سُبُل المحافظة على الأقصى والقدس وفلسطين
د. يوسف جمعة سلامة*/
تحتل فلسطين مكانة مميزة في نفوس العرب والمسلمين، حيث تهفو إليها نفوس المسلمين، فهي أرض النبوات، وتاريخها مرتبط بِسِيَرِ الرّسل الكرام -عليهم الصلاة والسلام-، وهي عزيزة علينا، ديناً ودنيا ، قديماً وحديثاً، ولن نُفرط فيها أبداً مهما كانت المُغريات، ومهما عَظُمت التهديدات.
ولا تخفى مكانة فلسطين في الكتاب والسُّنّة على كلِّ من له إلمام بالعلوم الدينية والدراسات الإسلامية والتاريخية، فيعرف حتماً -من غير شك ولا ريب- أنّ فلسطين جزء من الوطن العربي والإسلامي، وفيها المسجد الأقصى المبارك الذي شرّفه الله سبحانه وتعالى بالتقديس، وجمع فيه الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- ليلة الإسراء والمعراج تكريماً لنبينا محمد – صلّى الله عليه وسلّم -، كما جاء في قوله سبحانه وتعالى:{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، فالمسجد الأقصى المبارك والمسجد الحرام شقيقان، كما ورد في الحديث الشريف: «لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى».
أرض فلسطين وقف إسلامي
إِنَّ أرض فلسطين وقف إسلامي لجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فهي أرض الإسراء والمعراج، وحادثة الإسراء من المعجزات، والمعجزات جزء من العقيدة الإسلامية، فارتباط المسلمين بفلسطين ارتباط عقديّ، وليس ارتباطاً موسمياً مؤقتاً، ولا انفعالياً عابراً، كما أنّها أرض المحشر والمنشر، وقبلة المسلمين الأولى، وواجب عليهم أن يعملوا على تحرير أرضهم ومقدساتهم التي استولى عليها الأعداء، وأن يعملوا جميعاً على مواجهة المخططات الإسرائيلية التي تهدف للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وتهويد المدينة المقدسة، وذلك من خلال النقاط الآتية:
1- العمل على تعزيز وحدة الأمة العربية والإسلامية.
إِنَّ وحدة المسلمين وتضامنهم عمل يُمثل قطب الرحى، ويمثل طوق النجاة لسفينة المسلمين، فالمسلمون لن ترتفع لهم راية ولن يستقيم لهم أمر، ما لم يكونوا متضامنين مجتمعين على كلمة واحدة، فالوحدة أساس كل خير في دُنيا الناس وآخرتهم، والفُرْقة أخطر الآفات التي تقضى على قوة الأمم، فتحرير فلسطين عامة والقدس خاصة رهن بوحدة الأمة وتضامنها وتكاتفها.
ومن المعلوم أَنَّ قوة المؤمنين في وحدتهم، وأَنَّ ضعفهم في فرقتهم وتخاذلهم، فالوحدة فريضة شرعية وضرورة وطنية لمواجهة التحديات والأخطار المحدقة بفلسطين بصفة عامة والمسجد الأقصى المبارك بصفة خاصة، وهذا يتطلب:
– العمل على وحدة الصف الفلسطيني، وإعادة اللحمة إلى الشعب الفلسطيني؛ كي يعود كما كان دائمًا نموذجًا للشعب المرابط الصامد المدافع عن المقدسات.
– إعادة التضامن العربي في إطار جامعة الدول العربية، وضرورة العمل على إزالة الخلافات العربية وإرساء قواعد التعاون، بما يؤدي إلى فاعلية قراراتها، فالعرب هم قلب الإسلام النابض.
– تفعيل دور منظمة التعاون الإسلامي، وذلك بجمع كلمة المسلمين؛ من أجل الحفاظ على المقدسات في فلسطين وفي مقدمتها المسجد الأقصى المبارك، وضرورة مساعدة المقدسيين المرابطين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس.
فمن الواجب على العرب والمسلمين استخدام علاقاتهم الدولية ومقدراتهم للضغط على المجتمع الدولي والدول الداعمة للاحتلال؛ لثنيها عن ذلك، واعترافها بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم الفلسطينية والمحافظة على مقدساتهم، كما تقع مسئولية كبرى على الجاليات العربية والمسلمة في الغرب بتعريف شعوب الدول المقيمين فيها بالظلم والعدوان الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، وتفنيد الأكاذيب التي يُروجها الاحتلال الإسرائيلي.
– حثّ العلماء على توعية الأمة بأهمية الوحدة، ويتم ذلك من خلال المنابر والوسائل الإعلامية المختلفة، وإظهار أهمية الوحدة العربية والإسلامية لمواجهة أية أخطار مُحدقة بفلسطين ومقدساتها.
2- التمســك بالأرض والمقدســات.
فلسطين بقعة مباركة، بل هي من أقدس البلاد وأشرفها، ولها في قلوب المسلمين جميعا مكانة سامية، حيث جاء التنويه بها في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية الشريفة، لذلك يجب على شعبنا الفلسطيني ومعه كل العرب والمسلمين أن يتمسكوا بالثوابت الوطنية، والحقوق التاريخية، وعدم التفريط أو التنازل عنها تحت أي ظرف إقليمي أو دولي، كما يجب على الجميع أن يحملوا عبء القضية الفلسطينية؛ لأنها قضية كل مسلم، فأبناء شعبنا الفلسطيني لم يُقَصِّروا في الدفاع عن أرضهم السليبة، فهم بدينهم متمسكون، وعن عقيدتهم وأوطانهم مدافعون، ولم يُفرِّطوا في شبر واحد من فلسطين الحبيبة، وستبقى فلسطين لنا والقدس لنا إن شاء الله.
3- العمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية في القدس وفلسطين.
نظرًا للمعاناة الشديدة التي يعيشها أبناء شعبنا الفلسطيني في القدس، فإنَّنا نؤكد على ضرورة دعم أبناء شعبنا في المدينة المقدسة ماديًّا ومعنويًّا، وفي جميع المجالات الاقتصادية والإسكانية والتعليمية والصحية والتجارية والشبابية بما يُمَكِّنهم من البقاء والصمود والتكاثر والعمل في القدس؛ ليشكلوا درعًا لحماية فلسطين والقدس والمسجد الأقصى والمقدسات، فعلى صخرة صمودهم وثباتهم تتحطَّم كل المؤامرات، وكذلك المساهمة في دعم عمليات الترميم داخل المدينة المقدسة وخارجها؛ للمحافظة على الطابع العربي والإسلامي للمدينة المقدسة، وذلك من خلال عمل وقفيات لكل مشروع من هذه المشاريع، تكون مصدرًا ثابتًا مستمرًا للمحافظة على القدس وفلسطين، ودعم صمود أهلها.
4- إنشاء جهاز إعلامي لإبراز قضية القدس وفلسطين.
إنَّ الإعلام سلاح قوي فعّال في إبراز الحقائق التاريخية المتعلقة بالمقدسات في القدس وفلسطين، وحيث إنَّ قضية القدس وفلسطين تتصدر من حيث الأهمية قضايا عالمنا المعاصر الذي يعيش ثورة الاتصالات، فإنّنا نُوصي بوجوب الاهتمام بالإعلام المسموع والمرئي والمقروء؛ لإبراز القضية الفلسطينية بصفة عامة، ومدينة القدس بصفة خاصة، وذلك عن طريق إنشاء جهاز إعلاميّ مُوَحَّد قادر على نشر الحقائق الثابتة تاريخيًّا وسياسيًّا ودينيًّا، والمُؤَكِّدة على الحقوق العربية والإسلامية في القدس وفلسطين، كما يجب على وسائل الإعلام المختلفة فضح الجرائم والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة في القدس وسائر الأراضي الفلسطينية، خاصة في هذه الأيام التي يتعرض فيها المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح وحي سلوان وغيرها من الأحياء لاعتداءات المحتلين صباح مساء، وما العدوان الإسرائيلي الإجرامي على قطاع غزة أخيراً عنّا ببعيد، و ضرورة مخاطبة المجتمع الغربي والدولي بذلك وبلغات متعددة؛ ليتعرف الجميع على الاعتداءات الاجرامية الإسرائيلية التي طالت المقدسات والبشر والشجر والحجر.
5- ضرورة تدريس مساق عن القدس وفلسطين في المؤسسات التعليمية.
المؤسسات التعليمية بصفة عامة والجامعات بصفة خاصة تضم بين جنباتها خيرة أبناء الأمة من الشباب، الذين هم أمل المستقبل وعدّة الحاضر، وقلب الأمة النابض وبحر علمها الفيّاض؛ لذلك كان من الواجب علينا جميعاً أن نعمل على تعزيز الوعي بقضية فلسطين عامة والقدس بصفة خاصة من خلال مناهج التربية والتعليم في الوطن العربي والعالم الإسلامي، وذلك لتعريف أبناء الأمة بمكانة القدس وفلسطين في الكتاب والسنة، وأنَّ ارتباطهم بفلسطين هو ارتباط عَقدي وتعبدي وتاريخي وسياسي وحضاري، لذلك يجب عليهم المحافظة عليها والذّود عن حِمَاها.
6- تكوين فريق من المحامين للدفاع عن المدينة المقدسة وفلسطين.
يجب تشكيل فريق من المحامين الفلسطينيين والعرب والمسلمين وأحرار العالم؛ للدفاع عن أهالي مدينة القدس بصفة خاصة وأهالي فلسطين بصفة عامة، وذلك بفضح الممارسات الإسرائيلية في المحاكم الدولية والمنظمات الحقوقية والأمم المتحدة.
إِنّ فلسطين بصفة عامة ومدينة القدس بصفة خاصة بحاجة إلي خُطوات فعلية تُسهم في المحافظة على عروبتها وإسلاميتها ودعم صمود أهلها، فمدينة القدس احتلت عبر التاريخ مرات عديدة، ولكنها لفظت المحتلين وستلفظ هذا المحتل إن شاء الله.
نسأل الله أن يحفظ شعبنا وأمتنا والقدس والأقصى والمقدسات وسائر بلاد المسلمين من كل سوء وصلّى الله على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
* خطيب المسـجد الأقصى المبـارك
وزير الأوقاف والشئون الدينية السابق
www.yousefsalama.com