استعراض العضلات المبكر…

مداني حديبي/
فترة الخمول ضرورية للصبي والشاب حتى يكتمل بناؤه العلمي والنفسي..فمن استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه..وإذا تصدر الفتى فاته خير كثير.
والبعد عن الشهرة وصور الفيسبوك والانستغرام والاستعراض المبكر للعضلات قبل اكتمالها يصون الشخصية من أمراض النفوس من عجب ورياء وغرور..وحتى من العين الحاسدة التي يشبه تأثيرها الليزر لأن هناك أفاعي في الهند تلدغ بعيونها كما ذكر ابن القيم ..
لهذا أتعجب من بعض الأسر التي تسارع إلى نشر صور ابنائها المتفوقين الصغار في الحفظ أو المعدلات الممتازة في مواقع التواصل ونيتها صادقة طيبة لتشجيعهم لكن هناك أثر سلبي هو شعورهم بالامتلاء الذي يأتي بعده الفتور والانحدار..
من خلال تجربتي ومشاهداتي..
رأيت ذاك الفتى الذي اعتلى المنبر وحفظ الخطبة حفظا جيدا وحدقت فيه العيون إعجابا وإكبارا.. كانت تلك الخطبة أول خطبة وآخرها..وبعضهم استمر مدة ثم انقطع نهائيا.
وذاك الصبي الذي صلى التراويح بمسجد جامع.. دُفن على عجل وترك إمامة التراويح ونسي حفظ القرآن.
وذاك الطفل الذي كان عبقريا في الابتدائي في كل المواد ثم تراجع في المتوسط لينقطع في الثانوي.
ظاهرة عجيبة غريبة…الانطفاء بعد اللمعان..والسقوط من القمة إلى الحضيض الواطئ ..
لهذا قال يعقوب عليه السلام ليوسف…لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا..
فهناك دائما ضريبة باهضة للظهور المتعجل …
وقد لاحظ الكثير من الخبراء وعلم النفس والاستشراف أن أصحاب الذكاء المتوسط هم الذين يتصدرون المراتب الأولى في النهايات لأنهم كانوا بعيدا عن الافتتان بالامتلاء المبكر..هذا لا يعني أننا نشجع على ترك التفوق والتصدر والتألق في البدايات بل إلى خمول الذكر والبعد عن وميض الشهرة والاعجاب في المنطلقات.
لم يكن مخطئا أبدا ابن عطاء حينما قال:
ادفن وجودك في أرض الخمول..فما نبت مما لم يدفن لا يتم نتاجه.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال:استعينوا على قضاء حوائجكم بالسر والكتمان ..فإن كل ذي نعمة محسود.
كتمان التفوق لا يعني أن لا نفرح ولا نستبشر ولا نشكر بل لا نضخم ولا نركز عدسات الكاميرا على تلك النبتة الغضة الطرية وهي في بداياتها بل حتى تقوى وتترسخ.
كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه.
فحينما يستغلظ ويستوي وينضج لنا أن نهتف بأعلى صوتنا وننشر آلاف الصور ونهدي أغلى الهدايا ونرسم أحلى اللوحات المهنئة الممزوجة بأحلى العبير والعطر وطاقات الزهور.