامي، والتي أحالتني على مقدمة ابن خلدون التي اقتنيتها و”تمرمدت” في قراءتها، كما أحالتني كذلك على كتابات غربية مهمة جدا، ككتابات توينبي وغوستاف لوبون على سبيل المثال، ثم في الجامعة اتسعت آفاقنا المعرفية بدراسة العلوم الاجتماعية والإنسانية كما سبق ذكر ذلك، سواء بشكل نظامي مدرسي أو بشكل قراءات حرة منفتحة على غالب فروع المعرفة في هذين الحقلين المعرفيين الهامين جدا.
كيف يبدو أفق الدعوة والعمل الدعوي الإصلاحي التغييري المستقبلي للشيخ الدكتور بعد تجربة طويلة في هذا الحقل؟
-العمل الدعوي التربوي الإصلاحي ضرورة اجتماعية، وهو يدخل في صميم فقه النهضة الحضارية، إذ كلما نهضت نخب المجتمع الثقافية والاجتماعية والسياسية، كل بما يقدر عليه وبما يخص مجال اهتمامه، بهذا العمل وأدّاهُ بشكل صحيح وفعال، يجمع فيه بين الإخلاص لله تعالى، وتحقيق الصواب والفعالية فيه، كلما نما وعي الأفراد، واستقامت نفوسهم، وزكت أرواحهم، وانضبط سلوكهم وجَمُل، وتحسن عملهم وارتقى في مدارح الخيرية والبركة والرحمة الكونية العامة، وتمتنت شبكة العلاقات الاجتماعية في المجتمع، وساهم ذلك بقوة في إصلاح أحوال الدولة والمجتمع، ومكنهما من النهوض بواجباتهما تجاه الإنسان الجزائري، وتحقيق طموحاته في العيش الكريم، وفي النهوض بدوره تجاه مجتمعه ودولته وأمته ومحيطه.
أما إذا قصرت هذه النخب تجاه العمل الدعوي والتربوي والإصلاحي، وغفلت عنه، أو خذلته، أو أساءت له، أو اتخذته مطية لأغراض غير شريفة، أو لم تعرف كيف تنهض به بشكل صحيح، فإن ذلك كله سينعكس سلبا على الإنسان نفسه وعلى المجتمع والدولة، بالمزيد من الارتباك والاختلالات والضعف، وقلة الأمن النفسي والروحي والاجتماعي، وشيوع الفواحش والمهلكات واستفحال أمرها.
إن النهوض بواجب الدعوة والتربية والإصلاح مقام عظيم عند الله تعالى، ومقصد شريف ينبغي على كل مسلم أن يتوق إلى بلوغه أو بلوغ بعض مستوياته، وأن لا يبخل نفسه أو يغبنها من بركاته، لأن المساهم الجاد في الشأن الدعوي والتربوي والإصلاحي العام، تتوفر له الكثير من الشروط والأجواء البالغة الأهمية، التي بها يصلح نفسه ويرتقي بها في مدارج الكمال الإنساني بالدرجة الأولى، أما من حرم نفسه من هذه الشروط والأجواء المهمة، فإنه يكون قد غبن نفسه فعلا وربما خانها، ولم ينصح لها النصح المطلوب! والعهد في الإنسان أنه محب لنفسه ناصح لها، حريص على خيرها قبل غيرها، يتحرى دائما النفع الأعلى لها.
كيف ننمي هذا الوعي الدعوي في الأجيال، وكيف نحفزها لتستفيد من هذه الفرصة العظيمة التي يتيحها الانخراط في العمل الدعوي والتربوي والإصلاحي، لتحقيق التربية الذاتية والإصلاح الذاتي للفرد بالأساس؟
-نعم، الإنسان ينضج فكريا ونفسيا وروحيا وسلوكيا، وتكتمل خبراته، وتزداد فعاليته، وتعظم بركته، بقدر ما يندمج في الأعمال الدعوية والتربوية والإصلاحية العامة، وخاصة إذا كانت المؤسسات التي يندمج فيها، ذات عراقة ومصداقية وعامرة بالبركة، كجمعية العلماء مثلا عندنا في الجزائر، التي تعتبر درَّة الجمعيات وتاجها ومفخرتها بتاريخها المفعم بالصدق والإخلاص والخيرية والبركة والرحمة.
فكلما رأى الناس الصدق والإخلاص والنقاوة والقدوة الرسالية الحقيقية في هذه المؤسسات، وفي مسئوليها والناشطين في إطارها، كلما ازدادت ثقتهم فيها، وإقبالهم عليها، وانخراطهم فيها، وخدمتهم لها، وبالتالي انتفاعهم بها في حياتهم، لأن تلك الأجواء الروحانية والأخلاقية العالية السائدة في هذه المؤسسات، ستنتقل إليهم، وستؤثر فيهم، وستسرع وتعمق نضجهم الرسالي، وترفعهم إلى مقامات قدواتية عالية في المجتمع، وهذا ما يطمح إليه كل رسالي في هذه الحياة، أن يكون قدوة وإماما للمتقين، كما جاء ذلك على لسان عباد الرحمن في قوله تعالى على سبيل المثال: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان : 74].
فالقدوة الرسالية مؤثر حاسم في العمل الدعوي والتربوي والإصلاحي، وقوة مغناطيسية جاذبة لا تقاوم، ومادة سحرية مبطلة لكل دعاية مغرضة ضد الدعاة والمربين والمصلحين.ولهذا فإن أعظم ما تحتاج إليه الدعوات وحركات الإصلاح الاجتماعي اليوم وفي كل يوم، هو الأجواء السلوكية الروحانية الأخلاقية النظيفة في الأشخاص والمؤسسات التي تتفرغ لهذا الأمر؛ لأن ذلك هومقدمة الفعالية الإنجازية العالية في الدعوة والتربية والإصلاح الاجتماعي وزينتها، ولذلك على كل من أكرمه الله تعالى بالانخراط في الأعمال الدعوية والتربوية والإصلاحية أن يعطي القدوة من نفسه، وأن لا يتساهل في ذلك، وخاصة إذا كانت المؤسسات التي يتحرك في إطارها عريقة نظيفة ذات سمعة ومكانة وهيبة، كجمعية العلماء عندنا في الجزائر على سبيل المثال، التي يفترض أن تستصحب بشكل دائم الروحية والأخلاقية والسلوكية العالية، والفعالية الإنجازية الكبيرة، التي يشعر بها كل من يقرأ تاريخها، ويرصد أعمالها ومنجزاتها غير العادية.
إذن الآفاق المستقبلية للعمل الدعوي والتربوي والإصلاحي تتحرك ضمن هذه الشروط والمؤثرات أو المحددات الأساسية التي أشرتم إليها؟
-بكل تأكيد! فالآفاق المستقبلية للعمل الدعوي والتربوي والإصلاحي الرسالي، تحددها هذه الأجواء الروحية والنفسية والأخلاقية المتينة، وهذه السلوكية الجمالية المنسجمة المتوازنة، وهذه الكفاءة والفعالية الإنجازية العالية، التي يجب أن تسود في حياة كل من شرفه الله بهذه الخدمة، وفي أجواء كل مؤسسة تضطلع بهذه المهمة النبيلة، أما ما عدا ذلك فإنه سيكون جناية على الدعوة والتربية والإصلاح الاجتماعي الرسالي المنشود، وسيكون بالتالي نقمة دنيوية وأخروية على صاحبه، ونقمة على المؤسسات الدعوية والتروبوية والإصلاحية التي يتحرك في إطارها لا قدر الله! لأن الأفكار والقيم والمشاريع الصحيحة المخذولة تنتقم ممّن خذلها شر انتقام! فليحذر كل واحد منا فردا أو مؤسسة، من مغبة ذلك، وليوطن نفسه على الصدق والإخلاص، وليحرص على أن يكون قدوة في روحيته وأخلاقه وسلوكه وعمله وعلاقاته، ليكون إن شاء الله تعالى ممن يسجلون أنفسهم في سجل الخالدين الذين تذكرهم الأجيال عبر التاريخ، كما قال سيدنا إبراهيم عليه السلام في دعائه العظيم: ( وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ )[الشعراء : 84].
لكن المشكلة هي كيف نعد أنفسنا ونعد الأجيال لذلك؟ ما السبيل إلى هذه الأجواء الروحية والأخلاقية، وهذه السلوكية الجمالية، وهذه الكفاءة والفعالية العالية، التي تعطي للعمل الدعوي والتربوي والإصلاحي زخمه وتأثيره وبركته ورحمته العامة التي وصفتموها؟
-هذه فعلا مشكلة المشكلات!وتجاوزها يرتبط بطبيعة الوعي الرسالي ومستواه وكيفية اكتسابه والتحقق به من ناحية، كما يرتبط أيضا بطبيعة الإعداد التربوي الروحي والأخلاقي والسلوكي للإنسان منذ وقت مبكر من ناحية أخرى، ويرتبط أيضا من ناحية ثالثة بالمؤسسات الرسالية التي ينبغي لها أن تتولى المساهمة في ذلك.
ولا نقصد بالوعي هنا مجرد الإدراك الجيد والفهم السليم للأمور وما ينبغي أن تكون عليه فحسب، بل نعني به كذلك الإرادة والرغبة القوية المصاحبة للفهم والدافعة إلى العمل، ومطابقة الحياة مع مقتضيات البعد النظري في الوعي. فالإنسان الواعي هو الإنسان الذي يحركه وعيه الذاتي السليم إلى مطابقة وضعه مع حقائق ومقتضيات ذلك الوعي، وعلى هذا فالوعي الحقيقي هو ترجمه الإنسان في تفكيره وسلوكه وعلاقاته وعمله.
فالمنطلق إذن هو أن نبني الوعي الرسالي المتوازن لدى الأجيال، وأن نحوله إلى ثقافة عامة يمتصها ويحملها الناس في المجتمع، ويجسدونها في واقع حياتهم الخاصة، وفي المؤسسات الدعوية والتربوية والإصلاحية التي ينشؤونها، أو التي ينتمون إليها، ويساهمون من خلالها في تربية وإصلاح نفوسهم أولا، ثم في دعم الجهد الدعوي والتربوي والإصلاحي الوطني العام ثانيا.
ما زال السؤال مطروحا بإلحاح، كيف نبني هذا الوعي الرسالي المتوازن لدى أجيال المجتمع والأمة؟
-بناء هذا الوعي الرسالي المتوازن لدى أجيال المجتمع والأمة عامة، ونخبها الفكرية والاجتماعية والسياسية خاصة، يرتكز على شرط أساس وهو تجديد الوعي بمنظورنا السنني الكوني الكلي المتوازن، الذي يتجاوز بنا دوامة المنظورات الكونية الجزئية المنهكة، التي سجنا أنفسنا فيها، وأهدرنا الكثير من طاقاتنا وجهودنا وأوقاتنا وفرصنا فيها، دون جدوى فردية أو جماعية حقيقية! وهو ما يمكن أن نتعرض له لاحقا إذا شئتم، وهذا ما كرست له الجزء الأكبر من وقتي وجهدي وحياتي، وانتهيت إلى أن معضلة المعضلات في حياتنا الفردية والمجتمعية كمسلمين وكبشر عامة، تكمن في المنظورات السننية الكونية الكلية التي ننظر من خلالها إلى أنفسنا وإلى الحياة والكون والله سبحانه وتعالى، ونرتكز عليها في بناء العلاقات بكل هذه الدوائر الأساسية المؤثرة بعمق في حياة الإنسان وحركته الاجتماعية والحضارية ومصيره الأخروي.
فبناء الوعي بمنظورنا السنني الكوني الكلي المتوازن، هو مدخل بناء هذا الوعي الرسالي المتوازن لدى الأجيال، وهو شرط تمكينها من الفعالية الإنجازية الذاتية والاجتماعية المطلوبة، وكل تقصير أو قصور في إعادة بناء وتجديد الوعي بهذا المنظور الكوني الكلي، سيكرس واقع الضعف والازدواجية والتنافرية المنهكة في حياة الأفراد والأسر والمؤسسات والدولة والمجتمع، ويحرمنا من تحقيق نهضتنا الحضارية المنشودة، ومن حماية أمننا الثقافي والاجتماعي والحضاري، ويعرض وجودنا لمخاطر الغثائية والاستلابية والتبعية الحضارية المهلكة.
قبل العودة إلى بعض التفاصيل الخاصة بهذا المنظور الذي تعتبرونه مدخل الإصلاح والتجديد الحقيقي في حياتنا الفردية والجماعية، أود أن أسألكم عن سر التركيز في كثير من أبحاثكم وقراءاتكم على خصوصيات المجتمع الجزائري وأهمية فهمها لمن يريد إحداث التغيير الحقيقي ..حدّثنا عن ذلك..؟
-حسنا! الوعي العميق بمعطيات المعادلة الثقافية والاجتماعية والحضارية لأي مجتمع من المجتمعات، هومن صميم الفقه أو الوعي السنني، فهو يشكل المدخل المفتاحي الأساس للنفاذ إلى العمق الفكري والنفسي والاجتماعي للمجتمع، وفهم روحه أو سيكولوجيته العامة، والنجاح في إصلاحه وخدمته وإدارته بشكل صحيح وفعال. كما أن الجهل بهذه المعادلة هو الصخرة التي تحطمت وتتحطم عليها كثير جدا من الجهود الدعوية والتربوية والإصلاحية والسياسية والتجديدية عامة عبر التاريخ.
ولا شك أن كل مجتمع له معادلته الثقافية والاجتماعية والحضارية الخاصة به، مهما كانت هناك قواسم مشتركة بينه وبين المجتمعات الأخرى، بل إن المجتمع الواحد فيه معادلات ثقافية واجتماعية متعددة، ينبغي الوعي بها، وفهمها وإحسان التعامل معها في عملية الدعوة والتربية والإصلاح والتغيير والخدمة.
ولذلك من المفترض أن تكون لدينا أدلة ثقافية مرشدة للدعاة والمربين والساسة وقادة الرأي العام، يهتدون بها في فهم المجتمع، والإمساك بمفاتيح الخدمة له والتأثير الإيجابي الفعال فيه، وقد كنت وضعت خطة في منتصف الثمانينات من القرن الماضي، لإنجاز ما أسميته بالدليل الثقافي الاستراتيجي للدعاة والمربين وقادة الرأي العام، ولكن غربتي القسرية الطويلة حالت دون إنجازه مع الأسف الشديد.
وأنا من هذه الزاوية جزأرة حتى النخاع! على مذهب الإمام عبد الحميد بن باديس رحمه الله الذي لخص رسالته في الحياة بقوله إنني أعيش للإسلام والجزائر! لأن العيش للجزائر وخدمتها بالإسلام الصحيح، هو عيش وخدمة للأمة والإنسانية بل والطبيعة معا. ولذلك عندما بدأت ألاحظ مؤشرات الجهل بخصوصيات المعادلة الثقافية والاجتماعية والحضارية للمجتمع الجزائري، والغفلة عنها والتجاهل لها، ومحاولة القفز عليها، وأحيانا الاعتداء عليها عمدا! منذ نهايات سبعينات القرن الماضي، كتبت أربعة كتب في عمق هذه المعضلة، ونشرتها في بداية الثمانيات من نفس القرن، وهي القدوة الإسلامية، والواقعية في الدعوة الإسلامية، والدعوة الإسلامية والمعادلة الاجتماعية، والتغيير الإسلامي خصائصه وضوابطه، مواجهةً للموجات الفكرية والثقافية المشوشة التي بدأت تهب على المجتمع الجزائري من الشرق والغرب معا، وتستهدف خلخلة نسيجه الثقافي والاجتماعي الموحد والمنسجم إلى حد كبير، وحقنه بمعطيات فكرية وثقافية واجتماعية غريبة عنه تحدث فيه أضرارا بالغة.
ولكن ما هو تأثير هذه النظرة الاستشرافية عندك، في واقع الصحوة المجتمعية التي عاشها المجتمع الجزائري منذ بدايات الاستقلال، بالنظر إلى ما تعرضت له هذه الصحوة من ارتباكات وربما اختراقات وإجهاضات فكرية وثقافية و…؟
-لا أدري بالضبط ما هو حجم هذا التأثير، ولكني لا أشك بأن ما طرحته في هذه الكتب كان له تأثير في أجيال من الشباب الذين عاصروا الصحوة وواكبوها وانتفعوا بها وأعطوها زخما فكريا وروحيا وأخلاقيا واجتماعيا كبيرا. ولكن دعني أذكر لك مثالا هنا عشته في النرويج مع شرطي جزائري شاب، خرج من الخدمة وجاء يبحث عن الدراسة والشغل، وهو من قسنطينة، وتعرف علي في مسجد الجمعية الإسلامية التي أقوم بإدارة خطبة الجمعة فيها، وتذكرني وطلب مني أن أعيره بعض كتبي التي بحوزتي ليقرأها، فأعطيته كتابالقدوة الإسلامية، وكتاب الدعوة الإسلامية والمعادلة الاجتماعية، وكتاب الواقعية في الدعوة الإسلامية، وبعد شهرين أرجعها إلي وسألني هذا السؤال المعبر: هل قرأ الجزائريون هذه الكتب فعلا؟ فقلت له: ماذا تقصد؟ قال لو قرأ الجزائريون هذه الكتب وفهموها ما وقع لنا ما وقع، ولما وجدنا أنا وأنت وغيرنا أنفسنا في ديار الغرب!
وإذا كان هذا الجزائري الشاب قد تأثر بما قرأه في هذه الكتب بعد أزيد من ربع قرن من صدرورها، فلا شك أن كثيرين غيره ممن قرؤوها في حينها، قد انتفعوا بها كثيرا، وما زالوا ينتفعون بها، كما تأتيني بعض الرغبات التي تلح على إعادة طبباعتها.
وتعليقي العام على سؤالكم المهم،هو أن الأفكار والأطروحات الكلية الجادة، كثيرا ما تغطي عليها الموجات الفكرية العابرة، المستغرقة في الجزئيات والآنيات والعاطفيات والذاتيات ، وتخنقها حمى الحزبية والشعبوية والأيديولوجية.. ولا ينتبه الناس إليها إلا بعد أن تقع الفأس في الرأس، وتحدث الصدمات الذاتية والاجتماعية الكبرى، فيستيقظ وعيهم أو وعي بعضهم وينتبوا إلى الأهمية الكبيرة لمثل هذه الأفكار الجادة، التي كان الكثير يؤاخذونني عليها، ويشنعون بي بسببها! ولكن الحمد لله فإن بعض هذه الأفكار والأطروحات أصبحت فيما بعد جزءا من وعي وثقافة ومنهجية الكثير من الناس، ولعل هذا المثال الذي ذكرته آنفا، يعطيك مؤشرا مهما جدا عن المكابدة التي تمر بها الأفكار والأطروحات الجادة حتى تعرف طريقها إلى عقول الناس ونفوسهم وحياتهم! ولهذا قيل في الحكم أن الفتن والمحن إذا أطلت برؤوسها على المجتعات، استشرفها العقلاء والعلماء، وإذا أكملت دورتها في طحن الأفراد والمجتمعات أدركها كل الناس!
بمناسبة الحديث عن الخصوصية والمعادلة الثقافية والاجتماعية للمجتمع الجزائري، كيف نوفق بين هذا وبين منطق المثاقفة والعالمية الذي يفرض نفسه على كل المجتمعات، وخاصة في زمننا هذا الذي انفتحت فيه الثقافات الإنسانية بعضها على بعض بشكل كبير وعميق؟
-الانفتاح على حركة المثاقفة في محيطها الإقليمي والعالمي أمر لا مفر منه، بل هو ضرورة من ضرورات وشروط تطور المجتمعات وتجددها، وتخلصها من أمراض كثيرة مقعِدة لها عن النمو والتطور والنهضة. فالعزلة والإنكفائية المستعلية أو الجبانة، باسم الخصوصية أمر قاتل، لأنها تكرس الأمراض والضعف في الفرد وفي المجتمع، وتحرمهما من عملية التجديد الحقيقية لأنفسهما ووضعهما، وكما يقال فإن قيمة الأشخاص والأفكار والأشياء تتضح وتتمايز بمقارنتها بأضدادها، حيث يكتشف الفرد والمجتمع قوتهما وضعفهما، ويتحركا لتعزيز القوة والتميز، والتخلص من الضعف والقصور.
وهذا ما يجب أن نفهمه في أمر الخصوصية الحقيقية المشكِّلة لمعادلتنا الثقافية والاجتماعية والحضارية، فهي جوهر وثوابت ينبغي الوعي بهما، والاعتزاز بهما، والتعزيز والتجديد المستمر لهما، أما ما هو غير جوهري وثابت فيها، ويدخل في إطار المتغيرات، فهو من الهوامش التاريخية المنتهية الصلاحية في مفهوم المعادلة الثقافية والاجتماعية والحضارية للمجتمع، يعتبر أي تشبث بها، مضادا لمنطق التاريخ وسننه، ومؤشر على ضعف وتخلف الوعي السنني في المجتمع.
فالخصوصية الحقيقية في المعادلة الثقافية والاجتماعية والحضارية لمجتمعنا، لا نعرفها على حقيقتها، ولا نكتشف قوتها أو ضعفها، ولا يمكن أن نطورها ونثريها، ونعزز بها انسجام المجتمع وتكاملية جهده وفعاليته، إلا في خضم حركة المثاقفة والمدافعة والتعارفية الحضارية العالمية، على أرضية الاعتزاز بجوهر هذه الخصوصية والمعادلة الاجتماعية، وتطعيمها بكل ما هو سنني من التجارب والخبرات الثقافية والاجتماعية والحضارية البشرية الأخرى.
وهذا هو جوهر ومقصد فكرة التعارف التي وردت في القرآن الكريم في سورة الحجرات: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[الحجرات : 13]. وتعارف الناس واكتشاف ما عند بعضهم البعض من تجارب وخبرات وحكمة، أوضعف وقوة، وخير وشر.. وانتفاع بعضهم من بعض، لا يتم إلا عبر عملية التواصل والاحتكاك والمثاقفة والمدافعة الثقافية والحضارية التنافسية، ومن جهل ذلك وعزل نفسه بسبب مركبي الاستكبار أو الدونية المرضيين، فقد حرم نفسه من النمو والنضج والخيرية والبركة والرحمة التي وزعها الله تعالى على البشر.
يُتبــع

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com