كيف أصبح الإمام الشاطبي صحفيا؟
عبد القادر قلاتي/
عندما تتحوّل المسائل العلمية والشرعية إلى حالة من الفوضى الفكرية، تُدار في ساحة من الخلافات الإيديولوجية والأمراض الجماعاتية، وتصفيات الحساب بين المختلفين فكراً وسلوكاً وانتماءً، فلا يبقى منها -أيّ المسائل العلمية – إلاّ إطارها التاريخي الذي ظهرت فيه، وبعض الرّسوم من ذلك الجدل المعرفي الذي صاحب ظهورها في الواقع الديني والعلمي منذ عصر التدوين وإلى بروز المذاهب الفقهية والكلامية التي شكلّت العقل الإسلامي، وبالرغم من انتشار الخلاف والتعدّد الفكري والنّظري قديماً، إلاّ أنّ الواقع العلمي في عمومه كان يتَّسم بشيءٍ من الجدّية والروح العلمية الخالصة التي نقلت إلينا ذلك التراث الفكري والمعرفي الزاخر، الذي ما زال يتحكم في الكثير من تفاصيل وعينا بالكون والمجتمع والدولة.
سقت هذه المقدمة لأشرح الموقف العجيب الذي اتخذه الدكتور علي جمعة -المفتي السابق لجمهورية مصر العربية – من الحكم علي الامام الشاطبي، حيث نقلت وسائل التواصل الاجتماعي فيديو يتحدث فيه علي جمعة عن الإمام الشاطبي وكتابه الشهير “الموافقات”، واصفاً إياه بالصحفي الذي يكتب في الإسلاميات، وأنه ليس من العلماء الكبار كالجويني والغزالي و”استنتج ذلك من عدم تقرير كتبه في مجامع التعليم والدرس، وحتى لا يلزم الطعنَ والعصبية في الأعلام وخاصة المالكية، ذكر بعضهم كالرافعي والزركشي والقرافي المالكي! على سبيل المقارنة بينهم وبين الشاطبي، لدفع توهم التنقص بالعلماء وازدرائهم” وقد أثار هذا الوصف الكثير من ردود الفعل، بين طلبة العلم الشرعي، فقام بعضهم بالرَّد المفصل على المفتي واعتبار ما قام به جناية في حق العلم والعلماء، وأنه -علي جمعة – لم يتحر الدّقة العلمية ولم يكن يقصدها وإنمّا كان القصد هو الرّد على الشيخ الريسوني المهتم بموضوع المقاصد الشرعية، وجماعة الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، فالرّجل يحمل ضغينة لهذا الكيان العلمي المهم في واقعنا المعاصر، وخلافه الأكبر مع العلامة الكبير الشيخ يوسف القرضاوي، الذي عارض الانقلاب العسكري في مصر، وانتصر لحق الشعب المصري في اختيار قيادته السياسية، في حين كان على جمعة من أنصار الانقلاب ومدعميه، وهذا ما يفسر موقف علي جمعة، الذي أدخل الخلاف السياسيّ في الحكم على قضايا علمية، لا يمكن الربط بينها وبين ما يحدث من تحولات سياسية لها موقعها من التحليل والتأويل والقراءة بعيدًا عن الخلافات الايدلوجية الواضحة، التي أصبحت تتحكم في الكثير من الآراء والقناعات الشخصية، والشنآن المصاحب دائما للشأن السياسيّ، وإذا تحوّل الأمر إلى ما ذكرنا فلا غرابة أن يتحوّل الإمام الشاطبي، من الإمام المجدد، والمبدع لفرع علمي جديد داخل البنية المعرفية للفكر الإسلامي، إلى مجرد صحفي يكتب في الإسلاميات على حد تعبير الشيخ المثير للجدل. والله المستعان.