حياتنــــا السياسيـــــة وغيـــــاب رجـــل السياســـــة
أ. عبد القادر قلاتي/
أكثر ما يميّز الواقع السياسيّ الجزائريّ، غياب رجل السياسة كما هو معروف في أدبيات العمل السياسيّ، ذلك الرجل الذي أوتي حظاً وافراً من المعرفة والإطلاع في السياسة والتاريخ واللغة والاجتماع البشري، إلى جانب النضال في الميدان سواء بالانتماء للأحزاب السياسية، أو بالمتابعة لمجريات الواقع السياسيّ بالانخراط في الممارسة السياسية، نقد ومعارضة للسلطة، أو بالكتابة في الجرائد اليومية والمجلات المتخصصة في النقد السياسيّ، كل ذلك يدخل في صناعة الخبرة السياسية، التي تعطي الانطباع عن الرجل الذي اختار الفعل السياسيّ، من موقع الممارسة اليومية لهذا الفعل، وتحمل مسؤولية تبعاتها الخطيرة، حيث تكون فاتورة هذا الخيار غالباً كبيرة وكبيرة جداً، (السجن، النفي، والطرد من العمل، القتل أحيانا…).
هذا النموذج لم يعد موجودا في حياتنا السياسية، وإن وجد، فلا يكون بهذه المواصفات (الثقافة السياسية، والاطلاع على تجارب الغير، ومتابعة التحولات الحاصلة في العالم،…).
وأنا أكتب هذه الأسطر أستحضر الواقع السياسي في بلادنا، حيث السياسة عمل من لا عمل له، وتابعنا كيف جرت حملات الانتخابات التشريعية الأخيرة، وذلك الخطاب الساذج الذي ينبئ عن مستويات هزيلة، اختارت الانتخراط في العمل السياسي، دون أدنى شروط هذا الفعل، ثمّ غياب الاحزاب السياسية التي أظهرت هي الأخرى، مستوى من الاستهتار بهذا الفعل، يفسر كثيرا من حقائق وجود هذه الأحزاب في الواقع السياسيّ الجزائري، ومهماتها داخل الساحة السياسية، حيث الغاية هي المحافظة على وجودها ككياناتى «سياسية»، وليس الفعل السياسي ومحاولة التغيير وبناء الدولة.
لكن في المقابل هل من يسمون بالمعارضة للسلطة الحاكمة (أحزابا وأفرادا) يملكون ما انتفى وجوده عند الاخرين من ثقافة سياسية وقدرة على الفعل السياسي الجاد؟، للأسف «لا»، فهؤلاء تحولوا مع الزمن إلى ظواهر صوتية، تبيع الكلام (الهدرة)، كلّ ذلك بلغة راديكالية متصلبة (شعارها: معزة ولو طارت)، وكأنّها لا تنتمي إلى واقعنا السياسيّ، ولا ترى ما يجري من فرض الأمر الواقع، حيث الغلبة لمن يملك القوة الصلبة، أما القوة الناعمة، أي الشعب الذي يملك قوة ظرفية يحدّدها الزمان والمكان، وتتحوّل إلى تاريخ يسجل الوقت والمكان الذي شغلته هذه القوة في سلم الصراع بين السلطة والمعارضة، بينما تملك القوة الصلبة (الزمان والمكان) لتفرض هذا الواقع، الذي نعيشه والذي لا يبشر إلاّ بأفق مسدود، في غياب فعل سياسيّ حقيقي، وفي غياب رجل السياسية، الذي غاب عن حياتنا السياسية والله المستعان.