تأمـــــلات حــــول القضيـــــة الفلسطينيـــــــة

سمير خلف الله/
البعض نراه يتساءل عن العلاقة التي تربط الجزائريين بفلسطين، لا نعلم إن كان تساؤلهم بريئا أم مغرضا. ونحن هنا لا نشكك في نوايا أحد ولا نناقشها، ولكن تغريد البعض هنا وهناك بأن قضية فلسطين ليست قضيته جعلنا نطرح هذا التساؤل.
وعليه نقول إنه وبغض النظر، عن كون القدس الشريف وفلسطين الأرض المقدسة والمباركة في قلب عقيدة كل مسلم، أو أن القدس من أهم محاورها لكونه ثالث الحرمين، وطريق الذهاب والإياب من وإلى كل من مكة والسماء، في رحلة الاسراء والمعراج. ونحن هنا لن نناقش، أهميتها ( القدس ) في الديانة الاسلامية، وإنما هذا الكلام جاء للرد على من يدعي بأنها ليست قضيته. نعم القدس ليست قضيتك، ولا أحد يطالبك بأن تكون قضيتك. ولكن عليك أن تعمل النظر جيدا، فالقضية الفلسطينية، اليوم وبعد الاعتداء الوحشي الأخير على غزة، قد أصبحت قضية الانسانية جمعاء. لسبب بسيط ألا وهو أنها قضية حق وعدالة، ومظلومية عمرها أكثر من قرن، وقد آن أوان انصاف أهلها. حتى لا يقع الظلم الذي طال الفلسطينيين، على شعب آخر وتبريره بسابقة الاعتداء الصهيوني على فلسطين.
نعم إن القضية الفلسطينية قد عادت قضية كل العالم، تماما كما كانت القضية الجزائرية بالأمس هي الأخرى قضيته. أيدتها مشارق الأرض ومغاربها، فالضمير الانساني كان يومها يئن ويتألم. وكان بحاجة إلى التكفير، عن خطيئة التقصير المقترفة في حق الجزائريين. وما كان من خلاص سوى تأييد كفاح الشعب الجزائري العادل. وكذلك الحال اليوم مع القضية الفلسطينية، إنه يتوجب علينا إعادة تقديمها للعالم مرة أخرى. لا كما يريد الصهاينة تسويقها، على أنها قضية صراع فلسطيني ( إسرائيلي ) وهذا ما يأملون فيه لتصفيتها. وفي المقابل يروجون لقضيتهم على أنها قضية عالمية، ولذلك فهم يسعون جاهدين لتجنيد العالم كله خلفهم وإلى جانبهم. ولهذا علينا أن نتجاوز القول القائل بأن القضية الفلسطينية ما هي إلا صراع فلسطيني إسرائيلي أو عربي إسرائيلي أو اسلامي اسرائيلي وإن كانت كذلك، وإنما هي أيضا قضية الإنسانية جمعاء.
وحتما سيأتي اليوم الذي لن تبقى فيه، الدول الغربية حاضنة للكيان الصهيوني إلى الأبد، فهو أصبح عبئا ثقيلا عليها. كأن يُهددها بحرب أهلية مدمرة. لأن الأمم وكما يقال مكون تاريخي لا بيولوجي، والهجرات الفكرية والعقائدية تجعل الشعوب تهاجر من ضفة إلى أخرى ومن عقيدة إلى أخرى. وهنا ستنقسم حتما تلك المجتمعات على نفسها مما يهددها بالخراب، وهذا الأمر ليس مستحيلا فالفكرة الاستعمارية عندما أفلست هدّدت الدول الاستعمارية بالدمار. وهذا ما حدث في فرنسا التي كادت أن تدخل في حرب أهلية، بسبب الثورة الجزائرية. فلم يجد ديغول وكما قال، سوى اجراء عملية جراحية مؤلمة. ولكنها في الآن نفسه ضرورية، للإبقاء على كيان الدولة الفرنسية. وكما ضحت فرنسا بمستوطنيها في الجزائر، وبالجزائر الفرنسية. فكذلك سيضحي العالم بالكيان الصهيوني الغاصب. ليريح ضميره ويكفر عن خطيئته في حق الفلسطينيين، خطيئة ارتكبها نتيجة عمليات الكذب والتضليل الممنهجة، التي مارستها الدعاية الصهيونية لأكثر من قرن من الزمن. مع قلب الحقائق وتزوير التاريخ والتهديد والوعيد، واشهار سلاح التجويع والعقوبات والحصار، والتهديد بتفتيت الدول من الداخل عبر اللعب على وتر الاختلافات العرقية واللغوية والدينية. ولكن هذا السيف المشهور قد ولى عهده، من بعد أن ولت معه الدولة القومية والقطرية بمفهوم القرن التاسع عشر إلى غير رجعة.
نعم إن كيانهم سيصبح في يوم ما، عبئا ثقيلا على العالم أجمع. فحتى المستعمرات كانت هي الأخرى، رمزا للمجد والفخر. ولكنها بعد 1919 بدأت تتحول إلى حمل ثقيل، بعد أن أصبحت سببا كاد يفني العالم، على إثر صراع الحرب العالمية الأولى والثانية. ولهذا اقتنعت الدول الاستعمارية ذاتها، بضرورة التعجيل بتصفية الاستعمار بعد العام 1945. لتحافظ على ذاتها، لأنها بسببه هُدِّدت في وجودها. ونفس الأمر ينطبق على الكيان الصهيوني، فعندما تتبدل القناعات ويهاجر الرأي العام الدولي لضفة الفلسطينيين. ويوم تصبح الدول الحاضنة للكيان الغاصب، مهددة بحرب أهلية مدمرة. وما حدث بنيويورك يوم 19 ماي 2021، ينبئ بذلك وكان هذا عقب تلك الاشتباكات التي حدثت بين أنصار الكيان الغاصب والفلسطينيين. ويكفى هنا القول، بأن الصهاينة قد خسروا معركة الرأي العام الدولي، وهذا زلزال مدمر لهم ولكيانهم. فكل الشرور التي اقترفوها، وأحكموا عملية اغلاق الصناديق التي دفنوها فيها. ستخرج للعلن فلا يمكنهم حجبها إلى الأبد، يومها ستفتح عليهم أبواب جهنم. خاصة وأن اليهود لا يحسنون، سوى دحرجة كرة الحقد والكراهية. والتي هي لا محالة سترتد عليهم، كما ارتدت على المستعمرين الفرنسيين من قبلهم في الجزائر.
كما أنّ بعض الأنظمة العربية وخصوصا، تلك التي طبّعت علاقاتها مع الكيان الصهيوني أصبحت هي الأخرى عبئا على شعوبها. ومع كل أسف فهي تظن بأن شرعية بقائها، تستمدها من الخارج عبر التحالف مع الأقوياء. وتناست بأن الشرعية تأتي من الداخل، ولا تستمد من الآخر الذي يعقد معها عقدا ينتهي بنهاية أسباب إيجاده. وينتهي متى انتفت الحاجة إليه، وحقّق المصلحة المرجوة من ورائه. وغبي وأحمق من يعتقد بأن اليهود، صادقون في تحالفهم مع العرب المطبعين، أو في المواثيق التي عقدوها معهم. فما هي إلا مواثيق ظرفيه، تذكرنا بذلك البيان الذي وزعتّه فرنسا على الجزائريين عشية احتلالها للجزائر في العام 1830. والذي ضربت به عرض الحائط لحظة استسلامها، وعندما احتج به الجزائريون. أجابتهم بأنه ما كان، سوى خدعة حرب، وكذلك الأمر مع سلسلة الاتفاقيات التي تعقدها إسرائيل اليوم مع هؤلاء المطبعين.
إن حجة المطبعين العرب والقائلة بأن حماس حركة اخوانية، ولذلك فإنه لا يتوجب مساندة قطاع غزة في كفاحه ضد الصهاينة المعتدين. لهي حجة مفلسة ومزيفة، ولو لم يجدها هؤلاء المطبعون لأوجدوا غيرها. وهي تماثل حادثة المروحة، التي بسببها احتلت فرنسا الجزائر. فهم يبحثون عن أية حجة، لخيانة إخوانهم في الانسانية والدين والدم، وخيانة الشرف والحق والعدل. إن الذي يقف مع غزة في نضالها الذي هو فخر لكل إنسان حر، بغض النظر عن لونه ودينه وجنسه. لأنه بوقوفه معها، يقف إلى جانب الحق والعدالة. ويقول ونقول معه للظالم توقف، ومتى لم نفعل ذلك، فإننا قد أصبحنا شركاء له في الجريمة. وشلة من الجبناء، ووصمة عار في جبين الانسانية.
فبالأمس القريب وقف البوذي والهندوسي والمسلم والمسيحي والملحد، مع السود في جنوب إفريقيا ضد نظام الأبارتيد. ولم يقل أحد بأنهم أفارقة سود من جنس منحط وحاشا أن يكونوا كذلك، وهؤلاء بيض من الجنس الأرقي ومعهم القوة ولذلك يجب أن نقف معهم. ونفس الأمر مع الثورة الفيتنامية والجزائرية. ومتى فعلنا هذا كشفنا عن وجهنا البشع والقبيح، فما نحن إلا أناس عنصريون، نناصر حق القوة لا قوة الحق. نتبع الرجال ولو كانوا طغاة، وظلمة ولصوصا وقطاع طرق ونزدري الحق ونسحقه. لا لشيء سوى لأن المطالبين به، يختلفون عنا أو هم مستضعفون. كأننا نحن أناس فوق الناس، لنا ما ليس لغيرنا. لنا وحدنا الحق في الحياة، حق نحجبه عن الفلسطينيين. لأنهم بشر دون البشر، وفي مراتب دنيا. ليس لهم نفس حقوق السادة، فقط لأنهم اليوم ضعفاء وفقراء. منطق بائس ظننا بأنه قُبر مع افلاس النازية والداروينية والفكرة الاستعمارية البغيضة، ومعانقتنا لما يسمى زورا حقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها والمساواة بين أمم العالم كبيرها وصغيرها. وكم كنا مخطئين، عندما اعتقدنا بأن الحداثة قد حررتنا من تلك الأوهام والأفكار العنصرية المقيتة. كنا نظن بأننا وبارتدائنا لتلك البدلات الأنيقة، وتشدقنا بتلك العبارات البراقة والرنانة. قد وأدنا الشرور التي كانت تعانقنا إلى الأبد، وإذا بنا لا زلنا نعيش في عصور الاستعباد حيث هناك يونان أو رومان لهم وحدهم الحق في الحياة، وما دونهم مجرد برابرة لا يستحقون إلا السوط والأطواق في الأعناق والقيود في المعاصم والأرجل.
وأصحاب الرأي السابق، ممن يبررون وقوفهم مع إسرائيل من صهاينة العرب. على اعتبار أن حماس حركة إخوانية، يذكروننا بالموقف البائس للأديب ألبير كامي، الذي فضل أمه فرنسا الظالمة على العدالة واصطف إلى جانب القتلة والمجرمين فعاد واحدا منهم. على عكس ابن باديس، الذي وقف مع الحق والعدالة. ولم يجبن أمام الآلة القمعية الوحشية، للاستعمار الفرنسي بالجزائر. فأصبح من أهم مفاخر الجزائر المستقلة، ورمزا انسانيا خالدا، حتى أننا نكاد نقول حينما يذكر اسمه رضي الله عنه، ولا نكتفي بالترحم عليه. أمّا من تصهين من العرب، فهؤلاء سيُقرن ذكرهم بالخيانة والعمالة والجبن، وستطالهم اللعنات جيلا بعد جيل. ترى أين هم من الجنيرال جياب، ومن سيمون بوليفار، ومن عز الدين القسام. كم هم صغار على الرغم من جلوسهم، على تلك العرش المصطنعة. عروش ملوك الطوائف، التي سيجرفها السيل، سيل التاريخ. كما جرف آخر ملوك غرناطة، ذلك الملك الصغير. وما العرب المطبعين سوى نسله المشؤوم، وخلفائه الذين لن يشذوا عن سنة التدافع الحتمية. وصدق المعتمد بن عباد حينما قال: «رعي الجمال خير من رعي الخنازير». فهنيئا لهم رعي الخنازير.
وعلى الرغم من كل هذا فالشيء الجميل والمطمئن، والذي يعطي بشارة أمل لتحرير فلسطين عمّا قريب، هو تجاوز الفلسطينيين والمسلمين. مرحلة ردّ الفعل إلى الفعل، من بعد أن امتصوا صدمة قيام (إسرائيل). وولادة أجيال جديدة لم تعايش النكبة، ولكنها لم تنس في يوم من الأيام، بأن فلسطين أرضها، وأنها ليست للبيع بتعبير مصالي الحاج. وتهافت وإفلاس مقولة بن غريون، الآباء يموتون والأبناء ينسون. وبقاء جذوة المقاومة حية ومشتعلة، في قلب كل فلسطيني وعربي ومسلم وكل إنسان حر. عجبا لهؤلاء كيف يفكرون، فنحن لم ننس الأندلس فردوسنا المفقود، فكيف ننسى فلسطين الأرض المباركة والمقدسة ومسرى النبي والأمانة والعهدة العمرية، إلى أن تقوم الساعة. وهذا هو أول الطريق صوب تحرير فلسطين، كل فلسطين من البحر إلى النهر، كما تحررت من قبلها الجزائر.
وكان هذا يوم اكتشف الجزائريون، بأن ذلك المحتل الغاصب، ليس من نسل الآلهة ولا هو أنصاف آلهة، واكتشفوا زيف مبررات احتلاله لأرضهم. ولذلك فقد شرعية حيازة الأرض التي اغتصبها بحد الحربة والسكين. المستوطنون في الجزائر، هم كذلك كانوا يرددون نفس اللحن النشاز بأن هذه الأرض أرض الآباء والأجداد. وأن الجزائريين يريدون رميهم في البحر، وكانوا يتباكون ويستعطفون العالم كله. فإلى أين سيذهبون لو أنهم يطردون من الجزائر التي اغتصبوها بعد اعتداء 1830. ولكن ما أن لاحت بوادر نصر الجزائريين، حتى تركوها من تلقاء أنفسهم، لأنها ليست أمهم وإنما مجرد حديقة خلفية اغتصبوها لجني الأرباح وتكديس الثروات. نعم لقد تركوها غير أسفين على الرغم من نداءات الجزائر المستقلة لهم بأن يبقوا، لكونها بحاجة إلى الجميع حتى يُعاد بناؤها من جديد. وإلى أين ذهبوا لقد عادوا إلى مواطنهم الأصلية، الاسباني إلى إسبانيا، وكذلك الفرنسي والإيطالي والمالطي واليوناني. وهو نفس الحال الذي سيكون عندما تلوح بوادر تحرير فلسطين من المغتصبين، الذين سيغادرون سفينة (إسرائيل) الغارقة. ويعودون إلى بلدانهم، الروسي إلى روسيا، والأثيوبي إلى أثيوبيا. وما احتفاظهم بجنسياتهم الأصلية، إلا تحسبا لذلك اليوم. فهم يعلمون بأنها، مجرد مخيم ليلي ولا محالة سيأتي يوم تفكيكه وتركه إلى غير رجعة.
ولهذا فلا معني لكلام من، يتباكى على الصهاينة، فهم مساكين حسب زعمه. فإلى أين سيذهبون، وكأننا نحن من دعوناهم لاحتلالها في العام 1948. إن طريق العودة يعرفونه جيدا، إنه نفس الطريق الذي سلكوه أيام غزوهم لها. وجوازات سفر بلدانهم بحوزتهم، وما عليهم سوى قطع تذكرة السفر وحمل أغراضهم، مع ما سلبوه والرحيل. وترك فلسطين لأهلها، يعيشون فيها بسلام، كما كانوا قبل سطوهم عليها. فما من أحد رحب بهم يومها، ولا أحد سيبكي عليهم إن هم رحلوا عنها.
نعم كيف يتعاطف هؤلاء المطبعون من العرب المتصهينين، مع الظالم والمحتل الغاصب، لحرمة نسائهم وأوطانهم ومقدساتهم ؟. كأن بينه وبينهم صلة ووشائح قربى، إنهم أقل مروءة من الشاعر الاسباني فيدريكور لوكا، الذي قال ذات يوم بأن : « الصيني الصالح أقرب الي من الاسباني الطالح أنا ابن هذا العالم وأخٌ للجميع». فما بالك والأمر، يتعلق بإخواننا الفلسطينيين.
فتبا لقوم يقفون مع الظالم لأنه قوي، إنه منطق العاهرة فهي لا يهمها مع من تنام ما دام قادرا على حمايتها. وهو نفس منطق العرب المطبعين، والذين يتفاخرون بأنهم أصبحوا حلفاء للأقوياء. الأقوياء سيرحلون كما رحل ترامب ويوليوس قيصر، ويبقى عارهم الذي لن يمحى، مهما تقادمت القرون والدهور. كيف لهم أن يتناسوا بأن القوة لا تصنع حقا أو تعطى شرعية. وكيف غاب عن بالهم أن الحق الذي يزول بزوال القوة ليس حقا وإنما هو اغتصاب زائل لا محالة. عندما تهاجر القوة صوب معسكر الضعفاء، يومها ماذا سيفعل المطبعون العرب بصداقة (إسرائيل) الكيان الغاصب. الذي جاء بمشروع من الخارج، وفرضه على فلسطين التاريخية في غفلة من الزمن. من بعد أن شرّد وذبّح أهلها، ليثبت لأمثاله من المغتصبين بأنها أرض بلا شعب لشعب بلا أرض. والبقية الباقية لا ضير إن استعبدها، لصالح السادة الجدد تماما كما فعلت فرنسا الاستعمارية في الجزائر. فالكيان الغاصب يراهن على نسيان الفلسطينيين لهويتهم، مع مرور الوقت. يذوبون ويندمجون، سياسة راهنت عليها فرنسا في الجزائر، ولكنها فشلت. وكذلك الحال مع عرب فلسطين 1948، فها هم ومع الانتفاضة الأخيرة، نراهم فلسطينيين كما كانوا وكما سيكونون. هم ليسوا إسرائيليين ولو تحدثوا العبرية، لظروفهم القاهرة. ويوما ما سيعودون كما كانوا، وكيف لمنظري المشروع الصهيوني أن لا ينتبهوا لذلك. ألم يقرؤوا بأن بلاد الشام قد سادتها الثقافة الهيلينية لأكثر من 1000 عام، ولكنها عادت كما كانت بمجرد زوال القوة التي تستعمرها. وهو ما حدث في الجزائر، مع فشل سياسة الفرنسة وإن تحدث أبناؤها لفترة ما لغة المحتل الغاصب. وها هي اليوم قد استعادت لسانها، فما بالك بالفلسطينيين الذين لم يفقدوا لسانهم أو هويتهم أو ثقافتهم ؟. ولهذا فنحن متأكدون بأن فلسطين ستتحرر في يوم ما، وإن كان يعزُّ علينا أن لا نرى ذلك اليوم.
إننا نعتقد جازمين بأن هؤلاء المطبعين، لو أنهم عايشوا الثورة الجزائرية. لوقفوا ضدها، ولوصفوا أحرار الجزائر بالإرهابيين والقتلة، كما يفعلون اليوم مع الفلسطينيين الشرفاء. ولدعموا فرنسا الاستعمارية، بالمال والسلاح والجند وفي الإعلام والمحافل الدولية، كما يفعلون مع أسيادهم في تل أبيب. ولتباهوا بصداقتها، كما يتباهون بصداقة الكيان الغاصب. ولذلك فهم أخطر على فلسطين، من الصهاينة وما ضاعت فلسطين إلا بسببهم.
هؤلاء المطبّعون، إنهم ليسوا من طينة العربي بن مهيدي. أو مصطفى بن بولعيد، أو عمر المختار وأحمد عرابي وعبد الكريم الخطابي. بل هم من طينة الخونة الذين رفض نابليون مصافحتهم، وإن رمى لهم كالكلاب ثمن عمالتهم وخيانتهم، وكذلك يفعل اليهود اليوم مع خونة العرب. وإن ذكرهم في التاريخ، لن يكون أفضل من ذكر كل الخونة الذين نعرفهم. وإن ارتدوا الذهب والحرير وسكنوا القصور وتسمّوا بصاحب الجلالة والسمو الملكي والأميري. لقد فضّلوا حياة العمالة والدياثة وحياة الخصيان والحرملك، على حياة الرجال الذين يحملون البندقية في كف، والكفن في اليد الأخرى. فاستحق هؤلاء التبجيل والتكريم، واستحقوا هم لعنة الأجيال والتاريخ والأقلام. وهم من حذّر منهم ابن باديس، لأنهم خونة وكل العطب يأتي منهم.
أمّا أدبياتهم فهي تثير السخرية والشفقة، فهي الزبد الذي سرعان ما يتبدد، أمام أشعة الحق الساطعة. التي قد تحجبها أبواقهم في بعض الأحيان، ولكنها لا تستطيع حجبها أو اقناع الجماهير بما سواها. ولقد كان لنا هنا في الجزائر، إبّان الاحتلال الفرنسي. نماذج كثيرة من هذه الأدبيات المغشوشة والمزورة، تحدث عنها المفكر الكبير مالك بن نبي. ولاحظ بأن هناك توائم لها في مدغشقر والفيتنام، ومن حسن الحظ أنها أدبيات مفلسة تسير في ركاب المغتصبين وتزول بزوالهم.
إننا نعتقد بأنه يتوجب على العرب المتصهينين، والذين يثيرون الشفقة لأنهم نتاج الجهل والرعب والخوف والفزع الجاثم على صدورهم، فهم يرتعشون من السوط الذي يحمله السيد ترامب وخلفاؤه. ولا همَّ لهم سوى ارضائه، ورضاه عنهم. نعم عليهم خلع رداء العمالة والجبن، لأنهم يسيرون في طريق الانتحار الجماعي. أحبوا التمسك بأهداب الحياة البالية فذلوا، على عكس الشرفاء الذين عشقوا الموت لأجل الكرامة ودفعوا أرواحهم مهرا لها، فاستحقوا الخلود والحياة الأبدية.
عجبا لهؤلاء المطبعين، لا أحد يعلم أين تعلموا، ولا ما قرأوا. ولا هو يعرف هؤلاء الرهط الذين يتخذونهم كمستشاري سوء يغالطونهم ويدلسون عليهم. عرب تصهينوا فعادوا عنوانا للخيانة والعمالة والسفاهة. وعادوا في العيون كخصيان القصور، شخصيتهم، حكوماتهم، وأفكارهم كلها رديئة ورثة وأردأ منها تبريراتهم للعمالة. والمضحكات المبكيات هو بكاؤهم، على كيان لقيط ولد من سفاح بعدما نامت بريطانيا عجوز الاستعمار في فراش الحركة الصهيونية. فكانت الثمار كيانا غاصبا، طرد وشرّد أهل فلسطين في غفلة من الزمن. وأحل محلهم شذّاذ الآفاق، وقطعان اللصوص والحاقدين على البشرية جمعاء. ممن يعانقون العقد والأمراض النفسية، فجاؤوا فلسطين كقطع الجحيم والحجارة يصبون ويلا على سكانها. وكأنهم هم سبب مآسيهم المزعومة، في أوروبا وتناسوا عن عمد. أن أهل هذه البلاد احتضنوهم بعد تلك المجازر، التي طالتهم في أوروبا، ولعل أشهرها ما ارتكبته محاكم التفتيش الاسبانية في حقهم.
نعم إن صهاينة العرب يتباكون اليوم، على من أحرق الفلسطينيين وسرق أرضهم وتاريخهم ودورهم وهويتهم وقراهم ومدنهم. بتواطؤ القوى الاستعمارية، التي لا ترى ضيرا في إبادة الشعوب الأخرى، طالما هي شعوب غير أوروبية. طبقوا عليها منطق الرومان وشعارهم ويل للمغلوبين. وهو نفس منطق اليهود الصهاينة في فلسطين، فما الضير إن هم قتّلوا الفلسطينيين الأغيار، واحتكموا إلى منطق نبيهم يوشع ؟.
وها هم العرب يطرقون أبواب الغرب، لحل القضية الفلسطينية وإرجاع الحقوق إلى أهلها. وتناسوا بأن البريطانيين والفرنسيين ما من مشكلة عندهم، حينما سرقوا أراضي الآخرين وأبادوا شعوبا بأكملها، وما حدث مع الهنود الحمر وفي الجزائر خير شاهد على هذا. ولهذا فإنه يتوجب على العرب أن يتوقفوا عن تسويق قضيتهم على أنها صراع لأجل الأرض، عكس ما يفعله اليهود. ولذلك خرج علينا من تجرأ وبكل وقاحة وساوى بين القدس ورام الله، وبين فلسطين الأرض المباركة، وبين أية قطعة أخرى، سيناء كانت أو الأردن مع تقديسنا لهاتين القطعتين. فما من مشكلة عنده أن تكون عاصمة فلسطين رام الله أو القدس، أو أن تكون فلسطين أو سيناء وطنا للفلسطينيين.
إن بعض العرب المتصهينين، لا يرون أبعد من بطونهم وأعضائهم الخاصة. فالكيان الغاصب ليس بتلك القوة التي يتصورونها، وأحداث غزة الأخيرة كشفت مدى ضعفه وهشاشته. أمّا عن انتصاراته المزيفة في الماضي القريب، فهناك الكثير مما يجب أن يقال بشأنها. حتى تنجلي الحقيقة، وتتمزق الغشاوة التي رانت على العيون. نعم إن الكيان الغاصب ليس بأقوى من إسبانيا القرن السادس عشر، والتي غزت سواحلنا هنا في الجزائر. حينها كنا كحال العرب والمسلمين اليوم، في أشد درجات ضعفنا. فاستثمرت فيها، كما يستثمر الكيان الغاصب هو الأخر في ضعفنا. فظهر من بيننا أصدقاء وحلفاء وعملاء، للغزاة، وكما هو الحال اليوم ( إسرائيل)، ولكن التاريخ كانت له كلمة أخرى والقصة يعرفها الجميع.
ولا هذا الكيان، أقوى من فرنسا الاستعمارية. التي هزمت مرتين، الأولى على يد شعب ضعيف في فيتنام، والثانية على يد شعب أضعف منه، ألا وهو الشعب الجزائري. ولذلك فأحرار العالم ليسوا مرعوبين منهم، ولا من ألتهم العسكرية. فحين يجد الجد ويقف الرجال، وكما فعل الجزائريون إبان ثورتهم المباركة. يومها فقط سنرى جيشهم الذي لا يقهر بتعبير دعايتهم الزائفة على حقيقته، وصور الأيام الماضية تشهد لهذا القول. أمّا من كانت قبلتهم، عاهرات تل أبيب وشواذ تل أبيب، نقول لهم إن غدا لناظره لقريب.
ونقول لهم إن الصهاينة ليسوا أصدقاء لأحد، وإنما هم أصدقاء أنفسهم ومصالحهم. أمّا البقية الباقية من الأغيار، فهم في نظرهم كالزانية يستخدمونهم ثم يرمونهم كالخرقة البالية، أو هم كالدواب التي يسخرونها. وهم على حق حينما يحترمون دينهم وشعبهم وبني جنسهم، وما من وفاء لهم إلا لهؤلاء، فذلك شأنهم وما تمليه عليهم معتقداتهم. فمتى يفهم المطبعون، بأنهم قد ركبوا القطار الخطأ ؟. وبأنهم راهنوا على البغل، ولم ينالوا حتى شرف الرهان على الحصان الخاسر.
إن التاريخ يخبرنا بأن اليهود، لا ولاء لهم لأي كان. فبالأمس القريب، كانوا مع الدولة العثمانية. ثم انقلبوا عليها، وارتموا في أحضان بريطانيا. ولمّا أفل نجمها، يمّموا شطرهم صوب الو م أ. وها هم اليوم يخطبون ود الصين، وما أدراك ما الصين. فالو م أ بدأ نجمها يأفل، وخنجرهم المسموم جاهز لطعنها في الظهر. فما بالك بهؤلاء العرب الصغار، الذين هم في نظر الصهاينة مجرد أدوات لخدمة مشروعهم. ولا يتورعون عن وصفهم بالعبيد والكلاب في كتاباتهم ومنشوراتهم وتغريداتهم، ومع هذا فهم يلعقون أحذيتهم، فهنيئا لهم أخلاق العبيد التي يعانقونها، وصفع السادة.
أمّا بعض الأدعياء، ممن يدعون بأنهم رجال دين. فما هم برجال دين، ويا ليتهم كانوا برتبة فقهاء البلاط والسلاطين، فحتى هذا شرف هيهات أن يناله الواحد منهم. وإنما هم مجرد أبواق، لتبرير العمالة والخيانة والانبطاح وبيع الأوطان. وما من همّ لهم سوى قلب الحقائق، والتدليس على الناس، وتخدير البسطاء إن هم استطاعوا إلى ذلك سبيلا. وما اللحية والقميص، سوى أدوات للعمل، ولا علاقة لهما لا بالدين ولا بالتدين.
ولقد عانت منهم الجزائر، خلال العهد الاستعماري كثيرا. ولكن التاريخ لا يرحم، فله قدرة عجيبة على الغربلة والفرز. لقد ركلهم الأحرار، على مؤخراتهم العفنة، وقذفوا بهم إلى عوالم النسيان الأبدية. عجبا لهؤلاء حفنة من الدولارات، جعلت منهم خونة. وبئس تلك الدولارات، التي تؤاخي دنانير يهوذا الإسخريوطي. صدئت دنانيره، ولكن ثوب الخيانة سيلازمه إلى يوم الدين. وكما أنه لا مجال له، لينظف نفسه من عار الخيانة، فإننا نخشي على هؤلاء أن يلقوا المصير ذاته.
إن رياح التغيير قد بدأت تهب، وهي في غير صالح الكيان الغاصب. كيان بدأ يقترب في كل يوم من حتفه، ليقبر في إحدى حفر النسيان المهجورة. وإننا لنخشي، أن يجر معه إلى ذلك المصير البائس صهاينة العرب وجوقة المطبعين. يومها لا مجال للتكفير عن خطيئة التطبيع، فلا أمل لهم في ذلك. كما لا أمل لأهل الجحيم، في الخروج منها بتعبير دانتي. يومها لن يجدوا، غير الحسرة والأشواك يلوكونها، والآهات والحسرة الخانقة للأنفاس.
واليهود اليوم لم يبق لهم، سوى التوحش طريقا يسلكونه. ولم تبق لهم، سوى القوة يفرضون بها مشروعهم، ويضمنون بها بقاء ما اغتصبوه بأيدهم. ولكن القوة تهاجر فضعيف اليوم قوى الغد، وقوى اليوم ضعيف الغد. وبغض النظر عمّا قاله روجي غارودي، والذي فضح الأساطير المؤسسة للكيان الغاصب. أو ما قاله شلومو ساند في كتاباته. أو ما جاء في كتاب، اختلاق إسرائيل القديمة إسكان التاريخ الفلسطيني، وغير هذا كثير مما لا يتسع المجال لذكره هنا. ولهذا فمن بعد افلاس مشروعهم، وتهدم الأيديولوجيا التي يقوم عليها كيانهم. لم يبق لهم ككل لص ومغتصب، سوى استخدام القوة، لفرض إرادتهم، وكلنا يعلم بأن القوة لوحدها لا تؤسس ملكا أو تحافظ عليه، أو تضمن استمراره في الزمن.
ولهذا يمكن القول بأن الصهاينة لو أنهم قبلوا، أية قطعة أرضية أخرى وأقاموا عليها دولتهم. لكان أفضلا لهم، وخاصة عرض ستالين في العام 1928، والقاضي بمنحهم وطنا قوميا في أقصى الشرق الروسي. ولكنهم أصروا وبكل وقاحة، على اغتصاب أرض ليست لهم. وأقاموا عليها كيانهم بصورة مستفزة ومتحدية، وضد رغبة الفلسطينيين والعرب والمسلمين، وأحرار العالم.
ولهذا فإن الكيان الغاصب لن يستمر في الزمن، خاصة وأنه يدير ظهره للمنطقة العربية. التي كانت ولا زالت تلفظه كما يلفظ، الجسم السليم أي جسم دخيل وغريب عليه. وعلى الصهاينة أن لا تغريهم، حالة الضعف العربي اليوم، ولا أن يطمئنوا إليها. فهي مرحلة عابرة، وكما تجاوزت المنطقة ضعفها خلال فترة الحروب الصليبية، فهي حتما قادرة على تجاوز ضعف اليوم.
كما يتوجب على الكيان الصهيوني، أن لا يطمئن كثيرا إلى عمليات التقتيل الوحشية. فهي لن تزيد شعوب المنطقة، إلا إصرارا على اقتلاع هذه الخلية السرطانية، التي زرعت فوق أرضهم المقدسة رغما عنهم، والتي تعيق شق طريقهم صوب غد أفضل. كما أن المجازر التي يرتكبها الصهاينة، أو عمليات تصفية القيادات الفلسطينية. لا معنى لها، صحيح أنها قد تعرقل المقاومة بعض الشيء، ولكنها لن ولن تجتثها من جذورها. لسبب بسيط ذلك أن مقاومة، هذا الكيان جزء من عقيدة شعوب المنطقة وعقيدة كل مسلمي العالم وأحراره.
ولهذا فصراع الصهاينة في فلسطين عبثي، بريطانيا العظمي ووقفت عاجزة أمام هذه العقيدة. وأختها في الرضاعة فرنسا الاستعمارية، قالتها صراحة بعد عجزها في الجزائر. وما كان جوابها إلا : ماذا أفعل إن كان القرآن أقوى من فرنسا. ولهذا ما دامت القضية الفلسطينية، قضية دينية أو العقيدة قاعدتها ومحورها ومحركها، فقضية اليهود خاسرة، على المدى القريب أو البعيد، وما عليهم سوى الرحيل قبل أن يجبروا عليه. كمن سبقهم من الصليبيين والرومان والبيزنطيين والإغريق والفرس، وإن بقوا في فلسطين ألف عام. خاصة وأن الفلسطينيين اليوم مصرون، على استرداد أرضهم. والكيان الغاصب لئن أكمل قرنه الأول، فهو لن يضمن أن يكمل قرنه الثاني. ولنا عبرة في التاريخ، ففرنسا الاستعمارية احتفلت في العام 1930، بذكرى مرور قرن على احتلالها للجزائر. فردّ عليها الجزائريون بقولهم : لئن أكملت القرن الأول، فإنك لن تكملي القرن الثاني وهذا ما كان. ولم تغنى عنها شيئا ترسانتها العسكرية وحلفاؤها وأصدقاؤها وجموع الخونة والعملاء، وكذلك حال الكيان الصهيوني الذي سيلقى نفس المصير.
والقوة العسكرية لوحدها، لن تضمن بقاء الكيان الصهيوني. سبقتها فرنسا الاستعمارية في هذا المضمار، فالجزائريون لما غُـلِبُوا رضخوا لإرادة السكين إلى حين. ولكنهم أعلنوها صرخة مدوية في وجهها، قالوا لها ستخرجين من الجزائر، ولو بقيت فيها كالأتراك 300 سنة وهذا ما كان. وهو نفس الكلام نوجهه للصهاينة المغتصبين، ستخرجون من فلسطين ولو بقيتم فيها 200 سنة كالصليبيين أو أكثر من 700 عام كالرومان.
مجازركم في حق الفلسطينيين، حتما ستؤجل عملية طردكم منها، ولكنها لن تقضي على المقاومة الفلسطينية، أو تضمن بقاءكم كمكون طبيعي للمنطقة. فها هي فرنسا الاستعمارية، قضت على الزعامات في الجزائر في عدة مناسبات. قتلا ونفيا وتشريا وتدجينا، ولكن ماذا كانت النتيجة ؟. لا شيء سوى أنه في كل جيل كانت تلك الزعامات تتجدد، والسبب بسيط ألا وهو أن جذوة المقاومة بقيت مشتعلة كالنار تحت الرماد. ومن رماد الزعامات السابقة، ولدت زعامات جديدة. تُـذَكِّرها الأمهات والجدات ومنذ نعومة أظافرها، بأن هذه الأرض أرضنا. وأن هؤلاء الغزاة اعتدوا علينا، وسلبوها منا، ولهذا فإنه يتوجب ارجاعها إلى أصحابها الحقيقيين، فهم لم يموتوا حتى يرثهم هؤلاء الغرباء. كما اعتقدت فرنسا الاستعمارية، بأن تلك المجازر الجماعية، كفيلة بتثبيت وجودها في الجزائر. فقامت وكما يفعل الكيان الغاصب اليوم، بمجازر رهيبة ولعل أشهرها مجازر 08 ماي 1945. صحيح أن الأخيرة ضمنت لها السلام لمدة 10 سنوات، ولكن ما كان بعدها سوى الطوفان التي اجتثها من جذورها.
وما فعلته ( فرنسا ) في الجزائر، يكرره الكيان الغاصب في فلسطين بالأمس واليوم وغدا، والنتيجة لن تكون سوى دفن أي احتمال للتعايش المشترك بين العرب والصهاينة في فلسطين المحتلة. وفشل سياسة الأسرلة، ودمج الفلسطينيين في الكيان الغاصب، يقابله فشل سياسة الفرنسة والادماج في الجزائر. والنتيجة الحتمية هي حفر خندق بين الكتلتين، سيملأ حتما بالجثث، يوم يحين موعد تحرير فلسطين. طالما أن الصهاينة، يرفضون منح الفلسطينيين حتى التافه والمحتقر من حقوقهم المشروعة.
كما أن وصف المقاومة بالإرهاب لن يغني شيئا، لا للمطبعين الأعراب ولا لسادتهم في تل أبيب. فكل الحركات التحررية، ألصق بها هذا الزيف. ولكن كلمة الفصل كانت للبندقية، وللمقاومة الوطنية الشريفة. ولقد خبرنا هذا الأمر في الجزائر، فما أغنى عن فرنسا نعت الجزائريين بالقتلة والمجرمين والارهابيين، ولا شيطنة الثوار، كما يفعل اليوم الكيان الغاصب، وحلفاؤه من العرب المتصهينين. حتى أن فرنسا أعلنتها صراحة، بأن علم الجزائر، لن يُرفرف فوق ربوع الجزائر، ولكنه رفرف فوق باريس. وكذلك الأمر مع العلم الفلسطيني، فيوما ما، ومن بعد أن رفرف فوق قطاع غزة والضفة الغربية. سيرفرف بصورة أبدية فوق تل أبيب، وإن رأيناه اليوم يرفرف فوق أراضي فلسطين المحتلة في العام 1948 بصورة مؤقتة وعابرة.
ومما سبق يمكن القول بأن الكيان الصهيوني لا مستقبل له في المنطقة، طالما هو كيان غاصب متغطرس ومتعال على أصحاب الأرض الحقيقيين. ولا همَّ له سوى قهرهم وإخضاعهم، وإجهاض كل مشروع للتعايش المشترك، وهدفه الأسمى يتمثل في استعباد واستغلال المنطقة كلها وجعلها جمهورية موز لعصابات تل أبيت. ولهذا لا حل معه سوى طرده، ويكون هذا حينما تهاجر القوة، من معسكره صوب معسكر المسحوقين بأعقاب بنادقه. إننا اليوم لا نعيش، في الزمن الذي كان فيه من يسيطر على الجو، يسيطر على البر والبحر كما كان الحال في أيام حرب 1967. فهذا الزمن قد ولى، وأسلحة اليوم قلبت الطاولة على الصهاينة وتغيرت المعادلة نهائيا، وما يحدث في غزة هذه الأيام خير شاهد على هذا.
وفي الأخير نقول للصهاينة وصهاينة العرب، بأن فلسطين لم تحرر في يوم من الأيام من الداخل وإنما تحريرها كان دوما من الخارج، لأسباب يطول شرحها وليست هي موضوعنا اليوم. ولذلك فالصهاينة يريدون اختزال الصراع في صراع عربي إسرائيلي، لإجهاض أي مشروع تحرري لفلسطين على أساس أن هذه ليست قضيتك. فما دخلك أنت فيها وهكذا تستفرد الصهيونية العالمية وأذرعها، من حكومات ومنظمات علنية وخفية بالفلسطينيين الذين لا قبل لهم بمواجهة كل هؤلاء. نقول لهم لا تفرحوا كثيرا فما أنتم استثناء في التاريخ، ولن تكونوا كذلك. ولا إخواننا في فلسطين، يقفون لوحدهم في ساحة المعركة. فانتظروا ففي يوم ما ستطوق الكتل البشرية الزاحفة كيانكم الغاصب، من كل حدب وصوب. يومها لن تنفعكم أسواركم وأبراجكم وقبابكم، وهؤلاء المتصهينين الخونة.
المجد والخلود لفلسطين من النهر إلى البحر ولغزة الكرامة ولشهداء الأقصى