ثقافة شباب النهوض الحضاري 1/ كمال أبوسنة
إن عصرنا هذا الذي نعيشه قد توفرت فيه كل السبل الموصلة إلى التثقف الايجابي، وأصبحت الثقافة فيه سهلة مسخرة بين يدي كل راغب في ازدياد يستطيع أن ينهل منها كيف يشاء إلا من أبى.
والشاب المسلم النهضوي الذي يؤمن بفكرة ضرورة نهوض الأمة ويسعى لذلك من أولى خلق الله بالثقافة والتثقف لأنه يعش لغاية وفي عنقه أمانة عظيمة وثقيلة، أبت السموات والأرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها…وأحسب أن الشاب المصلح النهضوي المهموم بحمل هذه الأمانة أحوج ما يكون إلى أن يشرب من حوض الثقافة الشاملة الصافية حتى تذهب عنه شدة العطش الناتج عن حرارة التجهيل الممنهج والتغريب المفروض ومحاولات المسخ المقصودة، وأيضا ليتمكن من إتمام مسيرته الإصلاحية النهضوية بنجاح نحو تحقيق الهدف المنشود.
إن الحركة الإصلاحية الساعية لإصلاح الواقع وتصحيح الأوضاع للارتقاء حضاريا بالمجتمع بحاجة أكيدة إلى الشباب المصلح الذين يملكون ثقافة بانية في الدين والدنيا على حد سواء…
إن الشاب النهضوي في حركة الإصلاح الشامل ملزم في حدود وسعه بالدفاع عن مكونات هويته وأصول قيمه خاصة في هذا العصر الذي اشتد فيه الصراع الحضاري على مستويات عديدة وبطرق متنوعة…ولأنه طرف في هذا الصراع من المهم أن يكون مهيئا لكل تغيير في موقعه الحركي بين اللحظة والأخرى ذلك لأن التحديات تنوعت وقذائف الآخر ترمى من كل جهة وفي أي وقت، ووافق أن حركة الدعوة إلى البعث الحضاري تعاني فراغات خطيرة وثغرات منهوكة تحتاج إلى من يقف فيها مدافعا ومنافحا…
هناك معركة فكرية كبيرة دائرة في واقعنا على أكثر من جبهة، والمتسلح بالقوة الثقافية المتزنة والشاملة والوسائل المبتكر والمبدعة سيتمكن من اكتساح مساحات واسعة ويؤثر على موازين التدافع الفكري…ولهذا فإن الشاب المصلح النهضوي يجب أن يسعى للحصول على ثقافة متزنة وشاملة تسهل عليه أداء واجبه في المساهمة في البناء الحضاري المنشود…ومهما يكن من أمر فإنه من الضروري إعادة النظر في كثير من البرامج التثقيفية في حركة البعث الحضاري وفي وسائلها وأساليبها ومحاولة مواكبة العصر وفقه تحدياته الكبرى واحترام السنن الإلهية وتفعيل معادلاتها في خدمة الحق…
ولكي يصل الشاب النهضوي إلى مكانة ثقافية محترمة متماشية مع متطلبات دعوة البعث الحضاري للتأسيس للمجتمع الحضاري فلا بد أن تتركز أصول ثقافته على:
– الثقافة الإسلامية المتنورة.
– الثقافة الإنسانية الشاملة.
– الثقافة العلمية الحديثة.
إذ يغفل الكثير من الشباب النهضوي في الحركة الإصلاحية الحضارية عن تحصيل “الثقافة الإسلامية المتنورة”هذه الثقافة الهامة في حياتهم العملية والنظرية، والقليل المتحصل عليه لا يكاد يرقى لما يجب أن يملكه من يريد أن يكون فاعلا في هذه القافلة الإصلاحية الحضارية…والثقافة الإسلامية المتنورة التي نقصدها أوسع مجالا، وأرحب أفقا من الموروث الشرعي الذي نتحصل عليه من بعض الوسائل التقليدية، والذي نرمي إليه دون أن نفصل هو أن يحاول الشباب النهضوي الإلمام بمداخل العلوم الإسلامية وأهم تفاصيلها من علوم القرآن والسنة، والعقيدة ومتعلقاتها، والفقه وأصوله ومقاصده، والسيرة وفقهها، والدعوة وفنونها، وغيرها من العلوم الإسلامية المتعارف عليها…ليس إلى حد التخصص كما قد يفهم البعض ولكن إلى حد “الإحاطة” التي تكوّن له مخزونا ثقافيا معرفيا شرعيا محترما…
إن دراسة الشباب النهضوي لدينه وأحكامه الإسلامية وقواعده وضوابطه، سيحصينه من آفات الطريق وسيعمق معرفته الشرعية التي ستفيده في حياته العلمية والعملية، وسيحيط بحقائق الدين بنفسه مما يقوي رابطته بفكرته ووثوقا بها وعملا لها ولن يكون فريسة سهلة للأفكار الهدامة…
ومن غير المعقول أن يزهد الشباب النهضوي في امتلاك “الثقافة الإنسانية الشاملة” التي تقوي مداركه، وتعمق تفكيره، وتوسع مفاهيمه، ويستفيد من مناهجها الصالحة ونتائجها المفيدة، ونعني بالثقافة الإنسانية ما تشمله من علوم: التاريخ والآداب والنفس والاجتماع والاقتصاد والفلسفة والأخلاق والسياسة وغيرها…
على أن الشباب حين يخوض غمار هذه الثقافة لا بد أن يستأنس برأي الثقات من أهل العلم المتخصصين في كل فن من فنونها ففي البساتين الخلابة تختفي بين زواياها وفي ثناياها الحيات والعقارب السامة، وتثمر الثمار غير الناضجة، وتنمو الأعشاب الضارة…
ولا بد أن يدرك الشباب أن الثقافة الإنسانية الشاملة ليست منشورة في الكتب والمجلات والصحف أو في وسائل الاتصال المعاصرة فقط، ولكن هناك مخزونا كبيرا من المعارف والتجارب الإنسانية النافعة التي لا توجد إلا في مستودعات صدور الرجال وتاريخهم الممتد سنين عددا، لهذا فإن استفادة جيل الشباب من تجارب الأجيال السابقة وخبراتهم يختصر لهم الزمان والمسافات ويفتح أمامهم رؤية الآتي بعين الماضي، وأنصح بالمناسبة بكثرة قراءة مذكرات الأعلام من جميع التوجهات والأعراق والديانات والتخصصات، والاعتبار بسيرهم ومسيراتهم في الحياة…
يتبع