أدب الشواطئ…وشواطئ الأدب … «عـــوم وعـــس حــوايـجـــك»
أ. لخضر لقدي/
هممت أن أكتب عن الاصطياف والذهاب إلى البحر ثم ترددت، وحل الصيف، واشتد القيظ، واتجهت الأنظار إلى المصايف، ووقعنا بين حصارين الأول فرضته نازلة كورونا، والثاني يفرضه الانفلات من الآداب العامة واختلاط الحابل بالنابل في شواطئنا.
وها هي طلبات الأولاد بالذهاب إلى البحر حديث الأسر، ومعها معاناة في توفير المال الكافي، ومحنة اختيار المكان المناسب للاصطياف بحيث يكون أقل ناسا، وأنظف مرتادا، وأحسن للعرض، وأمتع للنفس، وأبعد عن الانفلات والانفتاح غير المضبوط ورؤية المنكرات.
والاصطياف ليس ترفا بل هو ضرورة صحية ونفسية، ولا هو انفلات وخروج عن القيود الشرعية أو العُرفية.
والعطلة مخصصة للراحة والاسترخاء والاستجمام، ويمكن الجمع فيها بين ممارسة الرياضة والمشي، ومشاهدة المناظر الخلابة، والآثار العامرة، وتأمل النجوم، والسياحة الغابية في أعالي الجبال قرب الينابيع الباردة، والسباحة وارتياد البحر، ولم لا القراءة والمطالعة، فقد أبدعت أمم من حولنا وعرف عندهم أدبا سمي بأدب الشواطئ، وأنشئت مكتبات على الشواطئ، وأوجدت كتبا في الشمس، وهكذا فعلت المدن السياحية كبرشلونة، وكانت مكتبة إيكيا في شاطئ بوندي (أستراليا) واحدة من أشهر مكتبات الشواطئ في العالم، وكان الأدب وكانت المطالعة مكملين لأمسيات الرمال ورغوة البحر التي يستسلم لها آلاف السياح والمرتادين … لعلني أهذي…أو لعلني أحلم لا أدري؟.
إن أهم ما نعانيه مع أسرنا وأبنائنا خلال العطل: رفقة السوء، والفراغ القاتل، ومشاكل البحر، وما أدراك ما البحر؟ وما أدراك ما مشاكله.
أما البحر فهو صُفرة رمل تلمع كأنّها التِبْرُ تحت أشعّة الشمس، وأمواج تُسعِد الناظر، وزُرقة ماء تحاكي زرقة السماء، وصفاء جوّ، وإشراق سماء، وشمس تسحر العيون تشرق وتغرب على ابتسامات البحر الهادئة .
أما مشاكل البحر فكثيرة فلا أحد يملك البحر، ولا أحد يستطيع أن يضع له نظاما خاصا به، وهب أن حياة الشواطئ تفتن، فهل يجب مقاطعتها من الخيرين؟
وكما قيل: كل نعمة تعرض صاحبها لمتاعب أخلاقية، فالقمر يهيج، وعطر الزهور يوقظ الشهوات، والجسم السليم يؤهل للمعاصي، فهل نطلب زوال النعم لتستقيم الأخلاق؟.
إن من الجميل قضاء عطلة صيفية ممتعة مفيدة، وأجمل منه المحافظة على الدين والأخلاق.
والشواطئ التي لا ترى فيها مناظر العري المخلة، لا شك في جواز قصدها والسياحة فيها.
وأغلب شواطئنا للأسف نحس فيها بالكبت، وتهضم فيها حقوقنا في استمتاع هادف وبريء بعيدا عن خدش الحياء، ونحن نقف في حيرة بين تلبية متطلباتنا النفسية والجسدية وبين الحفاظ على الدين والخلق، أمام سيل هادر من العري والاختلاط والموسيقى الماجنة.
وبين بحر وشاطئ تموت الفضائل وينتحر الأدب، وتستبين ماهيات نفوس أهل الخير، وهناك تنجو أرواح وتعلو وتعرج، وعلى الشاطئ تغرق نفوس في حمأة الرذيلة، وينهزم حماة الفضيلة .
ماذا نفعل ونحن بين اختيارين صعبين، فإما أن نقاطع، وإما أن ننغمس، ألا توجد منطقة وسطى ومنزلة بين المنزلتين؟
لا شك أن السلطات المسئولة تتحمل جزءا كبيرا في توفير جو آمن ومحافظ إلى حد ما، وأن على لجان الفتوى بيان الحكم وعدم تأخير البيان عن وقت الحاجة، فليست مهمتها التبرير أو إيجاد الدليل لمن يريده (……..) .
وفي انتظار مأمول لن يتحقق فيما يبدو، أليس علينا أن نذهب بأعداد كبيرة إلى الشواطئ منذ الصباح، وتكون النساء في جانب والرجال في آخر وبينهما الأطفال يسبحون ويمرحون.
وقد أعجبتني تجارب حدثت في بعض شواطئنا أدى فيها المصطافون صلواتهم جماعة، وكان المنظر جميلا بالمحافظة على الستر والأخلاق والنظافة.
إن الاكتفاء بالقول أن الشواطئ تفسد الأخلاق، دون المبادرة لإيجاد بدائل، لن يحل المشكلة بل يزيدها تعقيدا.
وستجد ولدك الذي لم ترافقه إلى البحر تلعب به الأيادي الوسخة، وتسلب عقله الأفكار الهدامة.
إن المسلم مطالب أن يتقي الله ما استطاع، يجتنب النظرة الحرام، والاختلاط الماجن، وكلام الريبة.
وهذه شوارعنا وإداراتنا في الصيف لا تخلو من تبرج وعرض للزينة، وهذه مطاراتنا مليئة بغير المحجبات وفيها تتم إجراءات السفر، وإذا أتممتها قابلت مضيفات الجو؟ وإذا ركبت الطائرة لم يكن لك اختيار من يجلس بجانبك، وكيف يفعل الشاب الذي يدخل الجامعة المختلطة لخمس سنوات؟
وما من مجتمع بشري إلا وفيه دعاة للفضيلة وحماة للرذيلة، ولكل فريق حليف، وحال المجتمع ومصيره رهين بغلبة أحد الفريقين.
فهل علينا مقاطعة الحياة لننجو؟ أم ليس لنا إلا قوله تعالى:{ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا…}
وأعوذ بالله أن أحل حراما أو أحرم حلالا، ولكن الحياة الحديثة وضروراتها اقتضت هذا الكلام…. والموضوع للمناقشة والإثراء.