جمعية العلماء المسلمين الجزائريين شعبة عنابة في الملتقى الوطني الأول: ” العلماء والمثقفون الجزائريون في موكب ثورة التحرير”
احتضنت قاعة المحاضرات بدار الثقافة بمدينة عنابة الملتقى الوطني الأول الموسوم “العلماء والمثقفون الجزائريون في موكب ثورة التحرير” في طبعته الأولى بالتنسيق مع مديرية الثقافة والفنون لولاية عنابة.
أهداف الـملتقى
1- حقائق التاريخ التي غيبت بإهمال الكتابة عن تاريخ العلماء والمثقفين ودورهم في ثورة التحرير. |
الجلسة الأولى
وبدأت أشغال الجلسة الأولى التي تضمنت أربع مداخلات، تولى التدخل فيها الأستاذ الدكتور مصطفى عشوي وكانت مداخلته بعنوان: “دور العلماء والمثقفيـن في مواجهة الحــرب النفسية أثنـاء ثورة التحـريـر”. وقد أشار المتدخل في البداية إلى قلة الدراسات في هذا الجانب، ودعا إلى ضرورة الاهتمام به من قبل الباحثين، كما رصد اعتماد الاستعمار على الحرب النفسية من خلال علمائه ورجال الدين، وأن هذه الحرب كانت شرسة وغير أخلاقية، ولم تكن لتجد مقاومة مماثلة لولا تفطن العلماء والمثقفين الذين تصدوا لذلك وتمكنوا بطرق متعددة من التخفيف من حدة الأساليب الاستعمارية من جهة، ونشر الوعي ورفع معنويات الشعب الجزائري من جهة أخرى، وقد دعم الأستاذ المحاضر ما أورده بوقائع تاريخية حية.
المحاضرة الثانية كانت للأستاذ الدكتور أحسن تليلاني الموسومة “جدلية الحبر والدم: نماذج لأدباء شهداء من أعضاء جمعية العلماء”. فقد استهل مداخلته بتفرقة منهجية بين مصطلح الحرب والمعركة والثورة والإصلاح، وأبان أن العمل الإصلاحي عمل متجدد، وإن كان لا يلجأ فيه إلى استعمال السلاح، فهو التمهيد والتحضير القبلي والمصاحب للعمل الثوري. انتقل بعدها الأستاذ المحاضر إلى الحديث عن دور العلماء والمثقفين قبل ثورة التحرير والذين امتد عملهم دون انقطاع في نشر الوعي وحماية الثوابت الوطنية، إضافة إلى مشاركتهم في ثورة التحرير الوطنية، فكان منهم المجاهدون بالسلاح والشهداء، وضرب أمثلة لذلك بعدد من العلماء: كالشيخ العربي التبسي وأحمد رضا حوحو والربيع بوشامة والشيخ محمد خير الدين وغيرهم.
أما مداخلة الدكتور عبد اللطيف جـواد رئيس قسم التاريخ بجامعة عنابة والتي حملت عنوان “مـراقبة المصـالح الأمنية الاستعمارية للعلماء الجــزائـرييـن خلال الثورة التحـريـرية الشيخ العـربي التبسي أنموذجا”، فقد طاف الأستاذ بالحاضرين في الأرشيف الأمني الفرنسي وكشف عن المراقبة التي كانت أجهزة الأمن الفرنسية تضربها على أعضاء الجمعية ومنهم الشيخ العربي التبسي، وكذا التقارير الأمنية التي كانت تصفهم بالخطر الأكبر، وقد خلص المتدخل إلى ضرورة جمع هذا الأرشيف ليسهل التعرف من قبل الباحثين على الموقف الآخر من رجال الجمعية في مراحلها المختلفة.
أما المحاضرة الرابعة فقد قدمها -بواسطة تقنيات التواصل عن البعد-الدكتور مولود عويمر الأستاذ بجامعة الجزائر 2 وعضو المكتب الوطني لجمعية العلماء الجزائريين المكلف بالإعلام والثقافة وكان عنوانها: “مالك بن نبي في قلب ثورة التحرير”. وتناول خلالها 3 محاور أساسية، وهي: إرهاصات الثورة الجزائرية كما فهمها مالك بن نبي، وأهم إسهاماته في الجهد الثوري والتحرري الوطني، ونظراته النقدية لبعض النصوص المؤسسة لفلسفة هذه الثورة ولعدد من قادتها.
استعرض المحاضر قراءة هذا المفكر لمسار التغيير في المجتمع الجزائري وتراكم الجهود لتحضيره للمقاومة والتحرر، وقال الدكتور عويمر: “بن نبي كان يعتبر معركة التحرير تقوم على مسار طويل متعدد المحطات والأشكال وتراكم تفاعل حركة المجتمع الجزائري مع مساره التاريخي وجهده المستمر لتحقيق مصيره بنفسه”. وعن أهم نشاطات بن نبي خلال الثورة قال الدكتور عويمر أن بن نبي اختار الإسهام في الثورة من خارج الأطر الرسمية بتوظيف قلمه ولسانه لدعم جهد النضال الثوري ومسيرة التحرر الوطني. وتمثلت هذه الجهود في القاء المحاضرات وكتابة المقالات ونشر الكتب والعرائض التي تكشف وحشية الاستعمار وتشرِّح ممارساته غير القانونية واللإنسانية تجاه الشعب الجزائري.
وعن هذه المحور الأخير تساءل الدكتور مولود عويمر: هل كان بن نبي الانسان الشاهد على الحدث مثاليا على عكس بن نبي المفكر، أم أن رجل السلطة يبقى دائما متوجسا من المثقف الحر باعتباره إنسانا ناقدا ومعارضا وإن كانت مواقفه صادقة وآراؤه بناءة؟ وهو سؤال متجدد جدير بالدرس والبحث.
الجلسة الثانية
الجلسة الثانية ابتدأت بمداخلة الأستاذ الدكتور منصور رحماني من جامعة 20 أوت 1955 – سكيكدة- بعنوان “محمد الأمين العمودي أديبـا سيـاسيـا”، الذي طاف بالحضور في التعريف بهذه الشخصية المتميزة التي كان لها دور كبير في مجالات الأدب والسياسة والإعلام، كما كان لثقافته القانونية وإلمامه باللغتين العربية والفرنسية الأثر الأكبر في عطائه الأدبي والسياسي. فقد كتب في الصحف وأصدرها ومنها جريدة الدفاع الصادرة باللغة الفرنسية والتي مافحت عن الجمعية ومبادئها.
– أما مداخلة الدكتورة سكينة العـابد (جامعة قسنطينة) والتي حملت عنوان “الإسهامات الصحفية الأدبية للشهيد أحمد رضا حوحو، من خلال جريدتي البصائر والشعلة”. وقد أبرزت الأستاذة المحاضرة أن أحمد رضا حوحو أديب جزائري من أصحاب الكلمة الشجاعة التي أسهمت في يقظة الجماهير، متمسك بالشخصيّة الوطنيّة إلى حد النخاع.
فالأديب الشهيد ولِدَ في الخامس عشر من شهر ديسمبر سنة 1910م، في بلدة سيدي عقبة ببسكرة. وبعد أن تعلم بمسقط رأسه، أرسله والده سنة 1928م لإكمال دراسته في منطقة سكيكدة، إلا أنّ الاستعمار الفرنسيي أعاقه على إكمال دراسته الثانويّة بها. عاد إلى الجنوب، وعمل في البريد في منطقة سيدي عقبة. هاجَرَ إلى الحجاز برفقة أسرته سنة 1935م، واستقرَّ في المدينة المُنوَّرة؛ لإتمام دراسته في كلّية الشريعة، وفي عام1937م نشر أول مقال له في مجلة الرابطة العربيّة، وكان بعنوان (الطرقيّة في خدمة الاستعمار)، فكان نير الفكر معاديا للإستعمار وأزلامه.
تخرَّج حوحو من كلّية الشريعة في عام 1938م، وحصل على أعلى الدرجات فيها، مما جعله يعين أستاذا فيها، وقد شعل مناصب عدة منها سكرتير التحرير في مجلة المَنهَل. عند عودته إلى الجزائر أصبخ عضواً في جمعيّة العلماء المسلمين في الجزائر. شغل مَنصب مدير في مدارس الجمعية، تولّى مَنصب الكاتب العام في مَعهَد ابن باديس في قسنطينة. أصبح عضواً في المجلس الإداريّ بعد انتخابه في جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريّين عام 1948م. أنشأ جمعيّة المزهر القسنطيني التي عَرَضَ فيها مجموعةً من المسرحيّات، كمسرحيّة البخيل، وبائعة الورود. أسَّسَ مع أصدقائه جريدة الشُّعلة في عام 1949م، وتولّى بنفسه رئاسة التحرير فيها.
نشر في العديد من الجرائد كتاباته المميزة وخاصة بجريدة الشعلة والبصائر. ظهر من خلال كتاباته موهبته الكبيرة في الكتابة، والتحرير، بالإضافة إلى تميز فِكرِه، ونظرتِه الاجتماعيّة، ومَوقِفِه المعادي للإستعمار، وفكره الإصلاحي. وكانت مقالاته مثيرة ومنها ما نشره في البصائر فكان أوّل مقال له فيها بعنوان (خواطر حائر)، حيث تحدث فيه عن نظرته للمستقبل، وعن حيرة الشباب في الجزائر، ثم توالت مقالاته ومنها: مقال ما لهم لا ينطقون؟ ومقال ما لهم يثرثرون؟ كما كانت له مقالات مُختلِفة نُشِرَت في الصحف، وكانت له ترجمات من الأدب الفرنسيّ. نشر مجموعته القصصيّة بعنوان (نماذج بشريّة)، في عام 1955م، بعد أن اندلعت الثورة التحريريّة الجزائريّة، ويعد أحمد حوحو رائد القصة القصيرة في الجزائر.
كتب عن أشهر الأساتذة والعلماء في معهد ابن باديس، وهؤلاء العلماء هم: عبد القادر الياجوري، وأحمد حماني، وحمزة بكوشة، ونعيم النعيمي، وكذلك عبد الرحمن شيبان، والعباس بن الشّيخ الحسين.
أبان النتاج الأدبي للأستاذ أحمد رضا حوحو قدرة أدبية ونشاط لافت، فقد شارك كذلك في الحركة المسرحية حيث كتب العديد من المسرحيات مثل عنبسة، كما قام بترجمة مسرحيّة البخيل لموليير، أشهرِ المسرحيّات الفرنسيّة.
كان المستعمر يترصد نشاط الشهيد أحمد رضا حوحو، فبعد أن وقعت حادثة تفجير في دائرة البوليس المركزيّ وقُتِل فيها مُحافِظ شرطة قسنطينة، تم اعتتقال أحمد حوحو في التاسع والعشرين من مارس عام 1956م، نُقِلَ بعدها من سجن الكدية إلى جبل الوحش المُطِلِّ على مدينة القسنطينة، حيث تمَّ إعدامُه من قِبَل الجيش الفرنسيّ، وقد وُجِدَ جثمان أحمد حوحو بعد الاستقلال في حفرة في منطقة وادي حميمين، برفقة ثماني جُثَثٍ أخرى، مدفونة في مقبرة جماعيّة، وقد أُعِيدَ دَفْنُ رفاتِه في منطقة الخروب في مقبرة الشهداء.
– تناول الأستاذ الدكتور رحايلية عبد الحسيب أستاذ الهندسة المعمارية بجامعة باجي مختار – عنابة والباحث في العلوم الإسلامية، في مداخلته شخصية تاريخية مميزة بمعاصرتها للرعيل الأول من رجال الجمعية وإسهامه في بعث جمعية العلماء في بداية الستعينات، فكان عنوان مداخلته “العلامة أحمد حماني: جهاده واجتهاده”. حيث أوضح أن الشيخ أحمد حماني شخصية فقهية جهادية واجتهادية جمع بين الأمرين، شخص جاهد واجتهد، حياته مليئة بالأحداث. عاش ويلات الاحتلال وسنوات الاستقلال، وهو أحد تلاميذ الشيخ عبد الحميد بن باديس. لقد جمع بين الجهاد بالبنان والسنان، ولحقه بسبب ذلك أذى كثيرا.
فإلى جانب علم الشيخ الغزير الذي وظّفه في التعليم والتربية بعد عودته بالشهادة العالمية من جامع الزيتونة، سُجن الشيخ وعُذّب من طرف المستدمر وتعرض إلى محاولة اغتيال. كما سجن لسنوات عديدة ولم يغادر السجن إلا قبيل الاستقلال، فانخرط في تكوين طلبة كلية الآداب ممن تحملوا مسؤوليات في الدولة الحديثة النشأة. وترأّس المجلس الإسلامي الأعلى وكان له شرف تمثيل الجزائر في الملتقيات العلمية على مستوى العالم الإسلامي. أعاد الشيخ أحمد حماني سنة 1990م بعث جمعية العلماء المسلمين مع إخوانه وعين رئيسا عليها عام 1991م وتولى رئاسة جريدة البصائر سنة 1992 إلى أن وافته المنية في 29 جوان 1998.
اختتمت سلسلة المتدخلين بالدكتورة ليلى لعـويـر من جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية والتي خصتها للشهيد الشاعر “الـربيع بوشامة” من مواليد 1916 بمدينة قنزات من ولاية سطيف حفظ القرآن الكريم في سن التاسعة وأعاد حفظه ضبطا في سن 12 .
وكان من أشهر أساتذته الشيخ السعيد الصالحي.
عمل الشيخ في ميدان التعليم بمنطقة قنزات. نشط في نشر الفكر الإصلاحي بالمنطقة وكان ممن حافظوا على بقاء مدرستها صرحا جالبا للمتعلمين ولأنصار جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، أنشأ ناديا ثقافيا، كما نشط في مجال الخطابة بالمساجد نشرا للوعي.
أرسل سنة 1938 إلى جانب أستاذه السعيد صالحي إلى فرنسا فمكث فيها سنة واحدة وعاد إلى مسقط رأسه، ولما ترصد المستعمر حركاته، غير أمكنة نشاطه إلى مدينة خراطة، إلا أن المستعمر لاحقه في مكان نشاطه الجديد، وكان الشيخ ممن خلدوا أحداث 08 ماي 1945 شعرا. كان يكره شهر ماي نتيجة ما عايشه من أحداث دموية ارتكبها المستعمر ضد أبناء الجزائر، ومما قاله:
قبحت من شهر مدى الأعوام يا مايو كم فجعت من أقوام
حوكم وأدخل السجن قبل ثورة التحرير، وقد غير مكان نشاطه إلى العاصمة حيث واصل نشاطه في مجال التعليم فكان مديرا لمدرسة الثبات بالحراش. أرسل مجددا إلى فرنسا سنة 1952 حيث ترأس شعبة جمعية العلماء هناك، فازدادت أعداد المنخرطين في جمعية العلماء بها.
عاد الشيخ الربيع بوشامة إلى الجزائر وواصل جهوده التربوية، فانضوى تحت لواء ثورة التحرير، وكانت له علاقات مميزة بالشهيد الرمز عميروش قائد الولاية الثالثة.
خلد الربيع بوشامة مآثر ثورة شعرا، ألقي عليه القبض في شهر جانفي 1959 حيث مكث بالسجن تحت التعذيب إلى أن استشهد في 14 ماي 1959 فبعد تعذيبه واستشهاده لم يعرف له قبر، فعرف بالشهيد المجهول قبره.
توصيات
عقب انتهاء مداخلات الملتقى، أثيرت مناقشات قيمة أثرت اليوم الدراسي لتتلى بعد ذلك توصيات الملتقى والتي ركزت على مواصلة مثل هذه الأنشطة بالمدينة، وثمنت التنسيق بين الشعبة الولائية ومديرية الثقافة لولاية عنابة، كما دعت إلى مشاركة فاعلة لباقي الهيئات الثقافية والأكاديمية بالمدينة.
البصائر / عنابة