وهـل يفيد جمع الأصفـار مع قلـة الفاعليـن الـمباركين
أ. لخضر لقدي/
كانت أمتنا مهيبة الجناح ترتعد فرائص أعدائها ويحسب لها ألف حساب، ولم يكن ذلك بكثرة عدد ولا عتاد، بل بإيمان ومحاسن فِعال وكثرة فاعلين مباركين طبقوا مبدأ: آمِنْ ثُمَّ اسْتَقِمْ.
واليوم تمر أمتنا ودعوتها الإسلامية بأصعب أيامها وأتعس لياليها، فقد بات الخطر يتهدد دينها وينذر باقتلاع قيمه من جذورها في ظل عولمة غربية خبيثة ماكرة تبتعد كل يوم عن هدي السماء.
كما يتميز حال الأمة بغثائية قاتلة تجعلها قصعة مستباحة كما وصفها الحديث: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل».
يصدق عليهم وصف الشاعر: عدد الحصى والرمل في تعدادهم … فإذا حسبت وجدتهم أصفارا.
وقد تميز عصر النهضة الحديثة خلال القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين بجيل وجماعات مباركة ميمونة أيقنت أن في الحركة بركة وتميزت بالفعالية والمنافسة في الخير والبذل والتعليم والإصلاح والإرشاد، وعملت على لملمة الجسد الواحد وبث روح المبادرة، فكان من نتائجها المباركة إعادة ثقة الناس بدينهم بصفته منهجا شاملا للحياة، وعملت على عودة جمهور الناس لدينهم باعتباره فطرة الله التي فطر الناس عليها، إذ لا يمكن أن يعيش الإنسان سعيدا دون دين، وبذلك كانت نهضة أحيت القرآن، وأحيت الإسلام، وأعطته حياة جديدة شعارها الحفاظ على الهوية مع ضرورة التغيير والتجديد.
وكانت بواعث الإصلاح في العالم الإسلامي محاربة تردّي الأوضاع الداخلية ومحاربة الاستعمار وطرد الجهل، واستئناف المسيرة الحضارية، وكانت مجالات الإصلاح كثيرة ومتعددة تجمع إلى جانب خدمة الدين ولغته العربية ومقاومة سلخ المجتمعات من دينها وقيمه، فأنشأت المدارس وألقت دروس العلم والفقه والوعظ، وكتبت في الصحف والمجلات لتوعية طبقات الشعب، وأنشأت النوادي وفرق الرياضة والكشافة، وعملت على إذكاء روح النضال في أوساط الشعب لتحرير البلاد من العبودية ورفع الظلم المسلط على اللغة والدين.
والمتأمل لحركات الإحياء والتجديد لا تفوته ملاحظة تركيز قادة الإصلاح على الفرد والأسرة باعتبارهما محور الإصلاح وركيزة كل تغيير، الأمر الذي تغافلت وتكاسلت عنه الحركات المعاصرة التي اختطفت العمل الإسلامي وأصبح لا هم لها إلا العمل السياسي.
ولله در أمير الهمة والبيان شكيب أرسلان الذي كاتبه رجال من الشرق والغرب يطلبون منه تأسيس كيانات وتجمعات فقال: « تأتيني كتب كثيرة من المغرب، وجاوا، ومصر، وسوريا، والعراق، ونفس فلسطين بلدكم، مقترحا أصحابها عقد مؤتمر إسلامي أو انتخاب خليفة أو ما أشبه ذلك، ويكون جوابي دائما: يجب أن نؤسس من تحت، يجب أن نُربّي الفرد…، أما أن نعقد مؤتمرا مجموعا من أفراد ليس لهم إرادة مستقلة وهم لا يقدرون أن يُنفّذوا قرارا، فما فائدة ذلك؟ أتريد أن نجمع أصفارا؟».
فكان مفكرا واسع المدارك ممتدّ الأفق ينفُذ إلى أعماق القضية مُستندا إلى سنن الله المضطردة بين عباده، فهداه الله إلى الطريق الصحيح.
وهذا ما نبه إليه الإمام حسن البنا رحمه الله في رسالة المؤتمر الخامس:» وجوب الجد والعمل، وسلوك طريق التكوين بعد التنبيه، والتأسيس بعد التدريس» فجاءت كلماته تكشف عن قمة وعي بالطريق الأسلم.
ولم يغب هذا الأمر عن عالم الجزائر وكبير مصلحيها الشيخ عبد الحميد بن باديس الذي كانت نظريته في التربية إصلاح الفرد هو الأساس، وطريقته في التربية هي توعية هذا النشء:» فصلاح الفرد هو صلاح المجموع والعناية الشرعية متوجهة كلها إلى إصلاح النفوس».
أما الجيل الذي تربيه حركات العمل الإسلامي المعاصرة التي اختطفت جهد رجال الإصلاح وحولته إلى وجهة أخرى غرقت في بحر السياسة فأصبح شبابهم يتنافس ولو بالكيد والكذب والغش وكلهم يقول للمناصب: «أنا لها»، وظنت أن هذا الواقـع من القدر المقدور، وأن هذه المعادلات القائمة سنة مقررة لا يمكن اسـتبدالها، وبذلك أهملت الجوهر واهتمت بالشكل، فكان الجوهر مفقودا والشكل موجودا، وكان عملهم بلا فائدة كمن يحرث في البحر.
ولقد أحسن من وصف فقال:
تبلد في الناس حس الكفاح
ومالوا لعيش وكسب رتيب
يكاد يزعزع من أمتي
سدور الأمين وعزم المريب
واليأس ليس من شأن المصلحين، ولن يكون صلاح الدين إلا بصلاح الدين.