في رحاب الشريعة

سياسة الزوجة وذكاؤها في التعامل مع أخوات الزوج وحَمَاتِها

الشيخ محمد مكركب أبران/

من فنون السياسة الحكيمة لدى المسلم والمسلمة فقهُ المعاشرة والتعايش مع الوسط الأسري والمجتمعي، من أسباب المشاكل الزوجية خصوصا والعائلية عموما، أن تجد الزوجة نفسها في منزل مع إخوته وأخواته، فإذا لم يكن الطرفان متمكنين من فقه المعاشرة الإنسانية، وآداب المعاملة النفسية، فقد تتأزم الأوضاع وتتعقد المشاكل، وقد يحدث انفجار نفسي بينهم، وإذا كانوا يجهلون الحلول الشرعية السلمية، يمكن أن تصل الأمور إلى تمزيق الأسرة وتشتيت أفرادها.
إن أول ما ينبغي عِلْمُه في الوسط العائلي، هو أحكام العلاقات والمعاملات، أي: الأحكام الشرعية، مثال حدود الشرع، فيما يجوز وما لا يجوز، بين الزوجة وأبي زوجها، وبين الزوجة وأخي زوجها، وابن أخي زوجها، وعمه، وبين الزوج وأم زوجته، وبين الزوج وأخت زوجته، وبنت أخت زوجته، وهكذا كل العلاقات، ثم فقه اللباس الشرعي، والسفر الشرعي، والجلوس الشرعي، والكلام الشرعي.
فكل سياسة وكل تربية وكل حوار، يبدأ من فقه الأحكام الشرعية، وجهل الأحكام الشرعية أو عدم تحكيمها هو سبب السقوط في كثير من المشاكل الكبيرة، حتى على مستوى الأحزاب، ومؤسسات الدولة، والجمعيات، وليس بين زوج وزوجة فقط (ونحن هنا نتناول المشاكل الزوجية كمثال للمشاكل السياسية) حين لا يحتكم المتخاصمون المسلمون إلى الشريعة يكونون قد ارتكبوا جرائم من حيث يعلمون، أو من حيث يجهلون، وتستغرب كل الاستغراب حينما تجد كل أطراف الخصومة، يتكلمون بخوف الله سبحانه، وحب الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك يتفرقون ويتعادون، ويمزقون أسرتهم، أو حزبهم أو جمعيتهم، وربما عندما يبلغ بهم الطيشُ مَدَاه، ويصِلُ بهم شَنَآنُهُم إلى مُنْتَهَاه، يمزقون دولتهم كما فعل ملوك الطوائف في الأندلس، الذين بَهْدَلُوا أنفسهم وأُسَرَهُم وكانوا عارا على التاريخ الإسلامي.
قال لي محاوري: في المقال السابق ركزت على دور الزوجة وكيف يجب أن تقوم بدور الطبيبة النفسانية، وتعالج القضايا بالحِكم السياسية، وهذا توجيه لطيف منكم، ونُصْحٌ ظريف لإخوانكم وأخواتكم، ولكن أليس من العدل والإنصاف أن نُحَمِّلَ المسؤولية كل أفراد الأسرة، مثلما في اللجنة، والإدارة، والجمعية، والدولة، نحمل كل الأطراف المسؤولية في وجوب الفهم والتفهم والتفاهم، والعقل والتعقل؟ وفي الأسرة نحمل الزوج الشطر الأكبر من المسؤولية؟ أليس هذا هو الأصل؟
قلت: نعم، وهذا طرح جميل، من فكر جليل، خاصة بالنسبة لملاحظتكم في تحمل الزوج مسؤوليته كاملة، فإذا كان دور الزوج الْقِوَامَةُ وهذا بحكم الشرع، فإن القِوَامَةَ السياسية في إدارة شؤون الأسرة أولى وأهم من قِوَامَةِ النفقة، ويقال للزوجة الأم إن واجبها البيتي في الأسرة رعاية الأولاد، أولا ثم الرعاية النفسية للزوج، وإذا لم يكن لها أولاد، فَقِوَامَتُها رعاية الزوج نفسيا وعاطفيا وأدبيا، أولى وأهم من الوظيفة الخارجية لجمع المال الذي قد يؤدي إلى الجدال ثم إلى المحال.
أولا: فليحذر الزوجان حذر الفطنة والوعي والانتباه، إلى كل علاقة وتعامل من البداية، فعلى الزوج التذكير، تذكير زوجته، ومساعدتها بلطف وحنان، يرشدها أو يذكرها، بحدود التعامل مع إخوته، بشأن اللباس، والكلام، والحضور، مثلا، والواجب على إخوته أيضا أن يعلموا الأحكام الشرعية، ماذا يجوز وماذا لا يجوز، وهكذا كل مسلم ومسلمة، في واجب التفقه في الدين. فلا ينبغي التساهل المؤدي إلى التغافل، ففي الحديث عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:[إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ] فَقَالَ: رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: [الْحَمْوُ الْمَوْتُ] (مسلم.كتاب السلام. 2172).
فما معنى: (الحمو) قال الليث بن سعد الحمو أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج ابن العم ونحوه، وكلمة (الأحماء) تطلق على أقارب زوج المرأة كأبيه وعمه وأخيه وابن أخيه وابن عمه ونحوهم والأختان أقارب زوجة الرجل والأصهار يقع على النوعين.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم (الحمو الموت) فمعناه أن الخوف منه أكثر من غيره والشر يتوقع منه والفتنة أكثر لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه بخلاف الأجنبي.
ومن النصوص الشرعية التي على المسلمة أن تَعْلَمَهَا وتتعلم أحكامها في هذا الموضوع الآية (31) من سورة النور. قال الله تعالى:﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[سورة النور:31].
قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن:( فَلَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُبْدِيَ زِينَتَهَا إِلَّا لِمَنْ تَحِلُّ لَهُ، أَوْ لِمَنْ هِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ، فَهُوَ آمَنُ أَنْ يَتَحَرَّكَ طَبْعُهُ إِلَيْهَا لِوُقُوعِ الْيَأْسِ لَهُ منها). وقول الله تعالى:﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْها﴾ ورد في الجامع أيضا:(لَمَّا كَانَ الْغَالِبُ مِنَ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ ظُهُورُهُمَا عَادَةً وَعِبَادَةً وَذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ، وَالْحَجِّ، فَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعًا إِلَيْهِمَا. يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ، فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَهَا:[يَا أَسْمَاءُ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَحِيضَ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا، وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ](أبوا داود: 4104) (الجامع.12/229).
﴿أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ﴾ يريد ذكور أولاد الأزواج، ويدخل فيه أولاد الأولاد وإن سفلوا، من ذكران كانوا أو إناث، كبني البنين وبني البنات. وكذلك آباء البعولة والأجداد وإن علوا من جهة الذكران لآباء الآباء وآباء الأمهات، وكذلك أبناؤهن وإن سفلوا. وكذلك أبناء البنات وإن سفلن، فيستوي فيه أولاد البنين وأولاد البنات. وكذلك أخواتهن، وهم من ولده الآباء والأمهات أو أحد الصنفين. وكذلك بنو الإخوة وبنو الأخوات وإن سفلوا من ذكران كانوا أو إناث كبني بني الأخوات وبني بنات الأخوات. وهذا كله في معنى ما حرم من المناكح، فإن ذلك على المعاني في الولادات وهؤلاء محارم، والجمهور على أن العم والخال كسائر المحارم في جواز النظر لهما إلى ما يجوز لهم. وليس في الآية ذِكْرُ الرضاع، وهو كالنسب على ما تقدم) (القرطبي:12/233).

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com