عين البصائر

مسلمون وكفى … امتلاك الحقيقة واحتكارها… الوهم المتجدد المتبدد

أ. لخضر لقدي/

لكل منّا جانبه الجاهل الذي إن أدركه سَلِم وإن لم يدركه آذى نفسه وآذى من حوله، ومن كان مريضا بوهم احتكار الحقيقة رأى أنها لا تتجلَّى إلاّ من خلال أفكاره، وادّعى تفرّده الدائم بالمصداقية فيقطع خطوط الاتصال والاستقبال مع الآخرين، ويرى أن من يتبنى غير فكرته يكون خارج الحقيقة بل وضدّها، يستحق أن يصادر حقه في الرأي.
وهذا النوع من البشر -الذي يدعي أو يعتقد امتلاك الحقيقة- موجود في كل ملة وفي كل مذهب، وهو يقود حتما إلى التجريم والتحريم، والتعصب ورفض الآخر.
في بداية هذا الشهر كتب أخوان من سكيكدة رسالة إلى أصحاب الفضيلة: أ.د .عبد الزارق رئيس التحرير، و أ. ياسين مبروكي مدير التحرير، و أ. عبد القادر قلاتي سكرتير التحرير.
جاء فيها بعد السلام: نحن من القراء الدائمين لأسبوعية البصائر لاحظنا بأن أمورا تنشر تخالف الشرع وتنافي الدين، من أجل هذا أردنا أن ننبهكم إلى المسؤولية الملقاة على عاتقكم لأنكم مسئولون أمام الله وأمام العباد.
واحتوت رسالتهما ملاحظات حول مقالين الأول بعنوان: «استمتعوا بالحياة» للإمام الأستاذ الفاضل عبد العزيز كحيل.
والثاني حول مقال لي تحت عنوان (مسلم وكفى) وجها لي التهمة فيه بتزكية بعض الفرق الضالة المنحرفة عن الصراط المستقيم، ولعلهما يشيران إلى ما جاء في مقالي: «وربنا سبحانه وتعالى سمانا مسلمين، فمن كان سلفيا أم إخوانيا أم صوفيا، وسواء كان أثريا أو أشعريا أو ماتريديا أو كان لا يدري عن هذه الأشياء شيئا هم منا ونحن منهم نتولاهم ونحبهم ولهم واجب النصرة وحق الأخوة، ما داموا مسلمين موحدين لربهم سالكين سبيل الرشاد ولو بدا منهم ما بدا».
وأنا متمسك بكل كلمة جاءت في هذه العبارة، بل واخترت العنوان من مقالة كتبها الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله بعنوان: «نحن مسلمون وكفى».
وهؤلاء يعتقدون أنهم هم المسلمون الوحيدون، وهم وحدهم يملكون المشروع الشرعي لإنقاذ الأمة، ووحدهم يمتلكون الحقيقة الدينية والسياسية.
ومنذ مدة تثار معارك حول سلفية ابن باديس من عدمها، ورأيي أن ابن باديس كان سلفيا في المنهج بمعنى العودة بالأمة إلى الكتاب والسنة بمقصد هدائي لا حرفي، وإلا كيف نفسر إعجابه بالأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا والكواكبي… واستشهاده في التفسير بالزمخشري والرازي، ونقله الكثير عن حجة الإسلام أبي حامد الغزالي، وإخراجه لكتاب العواصم من القواصم لأبي بكر بن العربي، وتدريسه لكتاب «الشفا» للقاضي عياض و«الرسالة» لابن أبي زيد القيرواني و «مختصر العلامة خليل» ويثني على الشيخ خليل، ويعده من كبار المصلحين والأصوليين، إلا أنه أحيانا ينحى باللائمة على شراحه.
ويكفي قول تلميذه الشيخ حماني في فتاويه: «وقد قَبِل أسلافُنا تأويلَ الأشاعرة كما قَبِلوا تفويضَ السلف»…»ومَنْ تمعَّن في نصوص الشريعة جيِّدًا، ودَرَس حُجَجَ الفِرَق المتنازِعة بإنصافٍ؛ حَكَمَ بأنَّ الحقَّ بجانبِ أهل السنَّة والجماعة الذين منهم الأشاعرةُ».
وكان الشيخ ابن باديس يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ويحتفل بمولده ويعتقد نجاة والديه عليه الصلاة والسلام من النار وأنهما من أهل الفترة، وكان يجوِّز الدعاء أمام قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لا يأخذ بأحاديث الآحاد في العقائد ويقنت في صلاة الفجر ويرفع يديه عند الدعاء، ويفتي الناس على مذهب الإمام مالك رضي الله عنه.
فهل فعلتم مثل ما فعل؟ وهل اقتديتم واهتديتم بهديه؟
وأنا أختم كلامي بحقيقتين يعمى من تجاهلهما:
الأولى: أن امتلاك الحقيقة المطلقة لا تكون إلا لله وحده، أما الإنسان فيظل نسبيا في تفكيره، محدودا في قدراته وحواسه.
أما الثانية فهي من أدب السلف: قال الإمام الذهبي: رأيت للأشعري كلمة أعجبتني – وهي ثابتة – رواها البيهقي: سمعت أبا حازم العبدوي سمعت زاهر بن أحمد السرخسي يقول: لما قرب حضور أجل أبي الحسن الأشعري في داري ببغداد دعاني فأتيته فقال: اشهد عليَّ أني لا أكفر أحداً من أهل القبلة؛ لأن الكل يشيرون إلى معبود واحد، وإنما هذا كله اختلاف العبارات… قلت: وبنحو هذا أدين.
وكذا كان شيخنا ابن تيمية في أواخر أيامه يقول: أنا لا أكفر أحداً من الأمة، ويقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن» فمن لازم الصلوات بوضوء فهو مسلم» [سير أعلام النبلاء].
فكن ذا عقل أريب، ورأي مصيب، وأنف نجيب… تفهم الخطاب، وتجيد الجواب، ولا تكن كمن كتم داءه فقتله.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com