روبورتاج

هــل أبنــاؤنــا فــي حاجـــة إلـى الــدروس الخصوصيــــة؟

أ.آمال السائحي

إن الشكوى من سوء أحوال المنظومة التربوية، وسوء أحوال التلميذ والأستاذ، هي بمثابة الألم الذي يلم بالمريض، فيندفع إلى رحلة العلاج، ولكن لابد من تشخيص المرض جيدا، حتى يستطيع الطبيب أن يضع يده على الداء الفاجع، ومن ثمة يقرر أسلوب العلاج الناجع، والدواء المفيد النافع وبما أن الدروس الخصوصية أصبحت تمثل اليوم للتلميذ 80 %، بالنسبة إلى نجاحه أو رسوبه، يحق لنا أن نسأل فنقول: أين هي المنظومة التربوية ودور المدرسة ودور الأستاذ…؟
لقد بات اليوم أولياء التلاميذ مجبرين على اللجوء إلى الدروس الخصوصية ولو كلفتهم الغالي والنفيس، حتى يستطيع التلميذ أو الطالب الاستمرار في دروسه كي لا يتعرض للرسوب مثلا، ويغدو بمقدوره الاستمرار في التجاوب مع الواجبات المدرسية بسلاسة، والنقطة الأهم هي: ضمان الطريقة الجيدة لإيصال المعلومة إلى التلميذ..
ولهذا الغرض استضفنا بعض الأساتذة الكرام، وكان لنا معهم هذا الحوار حتى نفهم هذه الظاهرة التي فرضت نفسها على مجتمعنا اليوم، باعتبارهم طرفا فاعلا فيها إذ يعايشونها يوميا في الميدان، محاولة منا لفهمها وقد كانت أولى أسئلتنا للأستاذة سلمية زكار:

البصائر : لماذا أصبح التلاميذ في مختلف الأطوار التعليمية لا يستغنون عن الدروس الخصوصية ؟
1 – برأيك أيعود هذا إلى عجز الأساتذة عن أداء مهامهم التربوية والتعليمية ؟؟؟
2 – أم إلى خلل في التكوين المعرفي والبيداغوجي للمعلم والأستاذ … ؟؟؟
3 – أم ترجعينه إلى اكتظاظ الأقسام مما يحول بين المربي وبين الاهتمام بكل التلاميذ وإعطاء كل ذي حق حقه ؟؟؟
فأفادتنا قائلة:
-هي عبارة عن كل جهد تعليمي مكرر يمكن أن يحصل عليه الطالب بصورة منفرد أو في داخل حيز مجموعة نظير الحصول على مقابل مادي يتم دفعه للقائم بأدائه. وبعد القيام باختيار عينات عشوائية من مختلف الطلبة والطالبات وكذلك من أولياء الأمور وكذلك بالنسبة للمعلمين وللمعلمات قد تبين ما يأتي: أن ظاهرة الدروس الخصوصية عبارة عن ظاهرة منتشرة انتشاراً واضحاً وواسعاً بما يجعل منها ظاهرة تنتشر بين الطلاب، أكثر من انتشارها بين الطالبات، وأن المعلمين هم أكثر إعطاء للدروس الخصوصية من المعلمات، أمّا أكثر المواد التى يجري عليها الإقبال في الدروس الخصوصية هي: الرياضيات الفيزياء، ثم يتبعها الإنجليزية ثم تتبعها اللغة العربية ثم وأخيراً العلوم الإسلامية..
دلت النتائج على أن استجابة عدد من الطلبة لظاهرة الدروس الخصوصية لكونهم يحتاجونها للتمكن من الحصول على مجموع متميز، لرغبة أولياءهم بذلك، حتى يتمكنوا من الالتحاق بالكليات والتخصصات المرغوبة، كم يلجأ الطلاب للدروس الخصوصية لانصياع أولياءهم لنصيحة معلمي أساتذة أبناءهم.
كما أن خضوع الطلبة للدروس الخصوصية تم بناء على نصيحة أحد زملاء الطلبة بفاعلية هذه الدروس في تحسين مستواهم، ومن أهم الأسباب لا تباع نهج الدروس الخصوصية: إعادة الطالب للمادة ورسوبه فيها، كما يعتبر التكدس وضعف مستوى الطلبة عقبة تحول دون مساعدة المدرس على التوسع في شرح دروس المادة، و كذلك عدم كفاية الفترة الزمنية المحددة للحصة الواحدة.
كما أن الوقت المخصص للدراسة بالمدرسة يعتبر طويلا لكثرة المواد الدراسية المبرمجة في اليوم الواحد، مما يؤدى إلى انخفاض مستوى تركيز الطلبة في كافة الأوقات وطوال الدوام.
وقد تبين من استطلاع رأي كل من المعلمين والمعلمات الآتي:
1 – أن الدروس الخصوصية تثير الخلاف وتتنافى مع مبدأ تكافؤ الفرص.
2 – يمكن اعتبار الدروس الخصوصية سالبة لفرصة مجانية التعليم للطالب والأستاذ.
3 – تعتبر الدروس الخصوصية عبارة عن عمل مرهق ومتعب وممل.
4 – يتوجب بقدر الإمكان البعد عن إمكانية إعطاء الدروس الخصوصية وذلك يغدو ممكنا في حالة توفر الإمكانات والأجور المادية بالقدر المناسب للمعلمين.
ليس كل الأساتذة يعطون المادة حقها من الناحية العلمية، ولا من ناحية تحبيب الطلبة فيها، فهؤلاء يدرسونها من أجل الامتحان وخاصة شهادة البكالوريا، بالإضافة إلى عدم إعطاء المادة حقها حيث تدرس ساعة واحدة وفي المستوى الثاني والثالث ساعتان بالإضافة إلى المعامل المتدني مما يجعل أبناءنا لا يهتمون بها إلا قبيل الامتحانات الرسمية.
ثمّ عرجنا على الأستاذة غادة.س
وطرحنا عليها هذه الأسئلة :
البصائر : برأيكم فيما يخص الدروس الخصوصية التي أصبحت عذابا لأولياء التلاميذ هل تردونه إلى كثافة المنهاج مما يجعل تغطيته مستحيلة على المربي والتلميذ؟ فتحتم على التلميذ الاستعانة بالدروس الخصوصية لتدارك النقص وتجاوز الخلل ؟؟؟؟
– أم تردين ذلك إلى طبيعة الطرق المعتمدة في التعليم كونها طرق تقليدية تعتمد على التلقين والحفظ بدلا من الطرق الحديثة التي تعتمد على دفع التلميذ إلى التحليل والقياس وتجعله طرفا فاعلا في العملية التربوية؟
– أم يعود ذلك إلى عجز المعلمين والأساتذة طبعا عن أداء رسالتهم التربوية والتعليمية..
فأجابتنا الأستاذة الكريمة بمايلي :
-كأستاذة سابقة سأجيب على الأسئلة الثلاث في هذه الكلمة لأنها ترتبط بعضها ببعض، أرى أنه يوجد عدة أسباب أذكر بعضها، الدروس الخصوصية بدأت عندما أصبح التلميذ ليس باستطاعته استيعاب أو كتابة الدرس في الوقت المقرر بالمدرسة فتبقى المعلومة ناقصة لديه، فطبعا الدرس الخصوصي يبقى لابد منه …كذلك بالنسبة للحشو في الدروس والقيمة التعليمية التي يخضع لها التلميذ تفوق استيعابه للدرس.. كذلك يوجد نقطة مهمة جدا بعض التلاميذ يستوعبون الدرس جيدا، ولكن يجد نفسه لا يأخذ العلامة الجيدة التي يستحقها حين يقدم عمله للأستاذ…لأن الأستاذ بكل بساطة لا يعطي العلامة للتلميذ النجيب حتى يجبره على أخذ الدرس الخصوصي مثله مثل زملائه، وهنا ينقلب الأستاذ إلى تاجر جشع يهتم بالجانب المادي وفقط.
تلك حقائق يعيشها التلاميذ وأولياء التلاميذ والأستاذ كذلك، غير أنها استفحلت اليوم كثيرا، كنا نظنها فترة عابرة بالنسبة للسنة الثالثة ثانوي، تتيح للتلميذ الاستعداد الجيد للامتحان النهائي، ولكنها تحولت إلى ظاهرة عامة فرضت نفسها على الجميع، وكلنا نعلم بؤس العائلات التي تحرم نفسها من عدة أشياء، لتوفر مستحقات الدرس الخصوصي لأبنائها ..
وسألنا الأستاذة فضيلة دكومي الأسئلة الآتية:
البصائر : لماذا أصبح التلاميذ في مختلف الأطوار التعليمية لا يستغنون عن الدروس الخصوصية ضف إلى ذلك تعب الأولياء وعناءهم في المراجعة لأبنائهم؟
أترجعين ذلك إلى عجز المعلمين والأساتذة عن أداء رسالتهم التربوية والتعليمية ؟؟؟
أم ترجعين ذلك إلى خلل في التكوين المعرفي والبيداغوجي للمعلم والأستاذ؟؟؟
أم ترجعين ذلك إلى عدم تقاضي هذين الطرفين الأجر اللائق مما يضطرهما إلى دفع التلاميذ للاعتماد على الدروس الخصوصية بطريقة أو بأخرى ؟؟
فأجابتنا قائلة:
-أسباب لجوء التلاميذ في مختلف الأطوار التعليمية للدروس الخصوصية متعددة وكثيرة
– أ- كثافة البرنامج وحشوه من جهة، والتغييرات الكثيرة التي تطرأ على المناهج في كل مرة دون إعداد أو تكوين للمعلم أو الأستاذ من جهة أخرى.
ب-رفض بعض المعلمين الخضوع للتكوين معرفيا وبيداغوجيا بل هناك من يرفض حضور الملتقيات التكوينية إلا شكلا اللهم خريجي المعاهد التكوينية القديمة أو المدارس العليا فهم أفضل في جانب التكوين.
ج-عدم إعطاء المعلم أو الأستاذ الأجرة اللائقة به والمكانة الاجتماعية التي يستحقها كالسكن اللائق، والراتب الكافي الذي يحفظ له كرامته وكرامة عائلته، حتى لا يضطر للجوء إلى الدروس الخصوصية فراتب المعلم والأستاذ في الجزائر هو أدنى راتب في دول المغرب العربي، ناهيك عن دول العالم الأخرى.
د-كثرة عدد التلاميذ داخل القسم الواحد وكثرة الأفواج مما يصعب عملية المتابعة لكل التلاميذ في الفروض والواجبات المنزلية.
هـ- نشاطات لا صفية أضيفت للتلاميذ ومشاريع لا ينجزونها هم بل تنقل من الانترنت كما هي فلم نكلفهم بهاّ.
و-سعة الحجم الساعي أو كثرة الوقت الذي يقضيه أبناؤنا في المدارس من الثامنة صباحا إلى الخامسة مساء في نظام الدوامين فيرجع التلميذ منهكا لينام فلا مراجعة ولا يجدون وقتا للراحة إلا يوم الجمعة.
ح-إدراج بعض الأنشطة لتلاميذ الابتدائي مثل دراسة الوسط أو الجغرافيا لا يمكن للطفل في السنة الثالثة استيعابها مثلا: عرف المناخ والطقس والتضاريس؟ أو اشرح كيفية تكوين الجنين؟-وغيرها من الأسئلة التي لا تناسب مرحلته العمرية.
استقالة بعض الآباء والأمهات من متابعة أبنائهم فالأم أو الأب تجده مثقفا ولكن لا يتابع ابنه بل يدفع به للدروس الخصوصية ليستريح ويدفع ويتحمل تكاليف ذلك راضيا.
وأخيرا نسيان أو تناسي بعض المعلمين لرسالتهم النبيلة وهي وتحولهم إلى أناس يلهبهم الجشع بسوطه حتى ما عادوا يرون في التلميذ إلا خبزة ومصدرا للمادة والربح الوفير، وليس بناء إنسان سوي.
كما أننا ونحن نمارس العملية التعليمية دائما نجد أنفسنا أمام أنواع من التلاميذ لكل واحد منهم قدراته فمنهم الممتاز والقوي في الاستيعاب، ومنهم المتوسط ومنهم الضعيف وهذا المتوسط والضعيف هو من ندعمه ونقويه بالتطبيقات أو الدروس الخصوصية وهذا هو الواقع الذي نحن فيه وعجزنا من سنوات على علاج الظاهرة أو الحد منها لأن هناك جهات تتمنى بقاءها وتتمنى تحطيم المنظومة التعليمية والتربوية عندنا، لأن نجاح التعليم هو نجاح للمجتمع وتطور للبلد وعندما طرحنا الأسئلة على شبكات التواصل كانت هذه هي الأجوبة التي استوقفتنا:
التعليق الأول
يفترض أن يختلف شكل الدرس الخاص عن درس الاستدراك شكلا ومضمونا، لكن الحقيقة أن درس الخاص ليست له أية خصوصية إلا معاملة خاصة، وإلا فإن ما يفترض أن يحصل عليه التلميذ في هذا الفضاء الخاص جدران القسم أولى به شكلا ومضمونا… ولا منة ولا مزية للمعلم في توفيره، ولا دخل لظروف التمدرس بالأمر، فمستودعات الدروس الخصوصية تنبئ بما وراء التذرع المختلق..
التعليق الثاني:
كثرت هذه الظاهرة كثيرا مع كل المستويات من الابتدائي حتى الثانوي ولو كان لدينا ثقافة البحث والاعتماد على أنفسنا في الدراسة، وليس فقط الاعتماد على ما يقدم في المدارس لما وصلنا إلى هذا الاستغلال في الدروس الخصوصية… لان التلميذ لا يحصل على معلومات إضافية.. فقط إعادة لما تم تناوله في المدارس.. لذلك أصبح كل من هب ودب يقدم دروسا خصوصية من أجل الربح إلا من رحم ربي.
والأولياء أصابهم الهلع ولا يهمهم ما يكلفهم ذلك، المهم أن ينجح أبناؤهم بأعلى المعدلات، ولا يهم إن أخذ فائدة أو معلومات جديدة.
التعليق الثالث:
إن تخلخل المنظومة التربوية من قمة الهرم إلى أسفله هي المسئولة عن دروس الدعم، التي ما هي إلا نتيجة حتمية في لهذا التخلخل، ولا استغناء عنها، إلا إذا رجعت الأمور إلى نصابها، فأخذ كل ذي مسؤولية واجبه على عاتقه، كما يجب اعتبار الدروس الخصوصية باختصار شديد نتيجة حتمية وطبيعية لانهيار أي منظومة تربوية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com