لزوم جماعة المسلمين وعدم الخروج على الأمة. ومنه: حفظ الوحدة الوطنية

الشيخ محمد مكركب أبران
Oulamas.fetwa@gmail.com/
السؤال
قالت السائلة: هل هذا القول حديث؟ وما معناه؟ قالت السائلة: وأعني ما جاء في هذه العبارة: {من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع}؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: نعم، هذا القول حديث نبوي، وهو جزء من متن حديث طويل. وهو من جملة وصايا النبي صلى الله عليه وسلم، لهذه الأمة التي تركها على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك. فبعد الخبر عن تبليغ الكلمات الخمس التي أمر الله تعالى بها يحي بن زكرياء عليهما السلام، قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: [وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ: [السَّمْعُ، وَالطَّاعَةُ، وَالجِهَادُ، وَالهِجْرَةُ، وَالجَمَاعَةُ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلاَمِ مِنْ عُنُقِهِ إِلاَّ أَنْ يَرْجِعَ، وَمَنْ ادَّعَى دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مِنْ جُثَا جَهَنَّمَ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ؟ قَالَ: وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ، فَادْعُوا بِدَعْوَى اللهِ الَّذِي سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ، عِبَادَ اللَّهِ] (رواه الترمذي في أبواب الأمثال، باب ما جاء في باب مثل الصلاة والصيام.. رقم: 2863)
ولزوم جماعة المسلمين، أي الثبات على الانتماء والبقاء في صف الوحدة المجتمعية، أو نقول لزوم وحدة الشعب، أو وحدة الأمة، أو الوطن، أو الدولة، وهذا مبدأ من أكبر المبادئ في حياة المسلمين، {إن أكبر الفرائض بعد الإيمان، وحدة الأمة}. 1: لزوم جماعة المسلمين في إطار الوحدة الدينية التشريعية. أي يحرم الخروج على إجماع الأمة. قال الله تعالى:﴿وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً﴾. 2 ـ لزوم جماعة المسلمين في إطار الدولة، وعدم الخروج على وحدة الشعب، أو وحدة الوطن. 3 ـ من الجرائم الكبيرة الخروج على الأمة بالسلاح، وليس من المسلمين من رفع السلاح عليهم، أو غشهم. ففي الحديث [مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ] (مسلم:1848)
ثانيا: معنى الجزء من الحديث الذي سألت عنه السائلة. [فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإِسْلاَمِ مِنْ عُنُقِهِ إِلاَّ أَنْ يَرْجِعَ] معناه: من خالف وخرج عن الأمة الإسلامية، في أي مبدأ، أو علاقة، أو حكم، (فقد خلع) أي: نزع (ربقة الإسلام) بكسر الراء وسكون الباء، وهي في الأصل العروة في الحبل يشد من تمسك به، فاستعارها للإسلام يعني ما شد المسلم به نفسه من عرى الإسلام، أي حدوده وأحكامه وأوامره ونواهيه. وينصرف المعنى إلى أن من فارق الجماعة كأنما نبذ عهد الله سبحانه، وأخفر ذمته التي لزمت أعناق العباد. أي من فارق الجماعة فقد نقض عهد الله عز وجل. والله تعالى أعلم، وهو العليم الحكيم. والله تعالى أعلم.
ثالثا: ورد التحذير الشديد من مفارقة الجماعة، لأن الخروج على الجماعة، جماعة الأمة، هو أصل الفتن والكوارث السياسية الموقدة للحروب الأهلية المدمرة.قال الله سبحانه وتعالى:﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ وقال تبارك وتعالى:﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ فقد أمر الله جل جلاله عباده المؤمنين بالجماعة، بوحدة صف الأمة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وبين بأن سبب هلاك من كان قبلهم، إنما هو بالنزاع والتفرق في الدين، ومنه الخروج عن إجماع الأمة. والله تعالى أعلم.
وفي الحديث، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: [من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات، إلا مات ميتة جاهلية] (البخاري: 7054) وأكبر فتنة في تاريخ المسلمين بدأت بالخروج. وهكذا قرأتم في الحديث الذي هو موضوع السؤال.[ وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ] (مسلم:1848)