ما لا تعرفــــون عن الدكتور مولود عويمر
د. الصالح بن سالم/
الدكتور مولود عويمر شخصية مميزة بأخلاقه العالية وبعلمه الغزير والذي لا ينضب أبدا، فكل يوم مقال ومنشور جديد، ومعدله من المؤلفات كتاب واحد سنويا على الأقل، محبوب من قبل الطلبة والباحثين، يؤرخ لكل صغيرة وكبيرة في كناشته من محاضرات ونقاشات وصور ويوميات، فصيح اللسان باللغتين العربية والفرنسية، واسع الاطلاع وسلس المعاملة.
لا يتحدث عادة مولود عويمر في منشوراته اليومية عن تنشئته الأسرية الأولى هل يمكن أن يبوح لنا ببعض منها؟
– أنا أنتمي إلى أسرة متوسطة الحال. كان والدي تاجرا يملك دكانا لبيع الخضر والفواكه والمواد الغذائية ثم أصيب بالإفلاس بسبب كرمه الفائض ونيته الحسنة المفرطة مع الزبائن الذين لا يلتزمون بدفع المستحقات وتسديد الديون. لذلك عشنا فترة صعبة، واضطررت للعمل في نهاية مرحلة التعليم المتوسط للتكفل بمصاريف الدراسة حتى مرحلة الباكالوريا، ثم استفدت من منحة جامعية للدراسة في جامعة الجزائر. وكنت أعيش من هذه المنحة على قلة قيمتها المادية وأدخر منها لشراء المجلات والكتب. بل لما سافرت إلى فرنسا في المرة الأولى للسياحة وأنا طالب سنة 3 ليسانس اشتريت تذكرة السفر من مدخراتي. والفضل في ذلك يعود إلى والدتي (الأمية) – حفظها الله – التي علمتني دائما دروسا في الاقتصاد والتسيير ربما لا تدرس في الجامعات المرموقة!
كيف كانت نتائج مولود عويمر في التحصيل الدراسي؟
– كنت دائما متفوّقا في الدراسة خاصة في المشاركة أثناء تقديم المعلم/الأستاذ للدرس وإن كنت لا أتحصل دائما على المرتبة الأولى في الامتحانات. فقد كنت دائما واثقا في ذاكرتي ومكتفيا بالفهم والاستيعاب الذي تحصلت عليه في القسم. ولا أراجع دروسي إلا قليلا، ورغم ذلك فالكل كان يعترف بتميزي ونجابتي وعلى رأسهم المعلمون والأساتذة.
ماهو سر اختار مولود عويمر لتخصص التاريخ بعد نجاحه في شهادة البكالوريا؟
– هناك عدة أسباب. كان السبب الأول هو حبي للقراءة وخاصة سير العظماء والعلماء في المجلات وفي السلاسل المشهورة آنذاك والتي كنت أستعيرها من مكتبة المتوسطة ثم مكتبة الثانوية. كما حبّب إليّ والدي التاريخ من خلال سرده لقصصه التي عايشها أثناء مشاركته في الحرب العالمية الثانية في فرنسا وألمانيا. ولا أنسى كذلك أساتذة التاريخ الذين كانوا يقدمون لنا المادة التاريخية بكثير من المتعة والتشويق خاصة أستاذي الفلسطيني في قسم الباكالوريا.
ما هي طبيعة المنحة التي استفاد منها مولود عويمر للدراسة في الخارج؟
– لم أستفد من منحة للدراسة في الخارج من طرف الدولة، وإنما درست على حسابي الخاص إن صح التعبير، فقد كنت أعمل وأدرس في نفس الوقت. وعملت في وظائف عديدة كجني الفواكه في الحقول، وبيع الخضر والفواكه في الأسواق، ورقن الرسائل الجامعية للطلبة، وتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها…
وبفضل الادخار وعدم التبذير تمكنت من دفع مصاريف الدراسة والإقامة دون اللجوء إلى الاستدانة من الغير، ونلت الإجازة في عام واحد ودبلوم الدراسات المعمقة في سنة واحدة وشهادة الدكتوراه في 3 سنوات ونصف. وقد عرفت العديد من الطلبة الجزائريين الذين كانت لهم منح سخية (على حساب الدولة) لكنهم لم يكملوا دراساتهم التي جاءوا إلى فرنسا من أجلها.
ماذا أضافت فترة التكوين في فرنسا لمولود عويمر؟
– اكتشفت العالم الغربي في ثقافته ويومياته من خلال السياحة في فرنسا وبعض الدول الأوروبية التي زرتها. وأدركت الفرق الشاسع بين تطوّرهم المبهر وتخلفنا المحبِّط. كما تواصلت مع العديد من الطلبة والباحثين الذين ينتمون إلى ثقافات وحضارات متنوعة، واستفدت من مخالطتهم. وتعرفت أكثر على تنوع ثقافتنا الاسلامية من خلال التعرف على أصدقائي الجدد القادمين من مصر والشام والعراق وإيران وأندونيسيا وجزر القمر ومالي والسنيغال…
ودرست أيضا على أساتذة فرنسيين مرموقين وتعلمت منهم أشياء كثيرة. وكنت أتابع البرامج التلفزيونية والإذاعية قبل انتشار القنوات كما هو الحال اليوم وتعمقت معرفتي بحياتهم الأدبية والسياسية. لكنني أعتبر انتشار وتوفر الكتب والمجلات بالمجان في المكتبات العمومية والجامعية كان أهم ما استفدت منه وفتح لي آفاقا في عالم الفكر والمعرفة. وكذلك كانت تأثيرات النشاطات الفكرية التي كنت أحضرها وتعرفت على علماء ومفكرين كنت أسمع عنهم من قبل أو أقرأ لهم سواء كانوا فرنسيين أو أجانب يعيشون في فرنسا.
يعتبر مولود عويمر من أبرز الأقلام التي كتبت عن المفكر مالك بن نبي فماذا أضافت هذه الشخصية لرصيده الانساني؟
– كان كتاب «مذكرات شاهد القرن» أول كتاب قرأته لمالك بن نبي، لذلك عرفني صاحبه بالحياة الأدبية والثقافية والفكرية في باريس مما جعلني أتشوّق إلى السفر إليها والدراسة في جامعتها. كما وجهتني كتبه بخاصة «شروط النهضة» و«وجهة العالم الإسلامي» إلى الاهتمام بالقضايا الإصلاحية والموضوعات الفكرية. وأعجبني أكثر منهجه الدقيق وتحليله النفسي للتاريخ الذي يختلف عن المنهج المعهود. وكنت أتابع باهتمام كل ما يكتب عنه بخاصة في الصحف والمجلات وأجمع قصاصات تلك الجرائد التي هي محفوظة لحد الآن في مكتبتي. والحمد لله وفقت فيما بعد في الكتابة حول حياته وأفكاره (كتابين)، وقدمت ما يقارب عشرين محاضرة حول هذا المفكر الفذ.
من هم أبرز المؤرخين الذين تعامل معهم مولود عويمر داخل وخارج الجزائر؟
– في الجزائر درست على عدة مؤرخين كبار وتعلمت منهم من أمثال أبو القاسم سعد الله، ناصر الدين سعيدوني، جمال قنان…الخ. أما في الخارج فقد درست على مؤرخين معروفين من أمثال جاك فاليت، وبنيامين ستورا… وتواصلت مع مؤرخين آخرين من أمثال شارل-روبير آجرون، رونيه غالسو وغوي برفيي وجلبير مينيي…
وقد استفدت كثيرا من أعمال فرناند بروديل ونوربير إلياس. كما تواصلت مع العديد من المؤرخين العرب في مناسبات عديدة يضيق المجال لذكرهم في هذا المكان. وبحكم اشتغالي أيضا بالصحافة الثقافية تواصلت مع العديد من المؤرخين والمفكرين وأجريت معهم حوارات كثيرة ونشرتها في الجرائد والمجلات الثقافية، وقد جمعت جزءاً منها في كتابي: «مجالس فكرية».
من منظور مولود عويمر هل تمتلك الجزائر مدرسة تاريخية؟ وما هو مستقبلها؟
– بدأت المدرسة الوطنية في مجال التاريخ مع كتابات الأساتذة الرواد مبارك الميلي وأحمد توفيق المدني وعبد الرحمن الجيلالي، ثم واصل البناء مجموعة من المؤرخين الحاصلين على شهادات الدكتوراه في التاريخ من الجامعات الأجنبية من أمثال سعد الله، قداش، دهينة، لقبال، بلحميسي، حاجيات، سعيدوني، زبادية، غانم، ….ثم جاء جيل ثالث من المؤرخين الذين درسوا على هؤلاء المؤرخين وقدموا تحت إشرافهم رسائل جامعية وأنجزوا أعمالا نفيسة. غير أن مسيرة البناء استمرت لكن بخطوات ثقيلة وبأعمال لم تكن دائما في مستوى طموحات البحث التاريخي. ونحتاج اليوم إلى هيئة تجمع المؤرخين الجزائريين كما هو الحال في كل دول العالم بمسميات متعددة كاتحاد المؤرخين أو الجمعية التاريخية… ليتبادلوا الخبرات فيما بينهم ويقيّمون المنجزات ويقوّمونها، ويعملون في برامج مشتركة هادفة لتحصيل التراكم المعرفي وتأسيس مدرسة تاريخية جزائرية رصينة جديرة بهذا الوصف ومشرفة لهذا الانتماء.