هل تحاول فرنسا اختطاف سمعة الأمير عبد القادر ؟
أ. عبد الحميد عبدوس/
مرت يوم الأربعاء 14شوال 1442هـ الموافق 24ماي 2021 الذكرى 138لوفاة مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة وأول قائد للمقاومة الشعبية الجزائرية ضد المحتل الفرنسي الأمير عبد القادر بن محيي الدين الجزائري .لقد كان الأمير عبد القادر رمزا مشرقا في تاريخ الجزائر وأحد عظماء التاريخ الإنساني، وإذا كانت الجزائر التي أحب ترابها وجاهد في سبيلها لم تتمكن إلى حد اليوم من انتاج فيلم سينمائي يكون في مستوى عظمة هذا البطل الجزائري الملحمي وجديرا بتخليد مآثره لإثراء رصيد القوة المعنوية للجزائر، فإن فرنسا التي غدرت بالأمير عبد القادر ونكثت معاهدتها معه وسجنته وحكمت عليه بالنفي وقضاء بقية حياته بعيدا عن وطنه ما زالت تحاول سرقة مجده والاستفادة من ألق سمعته، فكانت من جملة التوصيات التي قدمها المؤرخ بنجامين ستورا للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضمن مقترحات معالجة ملف الذاكرة بين الجزائر وفرنسا تشييد تمثال للأمير عبد القادر بفرنسا. إذ جاء في المقترح الثالث من مقترحات ستورا : « صنع تمثال للأمير عبد القادر، الذي قاتل ضد غزو الجزائر في منتصف القرن التاسع عشر، في أمبواز (إندري-إي-لوار)، حيث عاش في المنفى بين عامي 1848 و1852، ويمكن وضع النصب التذكاري بمناسبة الذكرى الستين لاستقلال الجزائر في عام 2022.»
هذا المقترح رفضته عائلة الأمير عبد القادر الجزائري ووصفته بمحاولة «اختطاف جديدة» وقال الدكتور محمد بوطالب شميل أحد أحفاد الأمير عبد القادر ورئيس مؤسسة الأمير عبد القادر تعليقا على المقترح الفرنسي : « نرفض تشييد تمثال للأمير بفرنسا التي سجن فيها واحتجز بها كرهينة»
قال الأمير عبد القادر عن نفسه: «لوجمعت فرنسا سائر أموالها وخيرتني بين أن أكون ملكا عبدا أوأن أكون حرا فقيرا معدما، لاخترت أن أكون حراً فقيرا»
لقد كان الأمير عبد القادر أحد عظماء التاريخ الإنساني، وقد أورد الكاتب والإعلامي عبد العزيز بوباكير في مقال له بعنوان (تحف الأمير والدوق دومال) وصفا للماريشال الفرنسي سولت اعتبر فيه الأمير عبد القادر الجزائري بأنه إلى جانب محمد علي المصري والإمام شامل الداغستاني –كلّهم مسلمون– أعظم ثلاث شخصيات في القرن التاسع عشر.
ولا غرابة في ذلك فقد تسابق زعماء العالم من أمثال الإمبراطور نابليون الثالث إمبراطور فرنسا، والقيصر ألكسندر الثاني قيصر الروس، والملكة فيكتوريا ملكة انجلترا، والملك غاريبالدي ملك إيطاليا، والملك أوتون الأول ملك اليونان، والملك غيوم الأول ملك بروسيا، والرئيس أبراهام لنكولن، رئيس الولايات المتحدة ،وسلفه الرئيس الأميركي جامس بوكانان لتكريم الأمير عبد القادر والإشادة بخصاله القيادية والإنسانية وإتحافه بالهدايا القيمة ،خصوصا بعد إنقاذه لأرواح ما يقارب 15000 مسيحي بدمشق سنة 1860.
في سنة 2013 وبمناسبة الذكرى الثلاثين بعد المائة لوفاة الأمير عبد القادر صرحت الأمريكية بيتي بوشهولز، مديرة متحف مدينة «القادر» لقناة (الحرة) قائلة: «إن الأمير عبد القادر كان محلّ إعجاب كبير من قبل الأميركيين في الوقت الذي كان يقاوم فيه المستعمر الفرنسي، وكتبت عنه العديد من الصحف الأميركية مثل «نيويورك تايمز» مقالات صورته فيها بطلا حقيقيا، حتى أن بعض الأميركيين كانوا يلقبونه بجورج واشنطن الجزائر.
رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية المرحوم فرحات عباس يقول عن الأمير عبد القادر الجزائري: «إنه قد جمع الحذاقة والدبلوماسية الفائقة مع العبقرية العسكرية السامية والمهارة الحربية الرائعة» ووصفته حفيدته الأميرة بديعة الحسني الجزائري بأنه أشبه «بالجبل الشامخ الذي يحتوي على كنوز نادرة» ويرى الرئيس السابق للجنة الدولية للصليب الأحمر جاكوب كيللنبيرغر «إن بعضا من القوانين التي سطرها الأمير عبد القادر لم تفقد من قيمتها حتى اليوم»؟
أما الكاتب البريطاني الشهير روبيرت فيسك فوصفه بأنه «قدوة للمسلمين ومثار إعجاب للغربيين» وقال عنه في جريدة (الأندبندنت) البريطانية: «الأمير عبد القادر نموذج للأمير المسلم، والشيخ الصوفي والمحارب الشرس، والإنسان الذي حمى شعبه ضد البربرية الغربية، وحمى المسيحيين من بعض المتشددين الإسلاميين. حظي الأمير عبد القادر باحترام أعدائه قبل حلفائه»
ويذكر الكولونيل الانجليزي شارل هنري تشرشل في كتابه: (حياة الأمير عبد القادر) الذي ترجمه وقدم له المرحوم الدكتور أبوالقاسم سعدالله في معرض حديثه عن المخصصات المالية التي يقبضها الأمير من الحكومة الفرنسية: «..وعند التأمل في عادات عبد القادر يصبح هذا الدخل أكثر مما يحتاجه، بل يصبح بذخًا، وكان يمكنه أن يعيش عيشة أمير بهذه الثروة وينغمس في التباهي، ولكنه كان خاضعًا لمبادئ أخرى. فعبد القادر الذي كان دائمًا معارضًا لإرضاء النفس قد نظر إلى هذا المرتّب الكبير كأمانة، لذلك قرر أن يأخذ منه ما هوضروري لمصاريفه الخاصة، وأن يصرف الباقي على الآخرين. فقد كرّس دخْلَه لتلبية حاجات كثير من أولئك الذين رفضوا بنبلٍ أن ينفصلوا عن مصيره.
وقد أورد المؤرخ والداعية الليبي الدكتور علي الصلابي نصا تاريخيا مهما جاء فيه: «يقول رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ويليام كلادستون الذي حكم بريطانيا بين 1868-1874 (وعرف بأنه أخبث وأمكر رئيس وزراء بريطاني بعد هاميلتون)، يقول: حاولت بكلّ ما أملك أن أقنع الأمير السيد عبد القادر الجزائري بمنصب إمبراطور العرب لكي نوظفه ونستغله ضد العثمانيين، وبالرغم من العداء الشديد الذي كان بينه وبين الأتراك فإنّني لم أفلح بالرغم من كلّ الإغراءات والوعود والمزايا التي وضعتها فوق الطاولة للأمير بما فيها استقلال الجزائر وخروج المحتل الفرنسي من الجزائر، لكنه كان يرفض ذلك جملة وتفصيلا ومن دون نقاش…»
هذه بعض الحقائق عن الأمير عبد القادر الجزائري الذي التحق بجوار ربه في 26 ماي 1883 .وقد كان ومازال وسيظل-بإذن الله – فخرا للجزائر وللعرب وللمسلمين وللإنسانية المحبة لقيم الشهامة والسلام والتسامح.