عين البصائر

قصة أرويها ….وعبرة آخذها

أ. لخضر لقدي/

كانت العرب تنظر للاسم نظرة جدية وفي الوقت نفسه مرنة تغير الأسماء إلى أحسن منها، وكانت تقول: لكل امرئ من اسمه نصيب، وذلك أن معاني الأسماء مرتبطة بمسمياتها حتى كأن معانيها مأخوذة منها وكأن الأسماء مشتقة منها، وفي الحديث: «إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ، فَحَسِّنُوا أَسْمَاءَكُم» واليوم تسمينا وسمينا أبناءنا بأسماء لا معاني لها.
كان أحدهم رفيقي في العمل، وكان اسمه عامر، غير أنه يحب أن ينادى جمالا، فقد نشأ في العاصمة، ويبدو أن اسم عامر لا يروقهم.
مرت به ظروف صعبة فسألني أن أدعو الله له، وبعد أن غادر رجع إلي قائلا يا شيخ إن اسمي عامر فتذكره عند الدعاء.
قلت له : هداك الله وهل تخفى على الله خافية. كن عامرا أو كن جمالا فأنت عبد الله وهو الذي خلقك، ويعلم من خلق.
منّا من لا يحسن ترتيب الدعاء وألفاظه: وهذا يكفيه ‏أن يرفع رأسه للسماء، ‏وينطق بالهذيان الذي في قلبه، قد نعجز عن النطق وقد يخوننا التعبير، ولكن الله يجيب دعوة عبده، مهما كان اللفظ الذي جرى على لسانه فالعقد عقد القلب، مهما تكن العبارة.
هب أخرس ناجى ربه بما في قلبه، إن الذي أحاط علمه بالكائنات وبالوجود يسمع ويرى ويجيب، وكل يوم هو في شأن، فهذه نملة عرفت لمن تتوجه فنادت وقالت: اللهم لا غِنى لنا عن سُقياك.. لما خرج سليمان بن داود، عليهما السّلام هو وأصحابه يستسقون رأى نملة قائمة رافعة إِحدى قوائمها تستسقي، فقال لأصحابه: ارْجِعُوا فَقَدْ سُقِيتُمْ، إِنَّ هَذِهِ النَّمْلَةَ اسْتَسْقَتْ فَاسْتُجِيبَ لَهَا.
ولطالما كانت القصص والأمثال مطيَّة لتقريب المعاني، ولذلك استخدمها القرآن للتربية والتوجيه والإرشاد وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُكثر من أن يُحدِّثَ بها أصحابه، روى قصة الأعرابي الذي أوى إلى شجرة يتفيَّأ ظلالها وينام قليلا غير أنه فقد ناقته التي عليها طعامه وشرابه ومتاعه، لأنه نسي أن يُحكم ربطها، فلما استيقظ ولم يجدها وتعب من البحث عنها قال في نفسه: أرجع إلى المكان الذي كنت فيه فأنام حتى أموت، نام واستيقظ فإذا ناقته عند رأسه، فقال من شدة الفرح: اللهم أنتَ عبدي وأنا ربك. وجعلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: أخطأ من شدة الفرح.
وقول الرجل لا شك أن في ظاهره كفرا بواحا! ولكن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أراد لنا أن نلتمس العُذر للناس في بعض المواقف! يمرُّ الإنسان بأطوار نفسية قد يفقدُ فيها زمام عقله، فلا يعود ذلك الشخص الذي نعرفه، فالمُصيبة أحيانا تُفقد الإنسان صوابه، وربما قال فيها كلاما جارحا لمن حوله، فهل نُؤاخذه بكلامه إذا كنا نعرف أنّ هذه ليست حاله حينما يكون في ظروف طبيعية.
إن الفرح ومثله المصائب تُفقد الإنسان صوابه، فيكون في حالة عدم اتزان قد يقول ما لم يكن له أن يقوله في حالة استقرار نفسي.
والشرع يراعي تقدير ظروف الناس لأن للنفس البشرية أطوارا وجبالا ووِهادا، وكما يراعي العوارض الجسمية من سفر ومرض وحيض ونفاس، فأنه يراعي الظروف النفسية من ألم وغضب وفرح وسرور، وفي الحديث: لا يقضين حاكم بين اثنين وهو غضبان.
وذلك أن الحكم في حال استيلاء الغضب على الحاكم قد يتجاوز بالحاكم إلى غير الحق، فمنع من ذلك.
وعد الفقهاء رضي الله عنهم بهذا المعنى كل ما يحصل به تغير الفكر، كالجوع، والعطش المفرطين، والوجع المزعج، ومدافعة أحد الأخبثين، وغلبة النعاس وشدة الخوف أو الحزن أو الهم أو السرور، وسائر الأمور التي يتعلق بها القلب تعلقا يشغله عن استيفاء النظر، الذي يتوصل به إلى إصابة الحق في الغالب.
وكما قال مصطفى محمود: نحن لا نملكُ أكثر من أن نُهوِّن على بعضنا الطريق… ومن أجمل ما قال الأوائل: لا تقطع وعدا وأنت سعيد، ولا ترُد وأنت غاضب، ولا تُقرر وأنت حزين.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com