ما لا تعرفــــون عن الدكتور ودان بـوغـفـالـة

د. الصالح بن سالم/
يعد الدكتور ودان بوغفالة أستاذ التاريخ بجامعة ابن خلدون بمدينة تيارت من الأساتذة المقتدرين والمتميزين في تخصص تاريخ الجزائر العثمانية، وقد أبان عن ذلك من خلال مؤلفاته التي اعتمد فيها على الوثائق الأرشيفية مثل كتاب «الوقف في الجزائر خلال العهد العثماني من خلال الوثائق الوقفية» في جزأين، وكتاب «التاريخ الاقتصادي والاجتماعي لمدينتي المدية ومليانة في العهد العثماني من خلال سجلات المحاكم الشرعية». وقد زاوج الدكتور بوغفالة في تكوينه بين الجامعتين الجزائرية والفرنسية، كما استفاد كثيرا من مشرفه الأستاذ القدير الدكتور ناصر الدين سعيدوني.
ما هو احساس البروفيسور ودان بوغفالة وهو يغادر جامعة معسكر بعد سنوات طويلة من التدريس بها؟
-كان قرار الرحيل صعبا جدا بعد عشرين سنة من العمل بجامعة معسكر، ولكنني اكتشفت في الأخير أنه كان صائبا، وربما جاء متأخرا. وقد صدق الإمام الشافعي حينما قال:
ما في المقام لذي عقلٍ وذي أدبِمن راحةٍ فدع الأوطان واغـترب
سافر تجد عوضاً عمن تفارقهُوانصب فإن لذيذ العيشِ في النصبِ
إني رأيت وقوفَ الماء يفسدهُإن سالَ طاب وإن لم يجرِ لم يطب
الأُسد لولا فراق الغاب ما افترستْوالسهم لولا فراق القوسِ لم يصبِ
والشمس لو وقفتْ في الفلك دائمةًلملَّها الناس من عُجمٍ ومن عرب
والتبر كالتربِ ملقًى في أماكنهِوالعود في أرضه نوعٌ من الحطبِ
فإن تغرَّبَ هذا عز مطلبهُ وإن تغرب ذاك عزَّ كالذهب
تأقلمت بسرعة في جامعة تيارت، فهل يعود ذلك لشخصيتك الاجتماعية أم لكفاءتك العالية التي تفرض احترام الغير لك أينما حللت وارتحلت؟
– أعتز وأفتخر بانتسابي إلى جامعة ابن خلدون بتيارت، الجامعة التي أكرمتني ورفعت شأني عاليا، ووجّه لي طاقمها المحترم دعوة للالتحاق بها قبل أن أقدم طلبي لها. وتلقيت من أول يوم بها كل عبارات الترحيب والاستقبال الحار من طرف الجميع، زملائي أعضاء هيئة التدريس وعموم الموظفين بدون استثناء.
شكرا لكم جميعا سيدي رئيس الجامعة وعميد كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية ونوابه، ورئيس قسم العلوم الإنسانية ورئيس المجلس العلمي للكلية، ومدير مخبر الدراسات التاريخية والأثرية بشمال إفريقيا. سأظل أذكر لكم هذا الموقف وأشيد به ما حييت.
ما هي أهم الأشياء التي تحتفظ بها عن مشرفك الأستاذ ناصر الدين سعيدوني في مرحلتي الماجستير والدكتوراه في جامعة الجزائر؟
-الدكتور ناصر الدين سعيدوني مؤرخ ومفكر، عند مجالسته تصير كل الوقائع التاريخية حية بين يديك من التاريخ القديم إلى التاريخ المعاصر، فهو يملك اللغة والمنهج والذكاء التاريخي والحس الحضاري. شيخ حكيم بروح الشباب في الحيوية والثورة والاندفاع والحماس والحضور.
درست أيضا في فرنسا، فماذا أضافت الجامعة الفرنسية لرصيدك العلمي والإنساني؟
-ترعرعت بالجزائر وتشربت ثقافتها وارتويت من معين حضارتها. تكونت بالجامعة الجزائرية أساسا، وأسهمت الجامعة الفرنسية التي تحصلت منها على شهادة الدكتوراه في تعميق تكويني اللغوي والمنهجي، وترسيخ ثقافتي التاريخية.
وبعد إقامتي لسنوات بفرنسا، زاد تعلقي بوطني الجزائر، وبهُوِيتي المغاربية في بعدها العربي الإسلامي، وصرت أكثر تحررا من الجمود الفكري والتحليل النمطي، والاجترار المعرفي والخطاب السطحي، والتخييم في الماضي والعاطفة غير المُنضبطة. وعاينت على أرض الواقع مظاهر ثقافية وحضارية، عالمية إنسانية، جديرة بالاحترام والتقدير، تجمعنا بها قواسم مشتركة كثيرة.
تواصلت دائما مع العديد من الباحثين الجزائريين بخاصة المشتغلين بتاريخ الجزائر العثمانية، فما هو رأيك في المرحومة الأستاذة عائشة غطاس والأستاذ خليفة حماش؟
-عائشة غطاس أستاذة فاضلة وباحثة من الكعب العالي، خطفها الموت ووفاتها خسارة كبيرة. تلقاك بالابتسامة وتودعك بالأمل، صادقة أمينة، واعية ومتحررة، «العلماء لا يموتون وإن غادرتنا أجسادهم». أما الأستاذ خليفة حماش فهو مؤرخ مبدع، يناقش بالتحقيق ولا يُسلّم بسهولة، يبحث بجدية وعمق ومسؤولية علمية، منشوراته كلها مراجع للباحثين، ومسيرته قدوة للمشتغلين في حقل التاريخ.
يعاني الآن تخصص تاريخ الجزائر العثمانية من نقص فادح في الباحثين المقتدرين، فما هي أسباب ذلك من وجهة نظرك؟
-يعاني التخصص من جرأة الباحثين الهُواة الزائدة، ودراسات بعض الجامعيين المُتطفلين الذين وقعوا ضحية الكتابات الأوربية والمُؤدلجة، وعدم قدرة المختصين في الفترة على تنسيق الجهود، وتشكيل فرق بحث مشتركة، واستغلال الوثائق المحلية والأرشيفية، والمصادر التركية العثمانية.
بحكم اشتغالك كثيرا على الوثائق الأرشيفية، هل تقبل بمنصب مدير الأرشيف الوطني في حالة ما عرض عليك؟
-إذا قدرت حينها أنه يمكنني تقديم إضافة من خلال هذا المنصب، وخدمة الجزائر والباحثين وتسهيل مهمتهم، وتحقيق المواصفات والمعايير العالمية، وإلا فالبحث بحرية مهمة لا يضاهيها منصب مهما كان بهرجه.
لقد زرت العديد من الدول في مهمات علمية ومنها دولة اليابان، فهل وجدتها كما سمعت وقرأت عنها؟
– المحيط نظيف جدا، والشعب هادئ ويعيش في جو مثالي من الاحترام، الإقبال على طلب العلم مُبهر، وجموع الطلبة والباحثين المتوجهين للجامعة بعد غروب الشمس أمر ملفت للانتباه، يسمعون منك أكثر مما يكلمونك، ينشغلون عند ركوبهم القطار بالمطالعة الالكترونية ولا يُثرثِرون، بسطاء ولا يتكلفون.