ما الذي جاء به وزير الخارجية الأمريكي لفلسطين؟
أ د. عمار طالبي/
كنا نتوقع من السيد وزير الخارجية الأمريكي الذي يمثل سياسة بايدن الجديدة أن يأتي بشيء جديد يشير إلى حل مشكلة الاحتلال الذي طال، بأن يعترف بدولة فلسطين، وهو ما كانوا ينادون به منذ أمد طويل، ولكن لم نر جدّية لا من قبل وعود الأمريكان، ولا من وعود الاتحاد الأوروبي، وهذا التماطل وعدم الجدّية، أدى إلى حروب، وكلما وضعت حرب أوزارها، بعد هدم الديار ونهب الأرض وقتل الأطفال نادوا بالإنساني وإعادة الإعمار، فلا إعمار أعيد، ولا حلّ الإشكال خطا خطوة جديّة تؤدي إلى جدول يحل في آخره السلام، وتؤدى فيه حقوق الفلسطينيين، ومن أهمها حقهم في دولة فوق أرضهم وهذا أتاح الوقت للصهاينة أن يبنوا المستوطنات وأن يغتصبوا الأراضي، ويخرجوا أهلها منها، ويستولوا على منازلهم، ومزارعهم، ويبنوا الجدران، والقلاع من القرى، والأبنية مما يجعل إقامة دولة فلسطين من المحال إذا دام الأمر على هذا الحال.
إننا لا نسمع إلا أن أمريكا تضمن أمن الصهاينة، وأنهم لهم الحق أن يدافعوا عن أنفسهم، وهل ليس من حق الفلسطينيين أن يدافعوا عن أرضهم ووطنهم وكرامتهم؟
فالصهاينة يدافعون بقوة السلاح وبالجيش المحترف المدرب ضد حركة تحريرية لها حق دولي أن تتخلص من الاستعمار واحتلاله، ومظالمه، وقتل أبنائهم، إن هذا المنطق غريب إذ أصبح من يدافع عن أرضه ووطنه إرهابيا، ومن احتل أرضه بالقوة أمرا مشروعا، وله أن يدافع عن نفسه، فمن هو الأحق بالدفاع المعتدى عليه أم المعتدي.
فمتى جاء الصهاينة إلى هذه الأرض محتلين؟
تتهم هذه المقاومة بالإرهاب تهمة باطلة فهي لا تعتدي على أحد بغير حق.
وإنما تقاوم من احتل أرضها لا غير.
إن هذا هو منطق القوة، لا منطق الحق، كنا ننتظر من مقالات بايدن من الديمقراطية، والحرية، والإنسانية، وحقوق الإنسان، أن يفعل شيئا يعيد حق الفلسطينيين في الدولة، وحقوقهم الأخرى، ولكن وزير خارجيته ينادي بالمعونة الإنسانية وإعادة الإعمار، ويستمع إلى رئيس حكومة الصهاينة، وهو يهدد الفلسطينيين، ويعتقل المواطنين الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، متغطرسا متفرعنا، مع فشله الذريع أمام المقاومة ذات الإرادة وقلة السلاح والمال، ألا يأخذون درسا من فيتنام والهند الصينية، وأفغانستان.
وقد وصفوا طالبان بالإرهاب وهم اليوم يتفاوضون معها وينسحبون من أفغانستان بعد عشرين عاما من التدمير مع حلفائهم الستين، وهل استطاع الجيش الفرنسي مع الحلف الأطلسي الذي تحالف معه أن يتغلبوا على إرادة الجزائريين مع قلة سلاحهم؟ إن العبرة بالإرادة وقوة العزيمة.
إن الشباب الأمريكي أدرك مظالم الصهاينة وعاينها، وأدرك سياسة أمريكا الظالمة التي تمد إسرائيل بالمال والسلاح الذي يقتل أطفال فلسطين فثاروا وكتبوا ما كتبوا من العرائض كما أن اليسار من الديمقراطيين في الكونجرس الأمريكي ضاقت صدورهم من هذه المظالم وخاطبوا رئيسهم الجديد بمنع بيع السلاح للصهاينة.
والأمر الجديد أيضا هو شباب فلسطين وهذا الجيل الجديد الذي اشتدت إرادته وهب لتحرير وطنه.
إن الشباب الأمريكي والشباب الفلسطيني جيل جديد يعرف حقوقه وحقوق غيره ولا مرد لإرادته في عصرنا هذا. إن تصريحات وزير الخارجية الأمريكي تدل على تقسيم الفلسطينيين، فهذه حكومة، وهذه مقاومة ولا يعترفون بالمقاومة ويسمونها بالإرهاب، ألا ينظرون إلى الواقع إنه المقاومة فهي أحق عنصر يعترف به ويتفاوض معه.
إن هذا الإصرار على وهم الإرهاب لا يؤدي إلى حل المشكلة وإنما هو تضليل ورفض للوقع المؤثر الذي قضى على خرافة صفقة القرن التي طبل لها ترمب وزمّر.