فأووا إلى الكهف

أ محرز بن عيسى/
سورة النصر تنبأ بنصر كبير وجمهور غفير، والقصة الأخيرة من سورة الكهف تبين النصر الكبير والتمكن اليسير، والعجيب أن القصتين لهذين الانتصارين بدأتا من الغار (حراء) أو من الكهف {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته}.
وبينهما مسافة طويلة شاسعة شاقة خاضها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمنا إياها موسى عليه السلام،
فأما قصة أصحاب الجنتين فتوضح أهمية السعي إلى المال وهو يعبر عن الأسباب التي تقيم حياة الإنسان لكن في كنف الله وهو رب الأسباب، دون الخضوع إلى أطماع النفس وملذاتها أو إلى وسوسة الشيطان وإغوائه.
وأما المحطات الثلاث لسيدنا موسى فهي تبين أهمية اقتران المال في القصة الأولى بالعلم الذي لابد أن يحصله الداعية إلى الله.. في ظل رحمة الله والمستمد من الوحي {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً}.
وأن هذا الداعي إلى صراط ربه المستقيم يمكن له أن يتعامل مع الفئات الهشة اقتصاديا فيوجهها وينصح لها وهو أمر مقبول، كما في قصة أصحاب السفينة، لأن شريعة ربنا ليست قائمة على العالم المادي بشكل أساسي وإنما هو جزء يسير منها، ويجب عليه أي الداعية أن يحمي الفئات الهشة اجتماعيا، كما في قصة الغلامين، فيصون كرامتهم ويؤمن مستقبلهم، وأما في قصة الغلام الذي قتله الخضر فتوضح أن الداعية إلى الله لا يمكن أن يتساهل مع الفئات الهشة عقديا، لأنها فئة سترهق المجتمع مستقبلا بكفرها وطغيانها، {فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً} وإن هذا الغلام يعبر عن مختلف الشبهات التي يطرحها المشككون والملحدون والعلمانيون عن دين الله بحججهم الواهية المفترية الملفقة دون بيان أو سلطان، والعجيب أن القصة مع غلام!! مع طفل صغير في مراحل النمو الأولى حيث تكمن التربية! فلو سكت الدعاة عن هذه الشبهات التي تغرس في أذهان الناشئة، لصنعت لنا جيلا يطغى ويكفر بما أمرنا به ربنا فيستنزف قوانا ويرهقنا حضاريا، فعلى المربين والدعاة والقائمين على أمر الدين أن يأووا إلى كهف التربية بشكل أساسي حيث لا أضواء ولا بهرجة ولا تكريمات… للقضاء على ما تغرسه نظم الإعلام الهدام ومواقع التواصل الاجتماعي المنحرفة وما تكرسه الاستقالة الفاضحة لمؤسسة الأسرة المسلمة، بعد فقدانها لكل دروع الحماية والتماسك، فسمحت بالتشكيك والشبهات والردة والإلحاد في نفوس شبابنا وللأسف في مراحل متقدمة من أعمارهم.
التصدي لابد أن يكون في هذه المرحلة حتى لا يكون أبناؤنا معولا يرهق أو يهدم أو يطغى على أمتنا في مستقبل أيامنا، ألا هل بلغت اللهم فاشهد.