حــــرب غـــزة تكــشــــف الـمستـــــور
عبد العزيز كحيل/
مهما كانت الاختلافات وحتى النزاعات بين المسلمين لم يكن يخطر بالبال أن تصطف طائفة منهم مع العدوان الصهيوني ضد القدس وغزة، وتعبر عن أملها في سحق المقاومة، وتمنع الدعاء للفلسطينيين، وتتبنى الطروحات الصهيوية… وحدث هذا، فما تفسيره؟ للمختصين أن يدرسوا هذه الظاهرة ويقولوا كلمتهم فيها لكن الذي يستوقفني هنا هو ضرورة وقوف الجماهير المسلمة وتنظيماتها وعلمائها أمام هذه الظاهرة الجديدة العجيبة وإدراك خطرها الكبير على وحدة الأمة وعقيدتها وقضاياها ومستقبلها.
اكتشفنا أيام العدوان على غزة أن حصوننا مهددة من داخلها، ويكفي طرح هذا السؤال: ما هو شعور كل مسلم تجاه من يفرح بالاعتداء على مقدسات المسلمين وأرضهم، بقتلهم وتشريدهم والتودد إلى العدو الصهيوني ونصرته وموالاته والفرح بانتصاره على المسلمين والحزن على هزيمته؟ لا يجدي نفعا تغطية الشمس بغربال، فالحقيقة المرة ماثلة، رآها كل ذي عينين وسمعها كل ذي أذنين: هؤلاء الذين ينسبون أنفسهم إلى السلفية فرحوا بما حدث لغزة، ودعوا للعدو بالانتصار، ودعوا على المقاومة بالويل والثبور، خذلوا الفلسطينيين وسخروا منهم، وعظموا الجيش الصهيوني ومجدوه وتمنوا انتصاره وسحقه للمقاومة… لِمَ كل هذا؟ لأن حركة حماس إخوان، والإخوان إرهابيون، وهم ومن يؤيدهم ليسوا من الفرقة الناجية، وبالتالي هم ليسوا مسلمين بل هم «أخطر من اليهود والنصارى» كما تردد أدبياتهم من زمان.
حقد بلغ الذروة، لا أقول على الإخوان فحسب، بل على كلّ فلسطيني مقاوم رافض للاحتلال بدءا بالمرابطين بالأقصى لحمايته من الاقتحامات اليهودية… إذًا بيننا قوم يهود أكثر من اليهود، هم في الأصل مسلمون لكنهم يلعبون دور اليهود، يمثلون الكيان الصهيوني أحسن تمثيل… ما جدوى صلاتهم وحرصهم على «السنة» وادعائهم احتكار السلف الصالح؟ ما فائدة صلاة لا تطهر النفوس من الحقد على المسلمين وكراهيتهم وتمني انتصار عدوهم؟ السجود الحقيقي ليس انطواء الجسم أمام الله بل هو اقياد القلب لهداه… رأينا بأعيننا ولمسنا بأيدينا قسوة قلوبهم على المسلمين فكأنها حجارة بل أشد قسوة، ولمسنا للمرة الألف لينهم مع اليهود و«اعتدالهم» معهم… إنه إغلاق العقول وغياب الفهم وانحراف الفطرة، جعلت منهم وحوشا بشرية وهم يزعمون التديّن ويحتكرون بالحديث باسم الإسلام، الصواريخ تنهمر على المدن المحتلة – بما فيها تل أبيب – والصراخ يتعالى من المتصهينين «المسلمين» باسم الإنسانية!!!
قضية فلسطين عموما والحرب الأخيرة خصوصا أبانت أنه يعيش معنا أشخاص أكثر يهودية من اليهود… يسخرون في عز العدوان مما يسمونه الصواريخ العبثية، بينما الصواريخ العبثية هي تلك التي اشتراها «ولاة الأمور» بأموال الأمة ثم صدئت في المخازن، وليست تلك التي صنعتها أياد متوضئة ودكت بها تل أبيب، لقد أعماهم الحقد عن إبصار الذعر الذي أصاب اليهود من الصواريخ، الحرائق التي نشبت، الملاجئ التي امتلأت، القتلى والجرحى، من صنع هذا؟ غزة المحاصرة منذ 15 عاما تردع الجيش الصهيوني، فكيف لو لم تكن محاصرة؟ لكن القوم منعوا حتى الدعاء للمظلومين، بل انشغلوا مرة أخرى وبالحدة المعهودة بإخراج زكاة الفطر عينا لا نقدا… لو استمع مفجرو ثورة الجزائر للمرجفين والمثبطين والمطبعين من طينة هؤلاء ما استقلت الجزائر أبدا.
إنّهم خنجر مسموم في ظهر الأمة، بدؤوا مشوارهم معها بالتبديع والتفسيق والتكفير وهدم القامات الكبرى والرموز الرفيعة، وها قد انتهوا إلى الاصطفاف الصريح مع العدو في ساعة الحرب، كيف يجوز السكوت عنهم أو تجاهلهم؟ الأمر لا يتعلق بحالات فردية منعزلة بل هو منهج الفرقة كلها بشيوخها وأتباعها، مهمّتها زعزعة صف المسلمين باسم الدين، وبث سموم الإرجاف والتثبيط والجبن والاستسلام وصولا إلى التطبيع مع العدو وفق خطة متدرجة تبدأ بالهزيمة النفسية وتنتهي بالتنازل عن المقدسات والحقوق، وقد استعانوا هذه الأيام بفتوى ربيع المدخلي التي يؤصل فيها للصبر على الاحتلال والرضا به وترك جهاده لأن زكريا ويحي وعيسى عليهم السلام عاشوا هناك تحت الاحتلال الروماني ولم يكلفوا بالجهاد لتحرير فلسطين… تعامى الرجل عن أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يخالف شرعنا، وشرعنا واضح كالشمس في وجوب درء العدوان والجهاد في سبيل الله.
على العلماء أن يتولوا مهمة البيان، وعلى الدعاة والمربين أن ينتبهوا إلى خطورة المسألة ويعملوا على إنقاذ أولئك الشباب المغرر بهم من هذا المسلك الخطير.