سياســــة الأنبيــــاء فـــي بنـــاء مجتمـــع الـمحبــــة ودولــــة الإخــــاء

الشيخ محمد مكركب أبران/*
أول من عمل بهذا الأساس الإيماني {أساس الإخاء} في بنا المجتمع والدولة هو سيدنا محمد النبي صلى الله عليه وسلم، وسنتناول هذا البحث بشيء من التفصيل، لمافيه من الفوائد المجتمعية الدينية والعمرانية.
كل كلمة من هذه الكلمات السبع لو فهمناها لفهمنا مقاصد الدين كله، ومنه مقاصد الحياة البشرية في دار الدنيا، وهذه الكلمات هي:{كلمة السياسة ومدلولها، والأنبياء ومهامهم، وكلمة البناء الذي يقتضي قواعد مدروسة وموزونة، والمحبة وعلاقتها بالقلب والعاطفة والفكر، وكلمة الدولة في السياسة الشرعية القرآنية، وكلمة الإخاء وما أدراكم ما الإخاء ومدلوله الْوَلَائِي}.
ما معنى كلمة أو مصطلح سياسة؟: لنبدأ بالحديث النبوي. عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: [كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ»، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ، فَالْأَوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ] (مسلم:1842)
مامعنى كلمة: (تسوسهم الأنبياء) قال: محمد فؤاد عبد الباقي:{أي يتولون أمورهم كما تفعل الأمراء والولاة بالرعية، قال: والسياسة القيام على الشيء بما يصلحه}. وقال مصطفى البغا:{(تسوسهم): تتولى أمورهم. قال: والسياسة القيام على الشيء بما يصلحه}
وبمجرد ما تقرأ هذا الحيث وتعلم مدلوله، تعلم بأن ساس يسوس سياسة، كلمة نبيلة وجليلة وجميلة، تعني القيام على الشيء بم يصلحه، وهي من مهام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأنه ليس كما يفهم العوام أن السياسة لايقوم بها العالم الفقيه،! والحقيقة أن السياسة الشرعية الصحيحة في المجتمع الإسلامي أنها من اختصاص العالم الفقيه، ولايجوز أن يقوم بها من لايفقه العلوم الشرعية، بل بعض العوام الذين يجهلون السيرة النبوية، يقولون عن إمام مسجد، أو أستاذ جامعة، إذا تكلم في القضايا السياسية في الحكم والتسيير والمسئوليات، قالوا عنه: إنه يلطخ نفسه بالسياسة؟!! ولا يعلمون أن الدعوة إلى الله تعالى سياسة، وأن التربية والتعليم سياسة، والزواج وبناء الأسرة سياسة، والجهاد في سبيل الله سياسة، وعلم الاقتصاد في الفلاحة وتربية المواشي، والصناعة، وبناء المدن، والعمران كله سياسة، وكل هذا من مهام العلماء الفقهاء، والأساتذة المفكرون الأتقياء، والمخططون النبغاء، الذين يسوسون الرعية بالعلم الشرعي والعلم العمراني الكوني. ورجال التربية والتعليم، والأطباء، والمهندسون، والقادة العسكريون في ميدانهم، وتخصصهم. ومن السياسة حسن التسيير والتدبير والتقرير، ولا يتولى هذا إلا من تعلم من كلام اللطيف الخبير. وكل مرونة في التعامل مع الأشياء، والمعاملات بالحكمة، من السياسة، فانتبه لهذا.
ورد في مقدمة كتاب تفسير سفيان الثوري: وكان ذلك الكتاب (القرآن) حاويا لأسرار الصفات الالهية، وجامعا لقوانينالأخلاق العالية وضوابط السياسة والتمدن المحكمة، ومنطويا على قصص الأمم الماضية، وهاديا إلى الفكر الصحيح في المبدأ والمعاد} (1/4. سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي توفي سنة 126 هـ (743 م)قال النحاس: {الأحبار العلماء، والربانيون (هم) الذين جمعوا مع العلم السياسة والصلاح.} قال عز الدين بن عبد السلام: {السياسة الراجعة لأمور الناس والمصالح العامة من أفضل الأشياء، لأن فيها جلب مصالح ودرء مفاسد} وفي تفسير الرازي:{أن زكرياء كان إليه مع النبوة السياسة من جهة الملك وما يتصل بالإمامة..} (الرازي)
ماهي الكليات السياسية لقيام الدولة: الكلية الأولى: وحدة الإمامة، أي أن يكون للدولة إمامٌ يقود الرعية (الشعب)، وهو الإمام العالم، العادل، المقسط، الحاكم بما شرع الله تعالى. سواء يسمى خليفة، أو رئيسا، أو ملكا، أو أميرا. وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لاظل إلا ظله، بدأ بالإمام العادل. وفي الحديث أيضا:[الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ] أن تكون رعايته شاملة للوطن كله، على مستوى أنحاء دولته، وأن يكون سلطانُه مهيمنا بالرعاية والعدل على أطراف الدولة ومصالحها. ومن مهام إمام الدولة ما أمر الله تعالى به في قوله عز وجل:﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ ﴿إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ﴾ أي: ملكناهم إياها، وجعلناهم متسلطين عليها، من غير منازع ينازعهم ينازعهم فيه، كأن صارت لهم دولة، ولهم السلطان على هذه الدولة. ﴿أَقَامُوا الصَّلاةَ﴾ في أوقاتها، وحدودها، وأركانها، هم أنفسهم، وأمروا الناس بها، كما كان يفعل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ التي عليهم خصوصا، وعلى من هم تحت سلطانهم،
﴿وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ﴾ وهذا يشمل كل ما أمر الله تعالى به ورسوله صلى الله عليه وسلم. ﴿وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ عن كل ما نهى الله عنه سبحانه، ورسوله صلى الله عليه وسلم.
1 ـ أن يكون الإمام (إمام الدولة) مسلما مقيما للصلاة، ويُلْزِم الرعية بالصلاة، ويدعو إليها، ومن ذلك، أنه إن أمكن يصلي بالناس الجمع والأعياد. ليتمكن من التوجيه المباشر للرعية، وهذا حسن، وأفضل، 2 ـ وأن يؤتي الزكاة، وأن يُلْزِم كل الرعية بهذه العبادة المالية، وينظمها بتعيين العمال لها، من الأمناء الفقهاء الحُرَصَاء، لتكون الزكاة كافية ومغنية عن الخراج والمكوس والإتاوات.3 ـ الأمر بالمعروف، الدعوة إلى العمل بالشريعة، وعدم مخالفتها. 4 ـ النهي عن المنكر وهو كل ما يخالف الآيات المحكمات. وقوله تبارك وتعالى:﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾
1ـ إقامة العدل بين الناس.2 ـ إقامة الإحسان.3ـ العمل على حفظ حرمة الأسر، والعائلات المجتمعية. 4 ـ تطهير المجتمع من كل المحرمات.
الكلية الثانية: وحدة الراية. ووحدة الراية، أو (الْعَلَم) علامة على وحدة المبايعة، والانتماء الوطني. وفي الحديث السابق:[وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ] قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: [فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ، فَالْأَوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ] (مسلم: 1842) ومعنى:[سَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ] وعند البخاري: [وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ] (أي يكون أكثر من حاكم واحد للمسلمين في زمن واحد). (مصطفى البغا) وذلك مثل حالنا في هذا العصر. كل قطر له حاكم، بعدما، ضَيَّعُوا وحدة الأمة، وأسقطوا الخلافة، وضاعت معها هيبةُ المسلمين، وقوتُهم، وحضارتُهم. الكلية الثالثة: وحدة التشريع المستمد من الكتاب والسنة والإجماع. بما يعرف بالدستور، والقوانين. الكلية الرابعة: وحدة العملة، والعملة النقدية في المجتمع الإسلامي هي المصاغة من الذهب أو الفضة، أو يجب أن تكون موزونة محكومة بقيمة الذهب أو الفضة، أو قيمة القدرة الشرائية المعيشية، كقيمة أهم عنصر من عناصرها، كالأنعام، أو القمح، أو الأرض، مثلا. أي عملة الدينار أو الدرهم الشرعيين.