صناعــــة التماثيـــل لـــذوات الأرواح غيــــر مشــروعــــة

الشيخ محمد مكركب أبران
Oulamas.fetwa@gmail.com/
قال السائل:
طُلِبَ مني المشاركة كمهندس، في إقامة تمثال قيل إنه لشخصية تاريخية من قبل الميلاد، في جسد إنسان كامل الأعضاء، وصرفوا بشأنه مبلغا باهظا. قال السائل: وسؤالي هل يجوز صناعة هذه التماثيل؟ فإنني خفت من النهي عن التصوير. وكتلك التي يزينون بها المباني العالية، أو الساحات العمومية؟ وهل تجوز التماثيل الصغيرة بحجم الكلب والأسد في البيوت؟ وهل يجوز صناعة التماثيل لمقاصد علمية؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: صناعة التماثيل لشخصيات، معروفة أو مجهولة، كانت سبب الوثنية التقليدية، وكانت سببا في انتشار الصور الإباحية من جهة أخرى، وفي التاريخ القديم كانت سببا في انتشار الوثنية.
منذ قديم الزمان، من عهد اليونان والإغريق والرومان، وربما قبل ذلك، وبعض القبائل والشعوب، يقدسون التماثيل، يصنعونها من الخشب أو من الطين، أو من الرخام أو الحديد والبرونز، أو الفضة والذهب، إما تقليدا لآبائهم، أو تقليدا لأهل المدنيات الْمُزَيَّفَة، الذين ينحتون الصور والتماثيل العارية، وينصبونها في ساحات المدن، وعلى شرفات القصور، أو على أسوار وأبواب المدن. وبعضهم يصنعونها ليعبدوها، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ. إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ. قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ.﴾ (الأنبياء:51 ـ 53) وعليه فإن صنع التماثيل للأشخاص، وتنصيبها، وتقديسها، ليست من قبيل المنطق الشرعي، ولا التاريخي، ولا الاجتماعي.
وقد يكون الدافع بداية لنصب التماثيل، هو حفظ الذكريات، لأشخاص أو مناسبات، أو لِمَعَالِمَ تاريخية كما يقولون، ولكن هذه الأسباب غير كافية، فإن التمثال مع طول الزمن يصير رمزا مقدسا من شعارات أبناء الذين صنعوه ونصبوه في غياب الشورى العلمية، وفي غياب التدين الصحيح، ثم يتحول التمثال إلى رمز من رموز هُوية من نصبوه، ثم يصبح سببا للعصبية، والفتن الجاهلية، يتقاتلون من أجله، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: [صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب: كوَدّ، وكانت لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الجَنْدَلِ، وَسُوَاع التي كَانَتْ لِهُذَيْلٍ، ويَغُوثُ كَانَتْ لِمُرَادٍ، ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجَوْفِ، عِنْدَ سَبَإٍ، وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ، وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ لِآلِ ذِي الكَلاَعِ،. كانت أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم، أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك وَتَنَسَّخَ العلم عُبِدَت] (البخاري.4920). (تنسخ العلم) زالت معرفة الناس بأصل نصبها)
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مَنْ صَوَّرَ صُورَةً عَذَّبَهُ اللَّهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا، يَعْنِي الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا] (الترمذي:1751).
ثانيا: قال السائل: وهل تجوز التماثيل الصغيرة بحجم الكلب والأسد في البيوت؟ ورد النهي عن الصور في البيوت ففي الحديث:[لاَ تَدْخُلُ المَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ تَصَاوِيرُ] (البخاري.5949) ثم لافائدة في تمثال صغير أو كبير في البيت وفي فتح الباري لابن حجر قال:{وَقَدِ اسْتَشْكَلَ كَوْنُ الْمَلَائِكَةِ لَا تَدْخُلُ الْمَكَانَ الَّذِي فِيهِ التَّصَاوِيرُ مَعَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عِنْدَ ذِكْرِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ من محاريب وتماثيل وَقَدْ قَالَ مُجَاهِدٌ كَانَتْ صُوَرًا مِنْ نُحَاسٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ، وَقَالَ قَتَادَةُ كَانَتْ مِنْ خَشَبٍ وَمِنْ زُجَاجٍ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ جَائِزًا فِي تِلْكَ الشَّرِيعَةِ.. قال: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ التَّمَاثِيلَ كَانَتْ عَلَى صُورَةِ النُّقُوشِ لِغَيْرِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ. وأورد الشارح. حديث عائشة، في الباب، وفيه تفصيل لمن أراد التوسع} (شرح الحديث.5949)
. قال النووي:{قال العلماء سبب امتناع الملائكة من بيت فيه صورة كونها معصية فاحشة وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى وبعضها في صورة ما يعبد من دون الله تعالى وسبب امتناعهم من بيت فيه كلب لكثرة أكله النجاسات} ش.ن.ح.2106)
ثالثا: قال السائل: وهل يجوز صناعة التماثيل لمقاصد علمية؟ والجواب نعم، لِمَا كان خاصا بالمخابر العلمية من أجل الشرح لطلبة العلم. والله تعالى أعلم.