الأستاذ الدكتورعبد الوهاب شعلان لجريدة “البصائر”:

حاوره الأستاذ: حسن خليفة/
• يجب التعاطي مع “روح الحداثة ” وليس مع أعراضها و أشكالها و العابر فيها
• إدراك طبيعة النموذج المعرفي الكامن في الفكر الغربي الحديث أكثر من ضرورة |
في كل فرصة تتاح لمحاورة باحث أو دارس أو عالم أستاذ جزائري تبدو لي تلك القدرة الكبيرة الكامنة في النخبة الوطنية، وضرورة “دفعها” إلى السطح لتقدم ما يجب عليـها من واجبات في مجالات الفكر والثقافة والدين والسياسة والفكر.عشرات من الطاقات الكبيرة لكنّ أكثرها في حالة “كمون” يجب أن نجد حلّا لإبرازها وإتاحة الفرصة لها لتحلّق عاليا وتطرح ما لديها من فكر ونظر وتبصّر وعلم وإحاطة ستقود ـحتما ـ إلى خروجنا من “النفق” الذي عشنا فيه على مدار عقود طويلة، أُهملت فيه النُّخبُ الحية، وهُمش فيها قادة الرأي والفكر ..وصنّاع الثقافة والرأي. هذا الحوار يكشف عن طاقة وطنية فكرية ملمّة بالراهن الفكري العربي، درسَ وتابع التيارات الفكرية العربية المعاصرة، وقدم فيها آراء ناضجة وقويمة… وإلى الحوار.
هل لك أن تقدم نفسك لقراء ومتابعي ” البصائر”؟
– الأستاذ عبد الوهاب شعلان أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الشريف مساعدية -سوق أهراس، أدَرّس منذ سنوات النقد الحديث والمعاصر، وقد صدر لي في ذلك –إلى جانب المقالات في المجلات والدوريات العربية – كتابان هما: “من البنية إلى السياق: دراسات في سوسيولوجيا النص الروائي” عن مكتبة الآداب بالقاهرة 2007، وكتاب “المنهج الاجتماعي وتحولاته: من سلطة الايدولوجيا إلى فضاء النص” عن دار الكتاب الحديث بالأردن 2008. إضافة إلى ذلك لديَّ اهتمامات معرفية بكل ما يتصل بقضايا الفكر العربي والفلسفة الغربية ووضع النخب الفكرية العربية وهمومها. طرحتُ ذلك في كتابين صدرا منذ مدة في القاهرة، هما “إشكاليات الفكر العربي المعاصر” 2006، و”هواجس النخب العربية وقضاياها الفكرية ” 2013. وسبق لنا أن نُدبنا لمهمّات علمية في الجامعة، منها خصوصا المجلة العلمية “أبوليوس”.
• ينصبُّ انشغالك الأوفر على قضايا الفكر العربي وإشكالياته الكبرى.. حدّثنا عن ذلك
– لقد أتيح لنا، أن ننشغل منذ سنوات بقضايا الفكر العربي، وأن نعنى بمشاريعه وإشكالياته الكبرى، مطلعين على ما كتبه أركون والجابري والعروي وحسن حنفي وعلي حرب وطه عبد الرحمن ومحمود أمين العالم و فهمي جدعان… وقد أمكنتنا هذه القراءات والكتابات في هذا الحقل المعرفي الغزير والمتشعب، من الوقوف على بعض المنعطفات الكبرى في مسيرة هذا الفكر من جانب، وعلى حقيقة الوضع الحضاري والثقافي الإسلامي المعاصر، الذي انتهى إلى ما يسميه أركون “سوسولجيا الإخفاق” أي الشروط الاجتماعية والموضوعية للفشل على مستوى الفكر والواقع معا. وعموما، فإننا نلحظ حضورا لافتا لقضايا كبرى داخل هذه الاجتهادات الفكرية، مثل التراث والحداثة، والنهضة والتنوير، والعقلانية والتقدم، والإسلام و الغرب…
ولعل من كبرى الإشكاليات التي خاض فيها الفكر العربي، إشكالية التراث التي فرضت نفسها بحكم معطيات الواقع الحضاري الإسلامي المتسم عموما بالتخلف على جميع الأصعدة.
لقد واجه الفكر العربي هذه المسألة من منطلق قراءة عوائق النهضة الكامنة في هذا التراث نفسه، بحثا عن معالم التنوير والعقلانية فيه، أو ما يسميه فهمي جدعان “أسس التقدم عند المفكرين المسلمين”.
غير أننا لا نستطيع أن نفهم سؤال التراث في الفكر العربي المعاصر بمعزل عن سؤال النهضة والتنوير منذ بداية القرن التاسع عشر. وهنا نجد أنفسنا أمام مرجعيتين كبريين على الأقل: إحداهما ليبرالية وأخرى إصلاحية. وقد أشار عبد الله العروي في كتابه “الايدولوجيا العربية المعاصرة” إلى ثلاثة تيارات: الشيخ (ويمثله محمد عبده)، ورجل السياسة (ونموذجه لطفي السيد)، ورجل التقنية (ويعبر عنه سلامة موسى).
وإذا كانت الأطروحة الليبرالية تستقي مشروعيتها من منطلق أن الغرب الظافر حقق تفوقه الحضاري عندما أخذ بأسبابه الموضوعية، والتي منها الإيمان بالحرية الفردية، وتمجيد المعرفة العلمية والعقلانية، ومواجهة الاستبداد، فإن الإصلاحية تستند إلى مبدأ أن أسس التقدم الموضوعية التي أخذ بها الغرب نفسه متأصلة في روح الإسلام وحضارته.
ومن هنا، كانت تجربة الأفغاني مرتكزة على مقاومة الاستبداد السياسي والدعوة إلى الجامعة الإسلامية، في حين اختار تلميذه محمد عبده الابتعاد قليلا عن مسلك أستاذه الثوري، وإيثار المنهج العلمي التربوي، تسنده في ذلك نزعة عقلانية قلما نجدها عند باقي المصلحين، تظهر في ردوده القوية على اتهام الإسلام بالجمود ومعاداة الفكر الحر ومحاربة العلم والعلماء والتنكيل بالفلاسفة، وغيرها من التهم التي ترسّخت في المخيال الغربي وجرت على ألسنة مفكريهم ومستشرقيهم، وعلى رأسهم أرنست رينانErnest Renan.
وقد ألقت روح محمد عبده بظلالها على الفكر الإصلاحي. ولعل التمعن –مثلا – في تفسير ابن باديس “مجالس التذكير”، يجعلنا نقف على روح عقلانية لافتة وفكر متحرر ومبدع، يقرأ الظواهر قراءة تاريخية وفق السنن الكونية وأسباب التقدم الموضوعية ويضع فكر المقاصد في الأولوية.
• نرجو التوقّف هنا ـ قليلا عند “محمد أركون” …ومشروعه ؟
– نعم، إن من بين المشاريع الأكثر إثارة للجدل هو مشروع محمد أركون، الذي يقدم نفسه بوصفه “منقذا” و”مخلّصا”. وقد ذهب مترجمه هاشم صالح إلى أبعد حد، عندما اعتبر أن ما يقوم به أركون هو شبيه بما قام به مارتن لوثر في الإصلاح الديني للكنيسة.
يقدم أركون اجتهاده بوصفه تحريرا للتراث مما يسميه “السياج الدوغمائي المغلق” الذي يراه سببا في تعثر التجربة العقلانية والتحديثية في الفكر الإسلامي، وعائقا يقف في طريق انطلاق هذا العقل لمسايرة تحولات المعرفة الجديدة وفتوحات العلوم الإنسانية الحديثة وتجارب العقلانية التي أفرزتها الحداثة الغربية الطاغية.
ضمن هذا المنظور، صوَّب أركون مدافع منهجيته نحو التراث الفكري الإسلامي والنص القرآني، مقترحا حقلا معرفيا سماه “الإسلاميات التطبيقية” التي تستند في فهم الظاهرة إلى علوم الإنسان والمجتمع، وذلك في مقابل “الإسلاميات الكلاسيكية” التي ازدهرت مع المستشرقين، وتأسست على الدراسة التاريخية والفيلولوجية، وهو في كل ذلك يصطنع أدوات تحليلية تتكرر بشكل لافت لديه مثل الأنسنةHumanisme ، و”اللا مفكر فيه”و”مستحيل التفكير فيه” و”العقل الاجتراري المدرسي”…
والحقيقة أن هذا المشروع متشعب ولا يمكن تقديمه في هذه العجالة. ولكن يبدو أن هذا الاجتهاد –كغيره- محفوفا بكثير من المخاطر والتناقضات. ولعل من أهمها هو إضفاء الطابع الكوني Universel على تجربة الغرب الظافر، الذي بنى حداثته على مبدأ الصراع بين الأرض والسماء، وانتهى إلى التخلص من كل المتعاليات والمقدس باسم العقلانية ومركزية الإنسان وأشواقه للتحرر من كل ما يعيق حركته في التاريخ بما في ذلك ما يتصل بالتجربة الروحية. إن اعتبار الخصوصية الغربية ذات التراث الإغريقي –المسيحي – اليهودي نزعة كونية يجب الانخراط فيها، لهو من باب التنكر للنزعة التاريخية نفسها.
وكلما يذكر أركون، يتم استدعاء مسألة قراءة النص القرآني .وقد تشكل تيار بكامله في هذا المنحى، لعل من ممثليه نصر حامد أبو زيد الذي انطلق من مبدأ أن النص القرآني تاريخي نزل بلغة تشكلت في التاريخ، ومن ثم يمكن قراءته من موقع فتوحات علم اللغة الحديث وباقي العلوم الإنسانية. دون أن نغفل إسهامات أخرى: محمد الطالبي وعبد المجيد الشرفي ويوسف الصديق ومحمد شحرور…
ولعلّ ذلك ما يجعلنا نتساءل عن مدى إمكانية استجابة النص القرآني لكل هذه المعطيات وهذه التحيزات المعرفية كما يقول عبد الوهاب المسيري. وبالمناسبة لقد طرح المسيري في مشروعه مفهوما أراه مركزيا في فهم طبيعة الفكر الغربي الحديث، هو مفهوم “النموذج المعرفي الكامن”، حيث يرى أن المادية هي النموذج المتأصل في كل مفاصل هذا الفكر وتجلياته وتحولاته واختلافاته.
ما يمكن الإشارة إليه تعليقا على أغلب هذه المحاولات هو نوع من ضمور الثقافة القرآنية وقلة الإحاطة بأسرار اللغة العربية، كما علق حسين فضل على كتابات محمد شحرور. إن النص القرآني مختلف، فهو لا ينفتح بمجرد إخضاعه إلى ترسانة منهجية ما لم تتهيأ أسباب التقرب إليه، فهو في جوهره كتاب هداية، يمكن للمعرفة العلمية أن تضيف لعملية الفهم والتاويل، لا آن تكون بديلا عن مقتضيات الهداية، إنّها لمسألة في غاية الأهمية. ويحضرني في هذا السياق تعقيب المستشرق جاك بيرك على ترجمة ريجيس بلاشير القرآن إلى اللغة الفرنسية، حيث أخذ عليه علمانيته التي حالت بينه وبين التعاطف مع هذا النص.
• ماالذي يميّز بعضا من هذه المشاريع كمشروع الجابري ومشروع حسن حنفي (على سبيل المثال)؟
– إن ما يميز مشروع الجابري هو كونه قراءة للأنظمة المعرفية التي تحكمت في الفكر العربي. فهو لا يستهدف مضامين هذا الفكر وإشكالياته، بقدر ما يستهدف بنيته و تكوينه المعرفي. ومن ثم فأطروحة الجابري يعلو فيها النظري والبنيوي بصورة لافتة. ثمة أنظمة معرفية ثلاثة شكلت الوعاء الهيكلي للفكر العربي هي: نظام البيان، ونظام البرهان، ونظام العرفان. ويقيم الجابري تحليله على ما يشبه الصراع بين العقلاني وغير العقلاني في التراث العربي. وهو ما يذكرنا بكتاب زكي نجيب محمود “المعقول واللا معقول في تراثنا الفكري.
والمهم في كل ذلك، هو آن الجابري يتحرك معرفيا داخل التراث متسلحا بعُدَّة مفاهيميّة ومنهجية ليست بالهينة، مما حرر أطروحته من الغلو الإيديولوجي الذي نجده في مشاريع أخرى. ومشروعه الثلاثي “بنية العقل العربي” و”تكوين العقل العربي” والعقل السياسي العربي” مثال واضح على ذلك. إن مفاهيم “اللاوعي السياسي” و”المخيال الاجتماعي” و”الكتلة التاريخية” و”القبيلة” و”الغنيمة ” و”العقيدة”… هي كلها أدوات ذات نجاعة تحليلية لا تخطئها العين.
أما حسن حنفي فإنه يوجه اهتمامه بالتراث إلى أبعاد أخرى، تتجاوب مع نزعته الإسلامية – اليسارية أو ما عُرفَ باليسار الإسلامي. وهكذا نراه منشغلا بالإنسان وحركته في التاريخ وليس فقط بمنظومة فكرية مجردة .
إن التراث عند حنفي يمكن أن يكون خزانا للانطلاق والإبداع، كما يمكن أن يكون منبعا للعطالة التاريخية. الأمر يتوقف على قدرتنا على فهمه و إعادة إنتاج الجوانب المشرقة فيه من أجل التحرير الإسلامي .
ومن زاوية أخرى، يعمد علي حرب –مثلا – إلى قراءة الفكر الحداثي العربي ونقد منطلقاته ومقولاته، مستأنسا بممارسة تفكيكية تقرأ تناقضات الخطاب وثغراته، موجها سهامه نحو خطاب النخب الفكرية العربية التي تدعي العقلانية والحداثة، في حين أنها لا تنتج سوى الاستبداد الفكري وأشكال الإقصاء.
• ثمة سؤال طرحتُه على أكثر من باحث وأكاديمي ودارس.. وأطرحه عليك أنت أيضا: ما سرّ طغيان المدّ الحداثي في ساحتنا الفكرية/النقدية العربية؟
– تتساءلون عن سر طغيان الفكر الحداثي في وجهه المباين للخصوصية الثقافية . يمكن إرجاع هذا الطغيان والاحتفاء اللافت للنظر بكل منجزات وفتوحات الفكر الحداثي وما بعد الحداثي أيضا في جامعاتنا، وفي مختلف الكتابات والانتاجات الفكرية والأكاديمية أساسا، إلى طبيعة القراءات ولاسيما اعتبار كثير من النخب العربية المرجعية الفلسفية والفكرية الغربية تجربة إنسانية كونية ترتقي إلى مرتبة «نهاية التاريخ» بتعبير فوكوياما، متغافلين –في كثير من الأحيان – عن إسهامات حضارية أخرى في الشرق الآسيوي خاصة وفي أصقاع أخرى.
يجب أن نذكر أن كثيرا من القيم التي تستميت بعض النخب العربية في الدفاع عنها، مثل النزعة العلمية والعقلانية والتقدم، قد سبق أن ثار عليها الفكر الغربي نفسه عندما أدرك جانبها الخطير والتدميري. هذا ما توحي به أعمال مدرسة فرانكفورت ونيتشه وغارودي…
وإذا كان الغرب نفسه ثار على كثير من قيّمه، فليس هناك ما يستدعي الاستماتة في الدفاع عنها، وإنما الاستفادة منها بروح نسبية وبانفتاح على كافة التجارب العالمية في الشرق والغرب. إنّ الأمر يتطلب وعيا بمعوقات المرحلة الحضارية، ووعيا بضرورة الإنجاز الأصيل في كافة حقول المعرفة، إنجازا يتيح تحررا كاملا مما يسميه أبو يعرب المرزوقي «النخب العربية و عطالة الإبداع». يتطلب الأمر أيضا التعاطي مع «روح الحداثة» «كما يقول طه عبد الرحمن، وليس مع أعراضها وأشكالها والعابر والخاص فيها، منطلقنا في ذلك من «العقل المجرد» إلى «العقل المسدد» ثم «العقل المؤيد» بتعبيره.
وفي هذا السياق، يجب أن نذكر بإسهامات فكرية لا يمكن الغض من قيمتها وإضافتها في مجال التنوير الإسلامي والرؤيا الحضارية التأصيلية، عمل على إنضاجها كل من محمد إقبال وأبو الحسن الندوي وباقر الصدر ومحمد حسين فضل الله ومحمد عمارة وحاج حمد وأبو يعرب المرزوقي… دون أن ننسى المشروع الحضاري الهام الذي طرحه مالك بن نبي.
• أرجو أن تكون أكثر تحديدا.. لم تجبني عن السؤال فيما يتعلق بـ «النقد»… لو تكرّمتَ؟
– إن ما قيل عن طغيان الفكر الحداثي وما بعد الحداثي في منظومتنا الفكرية والفلسفية، ينسحب أيضا على مجال النقد الأدبي والدراسات الثقافية، حيث يحتدم التنافس حول المصطلحات برنينها الأوروبي وجرسها الحداثي.
وفتنة انتشارها على سطوح الخطابات دون الوعي –مع استثناءات قليلة – بالخصوصية الحضارية والجذور الثقافية للمفاهيم.
لقد عمل عبد الوهاب المسيري خصوصا في هذا الحقل، منبها إلى فضيلة التنقيب في روح المفهوم، والمصطلح قبل ممارسته، ومشيرا إلى أهمية إدراك طبيعة النموذج المعرفي الكامن في الفكر الغربي الحديث وهو نموذج مادي بطبيعته كما سبق أن قلنا. كما يكتسي مفهوم التحيز لديه بعدا معرفيا لا يستهان به.
إن المفاهيم والمصطلحات –في نظره – ليست محايدة و إنمّا هي مشحونة بكل الدلالات الحضارية والدينية والإيديولوجية، ومن ثم فإنه لا يمكن التعامل معها بوصفها مجرد أدوات علمية، ينبغي الانتباه إلى مظاهر تشابكاتها الفلسفية والمرجعية، والاستعانة والاستئناس بها، مع كثير من التحوط والنسبية.
وفي السياق نفسه اجتهد عبد العزيز حمودة و شكري عياد وغيرهم في تحرير النقد العربي من مظاهر التبعية المطلقة للنقد الغربي، أو ما سماه أبو يعرب المرزوقي «ميتافيزيقا الاستسلام للأمر الواقع». إن مثل هذه الإسهامات النقدية التأصيلية يمكن أن تكون مجالا للإثراء وبوابة للإبداع والتحرير، بحيث يتحول المخزون المعرفي الغربي إلى إضافة مبدعة وليس فضاء للاغتراب.
• هل يمكن أن يتعرّف القاريء على محاور ومضامين كتابك «هواجس النخب العربية…»؟
– إن كتاب «هواجس النخب العربية وقضاياها الفكرية» هو حصيلة دراسات واجتهادات لنا في مجال الفكر العربي وإشكالياته الكبرى كما ذكرنا سابقا. طرحنا فيه مسائل كثيرة في هذا السياق .إنها قضايا تتصل بكبرى محاور هذا الفكر وهمومه المعرفية والحضارية، من تراجع مشروع النهضة والتنوير، إلى فكرة الإصلاح في أبعاده الإسلامية والليبرالية واليسارية. كما كانت لنا جولة مع مشاريع الفكر العربي في قراءة التراث ونقده من منطلق ممارسات فكرية سبق وأن أشرت إلى أصحابها. وفي الكتاب أيضا محاولة لفهم جدلية النص الشرعي وحدود النظر العقلي خاصة لدى طه عبد الرحمن.
كما كان لنا اهتمام بأزمة «الانتلجانسيا» ومهامها التاريخية، من خلال العودة إلى مسألة المثقف كما طرحت في الغرب و عند بعض المفكرين العرب. وكان لنا انشغال خاص بالنخب الجزائرية وتاريخ الصراع بينها، مستحضرين سجالاتها حول اللغة والهوية بشكل خاص. وهو ما تجلى بقوة منذ السبعينيات في سياق الجدل حول التعريب والفرانكفونية. ونتذكر جميعا المطارحات التي دارت بين مصطفى لشرف وعبد الله شريط، ثم بعد ذلك أبعاد الصراع الإيديولوجي الإسلامي – اليساري الذي ظل يغذي الساحة الفكرية والسياسية إلى يومنا هذا.
• كلمة أخيرة من فضلك؟
– نحتاج في هذا المنعطف التاريخي أن نتوجه بأنظارنا إلى ما يمكن أن يغذي تجربتنا الوجودية والحضارية من عوامل التحرر والانطلاق، متسلحين بوعي فكري، واقفين على أرضية معرفية وعلمية أصيلة، تحظى بإمكانيات التنافس والإضافة والابتكار، متعالين على الصراع الإيديولوجي ومتوجهين صوب المعرفة المتحررة.