في رحاب الشريعة

بشرى لمن صام رمضان وثبت على منهاج القرآن ملتزما بشعب الإيمان

الشيخ محمد مكركب أبران
Oulamas.fetwa@gmail.com/

المؤمنون الصادقون هم الذين يثبتون على منهاج الاستقامة في رمضان وفي كل زمان ومكان، ما داموا أحياء يُرزقون، وما داموا يُعْلِنون أنهم مسلمون، سلوكهم موزون بشعب الإيمان، وأخلاقهم بضوابط القرآن، أولئك حقا هم المتخرجون من جامعة رمضان، وهم حقا الذين رتلوا القرآن وأقاموا الليل بصلاة التراويح ولهجت ألسنتهم بالدعوات والتسابيح. وفي البحث سبعة أمور.
الأمر الأول: الاستمرار والثبات على هدى الأنبياء. فقال: ﴿اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ اعملوا بأحكام الشريعة، بلازيادة مُحْدَثة، ولانقصان عن عصيان، واسْتَمِرُّوا ودُوموا على الإسلام إلى أن تفارقوا الحياة الدنيا، ومن هذا التوجيه الإلهي علم المؤمنون الصادقون في إيمانهم والمهتدون بسنة نبيهم، أنهم كما يكونون في رمضان حياء وكرما وتسامحا وقياما، يستمرون طول حياتهم في عبادة الخالق الرازق، وفي معاملة العباد، وفي الجد والاجتهاد، والإعداد والجهاد. ولكن بم يتحقق استمرار الْمُتقين على منهاج سنة خاتم النبيين؟
الأمر الثاني: دوام الاستقامة: وهو استمرار الانضباط في القيام بالعبادة لله عز وجل، كما أمر تبارك وتعالى، والتحلي بمكارم الأخلاق والآداب، وجميل المعاملات وفق قواعد الصواب، ومن ذلك إعظام المقام مع الخالق تبارك وتعالى، بنفس الحيوية والحماس والطاعة والمحبة والإخلاص، ومن علامات دوام الاستقامة: أداء الفرائض في وقتها وبكل شروطها، ويثبت المؤمن على مبدأ الأولويات، فيؤدي الفرائض قبل النوافل، ويؤدي الحقوق قبل التطوع، وتزكية النفس وتقويمها وتهذيبها قبل دعوة الناس،. ومن علامات دوام الاستقامة، الصلوات المكتوبة في المساجد، وقيام الليل في البيت، بقدر ما يستطيع المؤمن، فالنوافل ومنها قيام الليل، تقام في البيت، والصلوات المكتوبة، في المساجد، لمن استطاع، وهي: الصبح، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء. وفي الذهاب إلى المسجد فضل وثواب، فعن عثمان بنِ عفَّانَ رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء، ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة، فصلاها مع الناس أو مع الجماعة أو في المسجد غفر الله له ذنوبه] (مسلم.232)
الأمر الثالث: المداومة على القيام بالورد القرآني: ومعنى الورد القرآني، قراءة شيء من القرآن الكريم في كل أربع وعشرين ساعة، ففي الحديث.عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [من نام عن حزبه، أو عن شيء منه، فقرأه فيما بين صلاة الفجر، وصلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من الليل] (مسلم:747) فالمؤمنون يتنافسون في تدبر القرآن الكريم، ويواظبون على مجالس القرآن، وأُذَكِّرُ نفسي وكل إخواني وأخواتي، بقراءة القرآن، ومن حفظ آية من القرآن، أي وعاها بقلبه، فليحرص على أن لا ينساها. اللهم ربنا ذَكِّرْنَا من القرآن ما نُسِّينَا.
الأمر الرابع: الجود والإنفاق في سبيل الله:فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، وإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبه، كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون مثل الجبل] (البخاري.1410) ويعلم المؤمن أن الفقراء والمساكين واليتامى والأرامل لايحتاجون (القفة) في رمضان فقط، وإنما ماداموا فقراء، يحتاجون: اللباس والمأوى، ووسائل التعلم، ووسائل العلاج، بالنسبة للمرضى.
الأمر الخامس: حفظ اللسان: فمن تمام جلال وجمال الاستقامة بعد أداء الفرائض وحقوق العباد. الإمساك عن الشر، بأن لا يؤذي أحدا بلسانه، ولا بيده، ولا بعينه، ولا بتتبع هفواته. فما أجمل من ينال أجر الصدقة بغير أن يتصدق بشيء، ذلك الذي يرغب بنية صادقة في أن يتصدق ولكنه لايجد ما يتصدق به، فيدعو للناس بالخير، ولا يتكلم في أعراضهم، وإن استطاع أن يدافع عنهم في غيبتهم. عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [على كل مسلم صدقة]، فقالوا: يا نبي الله، فمن لم يجد؟ قال: [يعمل بيده، فينفع نفسه ويتصدق] قالوا: فإن لم يجد؟ قال: [يعين ذا الحاجة الملهوف] قالوا: فإن لم يجد؟ قال: [فليعمل بالمعروف، وليمسك عن الشر، فإنها له صدقة] (البخاري. 1445) قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ، وهو يعظه:[ كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا] وأشار إلى لسانه. قال معاذ: فقلت: يا نبيَّ الله، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فقال: [ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ] (الترمذي :2616).
الأمر السادس: الثبات على حسن المعاملة، كاستمرار التجار، في تجارة الرحمة والقناعة، والتاجر الذي يعامل الناس بقواعد الاستقامة تقوم تجارته على ضوابط، منها:1 ـ جلب السلع والبضائع النافعة والصالحة والكافية، وعرضها في وقت الحاجة، ولا يكتمها عن طالبها. ففي الحديث.[لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ] (أبوداود: 3447) 2 ـ أن لايبالغ التاجر في السعر، ذلك لأن الضابط هنا مستمد حكمه من القاعدة الإنصافية وهي من أشهر كليات المعاملة لدى المؤمنين، إنها القاعدة المتضمنة في الحديث. [لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ] (مسلم.45). 3 ـ يحذر المسلم أن يبيع سلعة فاسدة، بناء على القاعدة السابقة، الشيء الذي لاتحبه لنفسك لاترضاه لغيرك، وبيع الفاسد غش وخيانة. وفي الحديث. [مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا] (مسلم.101)
4 ـ من آداب التُّجَّار الأبرار حُسْنُ عرض البضاعة، ودوام فتح المحلات التجارية، لتزدهر الأسواق، وتزداد الأرزاق، ويدوم الخير والنَّفْعُ والإشراق. ومن إخواننا التجار الذين يسمعون هذا التذكير، الخبازون الذين يقومون بالْخِبَازة، والْخِبازة: حِرْفةُ الخباز. يقال لهم، إنه من البر والإحسان، الاستمرارُ على الإخلاص والإتقان، بمراعاة القواعد الصحية، والشكل والكيفيات البهية، والعرض الجميل في كل الأوقات التي يفترض فيها وجود الخبز وحضور الخباز، ومِمَّا يُذَكَّرُ به الخبازون: عدم استعمال المواد المضرة التي قد تُزَيِّنُ الشكل، وتفسد القيمة الغذائية للخبز. فالخباز، واللحام، واللبان، وكل التجار يحملون أمانة كبيرة، هي أمانة صحة المواطن. فليحذر الذين يخالفون قواعد الصحة، وضوابط الأحكام الشرعية،. فعندما يأتي المشتري إلى التاجر ويطلب منه قنينة لبن، أو علبة جبن، فإذا كانت فاسدة يكون التاجر آثما، وكل مشتقات الحليب التي تعالج بالمواد الحافظة، أو يضاف إليها مواد لاتعرف من أين تجلب، لايجوز للمسلم أن يبيعها وفيها ضرر.
الأمر السابع: التعامل بقيمة التسامح والتراحم. ما أجمل مجتمع التسامح وكل القيم الإيمانية الجميلة، كالرفق، والعفو، والغفران، وسائر الأخلاق الحسنة، وليس هذا بصعب على الشعوب المسلمة. ثم إن هذه القيم من الفرائض التي تقوم عليها فريضة كبرى هي فريضة الأخوة والولاء العام بين المؤمنين.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com