عندما تختل البوصـــلة

الشيخ نــور الدين رزيق *
إن هجوم بعض الإخوة على إخوانهم لكونهم اتخذوا مواقف تخالفهم وآراء تعاكسهم، وبالمقابل سكوتهم على من يعادونهم إيديولوجيا (الصفحة التاريخية تطوى ولا تلغى) بدعوى المحافظة على وحدة الوطن، هو أمر يحتاج فعلا إلى مراجعة فكرية وتصحيح البوصلة وعودة إلى الذات، فهم يتبعون سَرَابا وغرضا لن يَصِلوا اليه، لان الطرف الثاني (المُغَازل) خرج عن الذات، فقدوته ما وراء البحر، فلا يغرنّك طرف لسانه وكما قال أحد الدعاة -عليه رحمة الله: «أرجلهم في النظام ولسانهم في المعارضة».
إخواننا الأفاضل:
إنّ مذهب الشاعر القروي سليم الخوري الذي قال:
سلامٌ على كفرٍ يوحِّد بينناوأهلاً وسهلاً بعده بجهنَّم
ليس منطق ومنهج ومسلك الرجل الرسالي الحضاري قَال الله تَعَالَى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْض يُضِلُّوك عَنْ سَبِيل اللَّه إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}(116 الأنعام)
المشروع يتحقق بسواعد رجاله
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ}(105 الانبياء)
قال علماء التفسير: ويحتمل أن المراد: الاستخلاف في الأرض، وأن الصالحين يمُكن الله لهم في الأرض، ويوليهم عليها كقوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} الآية.
لكن ما نأسف ونتعجب له عندما يسلك بعض العلماء والدعاة هذا المسلك بدعوى المحافظة على وحدة الامة، هذه زلة خطيرة ،فزلة العالم ليست كباقي الناس، كما جاء في الأثر [زَلَّةُ الْعَالِمِ زَلَّةُ الْعَالَمِ ]( مَوْقُوف)
عن الشَّعْبِيِّ، عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ، قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ: «هَلْ تَعْرِفُ مَا يَهْدِمُ الْإِسْلَامَ؟» قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: «يَهْدِمُهُ زَلَّةُ الْعَالِمِ، وَجِدَالُ الْمُنَافِقِ بِالْكِتَابِ وَحُكْمُ الْأَئِمَّةِ الْمُضِلِّينَ» جامع بيان العلم وفضله (1867-1869)وأورده البغوي في شرح السنة (1/317).
قال ابن عبد البر بعده: وَشَبَّهَ الْعُلَمَاءُ زَلَّةَ الْعَالِمِ بِانْكِسَارِ السَّفِينَةِ؛ لِأَنَّهَا إِذَا غَرِقَتْ غَرِقَ مَعَهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ ، وَإِذَا ثَبَتَ وَصَحَّ أَنَّ الْعَالِمَ يُخْطِئُ وَيَزِلُّ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ وَيَدِينَ بِقَوْلٍ لَا يَعْرِفُ وَجْهَهُ. جامع بيان العلم وفضله (2/982)(1873).