من لغو الصيف إلى جد الشتاء… قضايا للنقاش … وحوار هادف

أ. لخضر لقدي/
الشتاء ببرودته وتجهُّمه فصل للجد والاجتهاد، وموسم للعمل والمُتع المؤجلة، أما الصيف بحرارته ففصل للراحة والترويح عن النفس، والانتصار لحق البدن، لمن جد واجتهد طول العام .
وفصل الصيف عندنا تؤجل فيه كل أسباب النشاط إلى حين، وتقفل غرف الاستقبال، وترى جميع المرافق إما مغلقة أو كالمقفلة.
وقد دأب أدباؤنا على استغلال مناسبة الصيف في الجمع بين الجد وشيء من الهزل، فكتب سيد قطب مقالات ممتعة بعنوان: «من لغو الصيف» وصف فيها رحلته للاصطياف في الاسكندرية، جمعت تلك المقالات بين طياتها فوائد وقلائد، وجاءت عناوينها متنوعة، ناقشت موضوعات هادفة نشرتها مجلة الرسالة سنة 1946.
وفي مقدمتها: قد انقضت سبع سنوات عجاف لم أغادر فيها حلوان شتاءً ولا صيفًا، إلا لهذا (التفتيش)! (كان مفتشا في وزارة المعارف).. ولم أبصر فيها وجه البحر يسفر، ولم أستمع فيها إلى صوته يجيش.
لقد اعتدت أن أنشر آرائي، وأن أوقعها بإمضائي. فليس من عادتي أن أثرثر في المجالس بشيء! أو أن أعمل في الخفاء!.
ومن عناوينها: إلى الاسكندرية، صراصير، سوق الرقيق، هؤلاء الأرستقراط. . .! بقية من لغو الصيف، مفارقات..!
ودأب عميد الأدب العربي طه حسين أن يخص العطلة الصيفية بكتابات ظاهرها هزلي وباطنها جدي، عنون لها : لغو الصيف، وجاء فيها: كنا نلغو أثناء الصيف، فلنجد أثناء الشتاء، وما الذي كان يمنعنا من اللغو أثناء الصيف، في الصيف تهدأ الحياة ويأخذها الكسل من جميع أطرافها فتوشك أن تنام ولا تسير على مهل يشبه الوقوف، وفي أناة تضيق بها النفوس…انتهى.
وليس أحسن في هذا الجو اللاهب والأعصاب المضغوطه، من الجمع بين شيء من الجِدِّ الممزوج بالدعابة واللهو المباح حينًا، والخيال حينًا، والإفادة في معظم الأحيان، ومناقشة القضايا التي تهم المجتمع، اجتماعية وثقافية ودينية وتربوية وسياسية وتاريخية وحتى فنية ورياضية.
على أن يكون القاسم المشترك بيننا احترام المقدسات والقيم الإيمانية، وتقديم الدليل والحجة، والرأي القائم على البرهان والإقناع، وليس على مجرّد الشعارات، وأن نجتنب السب والتسفيه فهما وسيلة العاجز، وأن يكون الطرح جادا ومؤصلا في غير اختصار مخل ولا تطويل ممل، وبذلك تكون آدابنا موازية لثقافة الخزي والعار والندامة التي عفنت أو كادت حياتنا.