دعوة…ودعاية …وادعاء: ليس كل ما يلمع ذهبا، وليس كل من غنى أطربنا

أ. لخضر لقدي/
أخطر ما يواجه الدعوة الإسلامية اختلال المفاهيم واختلاطها، واضطراب الأفكار وتشوهها، وما ينشأ عنهما من فساد في الأعمال والأفعال والأقوال…
ومن يكن الغراب له دليلا ***يمر به على جيف الكلاب.
وإن كان الأصل اللغوي لكلمتي: «الدعوة» و «الدعاية» واحدا، وسواء كانتا مشتقتين من الفعل «دعا»، أو من الجذر – د ع و – فإنهما تفترقان في المعنى والغاية والمقصد لكل منهما، افتراقا يتباعد أحيانا ويتقارب أحيانا أخرى.
أما الادِّعاء فهو الزَّعم والافتخار بما ليس له وما ليس فيه.
والدعوة الإسلامية شريفة عالية المنزلة تستمد قيمتها من الدعوة إلى الله تعالى وإلى دينه وشريعته وطريقها واحد عمَّده السلف الصالح بالتقوى والورع والزهد ومحبة الله ورسوله وعباده الصالحين، وساحاتها واسعة تنطلق من دور العبادة لتشمل الإنسان حيثما وجد.
أما الدعاية فتكون غالبا لعمل دنيوي محض يراد منه تسويق منتج معين أو بضاعة معينة أو شخص ما أو وجهة نظر ما،
ومسرحها الدعاية والساحات العامة والتجمعات واللقاءات والملصقات والصفحات.
وحتى لا يقع اللبس فقد وجب التنويه والتنبيه، فإذا كانت السياسة عند الغربيين تعني: الصراع من أجل تحديد من يحصل على ماذا، متى، وكيف، ولماذا وهو تعريف يشرح السياسة كما هي في واقع الناس المعيش، فإن السياسة عند أغلب فقهاء المسلمين هي: القيام على الأمر بما يصلحه، وهو تعريف يشرح السياسة بما ينبغي أن تكون.
عود على بدء:
إن ما يؤسف ما نلاحظه من انحراف في الخطاب، ووعود كاذبة، وهذا يحاسب عليه القانون ولا يلتزم بضابط من ضمير.
فوا عجبًا كم يدّعي الفضل ناقصٌ ووا أسفًا كم يظهر النَّقص فاضلُ
إن المظاهر خداعة وكثيرا ما تكون مزيفة نرى ونسمع لكثير من الناس فيبهرنا حسن هندامهم وجمال مظهرهم وبريق حديثهم وزيف حضورهم وتعدد ثقافاتهم، وما أن نقترب من أحدهم فحتى نُفاجأ بأن جمال مظهره خلفه قبح جوهر، وأن حلاوة كلماته يكمن بين حروفها سم ثعبان…وأنه ممن يقولون ما لا يفعلون، وممن يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم! {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ * وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ}.
وليس كل ما يلمع ذهبا وجمال الذهب في عتقه، وجمال الصاحب في وده، وطيبة المؤمن في قلبه.
أراد حكيــــم القصر أن يعطي الأمير الصغير ولي العهــد درســا في الحيــاة . فسألــه: مــولاي مـا هـو المعـدن الـذي يستهويـك ويستميلك من دون المعـادن؟ أجــاب الأمير الـصغير بثقـة: الــذهـب بالطبــع . فسألـه: ولــــم الـذهــب؟ أجــاب بثقــة أكثر مـن سابقتهــا: لأنــــــــه ثـمين وغــــال وهــو المعـــدن الــــذي يليــــــــق بالملــــوك . صمت الحكيــم ولــم يجـب.
ثــم ذهــب إلى الخــــدم وقــال اصنعـــوا لي تمثــالين بنفس الشكــل أحدهمـــا من الــذهب الخـالص والآخــر من الطبــاشير وأطلــوا الأخير بطـــلاء ذهبي ليبــدو كأنــه ذهــب خالص، بعــــد يومين أتى الحكيـــم بالأمير أمــام التمثـالين وقــد غطاهمــا فنزع الغطــاء عــن التمثــالين انبهـر الأمير لجمــال صنعهمــــا وإتقانهمــا .
فســأل الحكيــم: مـــا رأي الأمير بمــا يــرى؟ أجـاب الأمير: إنهمـــا تمثـــالان رائعـان مـن الــذهب الخـــالص.
قــال الحكيــم: دقــق يــا مـولاي ألا تـرى فرقـــا بينهمــــا؟ فقــــال : كـــــــلا. فكـرر الحكيـــم: أمتأكــــد يـــا مــولاي.
قــال الأمير بغضـب: قــلت لك كــــلا لـــم أر ألا تـــــــدرك أن كـــلام الملــوك لا يعــــــــاد.
أشـــار الحكيــم إلى خـــادم كـــان يمســـك دلـــو مــاء فـرمى الخـــادم المـــاء على التمثــالين بقـــوة فصعــق الأمير عندمــــا رأى تمثـــــال الطباشير يتـــلاشى ولكـن تمثـــــال الــذهب كـــان يــزداد لمعانـــــا .
فقــــال الحكيـــم: مـولاي هكـــذا النــاس عنــد الشدائــد من كـــان معدنـــه مـن ذهــب يــزداد لمعانــــا ومـن كـــان مـن طـبــاشير يتــــلاشى كأنـــه لا شيء .
إن أخطر أناس نصادفهم الذين يقولون ما لا يفعلون، الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم..الذين يعدون بما لا يستطيعون الوفاء به ويعلمون أنهم يكذبون.