كلمة حق

ترهيب العلماء/ د. عمار طالبي

 

من الغريب أن ترى كلمة الإرهاب تسلط بسهولة وبدون رؤية واضحة على منظمات علمائية فقهية ومؤسسات خيرية، بدون مبرر، ولا سبب واضح.

يبدو أن السياسة وراء كل من لا يركب مركبها، ولا يسير سيرتها، وأن المزاج السياسي هو الذي يعجبه أو لا يعجبه من الناس فيسلط عليه حكمه المزاجي، فيوما هو عالم فقيه مكرم، ويوما بعده إرهابي يحذر منه، فينقلب الأمر انقلابا، أو يصبح الحسن سوءا، والمسالم لا يؤمن جانبه. وهذا التخبط والهرولة إلى ترهيب من لا يعجب السياسة المزاجية أمر غريب، وظاهرة كانت تستعملها الدول الكبرى في مجلس الأمن، ومؤسسات الأمم المتحدة تتخذ ذلك لمصالح معينة، وإستراتجية مخططة سلفا بعيدة المدى، كما نرى في العراق وسوريا وليبيا، ومن قبل في أفغانستان، ولكن أصبح الإرهاب أداة سياسية في دولة أو إقليم بنظرة ضيقة الأفق، متسرعة، متقلبة مزاجية، يصبح فيه الأبيض أسود، والجميل قبيحا بشعا، وخطرا يرهب، يجب إبعاده والخوف منه، والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يضم خيرة العلماء من مختلف البلاد الإسلامية، وقانونه الأساسي واضح، وأعماله بعيدة كل البعد عما يسمى الإرهاب أو التحريض عليه، نعم قد يخطئ بعضهم، ولكن المنظمة بريئة كل البراء من هذه الظاهرة التي تستعملها الدول الكبرى لتنفيذ استراتجيتها، ويخطط لها في مراكز الدراسات، والمعلومات الاستخباراتية، وتهيئ لها أدواتها البشرية من ذوي الغباوة والجهالة من المسلمين، تغريرا بهم، وإغراء باسم الدين فيرفعون السلاح باسم التدين البليد، والفهم السقيم لبعض النصوص، والأخذ بظواهرها، دون إدراك معانيها ومقاصدها.

وإذا كان العالم الغربي يرى أن الحركات الإسلامية أخذت مكانتها في المجتمعات الإسلامية، وأخذ ما يسمونه الإسلام السياسي موقعه، وكان من آثاره ما يسمى بالربيع العربي، الذي هبت بعض الدول العربية لمقاومته أشد المقاومة خوفا ورهبة من أن تنقلب أوضاعها ويثار على سياسات لا تريد تغييرا إلى الديمقراطية وحرية المواطن، ليخلو الجو للحكم الاستبدادي، والفساد المستشري، في عصر أصبح لا يقبل هذه الأوضاع، وأخذ الناس يعلمون الحقائق وإن خفيت قبل، وكشفها الإعلام وحرية القول في وسائل الاتصال المختلفة، فانتشر الوعي، والتعليم، وأخذت الأمية تختفي، وامتلأت المساجد بالعباد، وتجد الفتيات الجامعيات وغيرهن يرتدين لباسا محتشما، ويرغبن في الخمار رغبة تكاد تكون إجماعا.

ونرى بعض الظاهريين غلوا، وتطرفوا لدرجة الجنون والغباء فارتكبوا المجازر، وفجروا، وانتحروا في سبيل وهم لا يُدْرَى هدفه، واستغل العالم الغربي هؤلاء أيما استغلال، أداة لتحقيق أهدافه، ويشجعهم على ذلك، لإعطاء صورة سيئة أيما سوء، وشنيعة أيما شناعة للإعلام، كي يكرهه الناس، ويخافوا منه، ويخوفوا غيرهم بأنه إرهابي، ويستغل الصهاينة ذلك بشراسة، وينهجون مناهج ويستعملون وسائل للوصول إلى بعض الأشخاص واستمالتهم وإغرائهم بطريقة شيطانية مخابراتية، ونرى نتيجة ذلك فيما نسمعه من وصال بين الصهاينة، وبعض قادة العرب، مصرحين بذلك، ولا يخفون أمره.

إن الوضع الإسلامي والعربي لم يدرك ماذا يريد، ولكن يدرك ما يراد له ويستجيب له، وينسى مصالحه والدفاع عن ذاته وتهيئة وسائل الدفاع من صنعه وبحثه وعلمه، ويكتفي بالشكوى، ودعوة الآخرين لإنقاذه، والواقع أن الآخر يورطه، ويرعى مصالحه هو بذكاء ومكر لا يخفى على ذي عقل ورشد، وسياسة حكيمة.

إننا لا ندري ماذا نفعل للنهوض بوضعنا المتردي، الهالك الدامي، الخانع، التابع للآخر.

فهل نسينا تاريخنا، ومقوماتنا الحية، ودفناه كما يدفن من فقد الحياة، والعزة، وغمرته الذلة والهوان.

إننا نحتاج إلى الرشد السياسي والعمل الحضاري الجاد الذي ينهض بنا من التخلف الفظيع الذي طال أمده، وتعمقت أضراره في أعماقنا، ولعل محاولة القضاء على الفساد والتطرف في السعودية لبنة في هذا إن سلكت طريقا صحيحا بحكمة وهدوء وتشاور.

أخذت قضايانا الأمهات تنتهك، وتضيع، فهذه قضية الأمة، قضية فلسطين تتآكل، وتنسى ويتاجر بها، وأخذ أصحابها في الانقسام مع الدعوى أنهم يأخذون طريق الوحدة، فهل تحتاج الوحدة  إلى وسيط نزيه أو غير نزيه؟ وهل الخضوع لرغبة أمريكا أو غيرها سبيل للتحرر أم سبيل للضياع في متاهات لا نهاية لها؟

إن التحرر الحقيقي يكمن في إرادة الفلسطينيين الموحدة، ولا يوجدها غير عزمهم، وإخلاصهم لوطنهم إخلاصا يجعل غيرهم ييأس من أن يخذلهم أو يثبطهم، ويحبط أعمالهم، أو يتلاعب بمصيرهم.

وما وقع للدفاع عن المسجد الأقصى، وإفشال ما يريده الصهاينة برهان على هذه الإرادة، وهذا العزم والحزم الشعبي العارم الذي لا مرد له.

إن التلاعب بالمقاومة وسلاحها أمر يؤدي إلى الاستسلام والانهزام، وإلى تحقيق أهداف العدو المحتل.

إن الدرس الأساسي الذي يمكن أن يفيد المقاومة الفلسطينية هو ما اتخذته الثورة الجزائرية من وحدة القيادة ووحدة الغاية، وعدم الانجرار إلى تبعية أية دولة ولا إلى أي أيديولوجية أو حزب، فكل من عداهم يكون على مسافة واحدة منهم لا دخل لهم في شؤون غيرهم، ولا دخل لغيرهم في شؤونهم، إلا المساندة للمقاومة وتأييدها عن نزاهة وإخلاص لها واضح.

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com