ظلم موثق في الدنيا وغدا..؟!

الشيخ نــور الدين رزيق /
المجتمعات التي تغيب عنها العدالة مجتمعات مصيرها الانهيار وعدم الاستقرار لذلك فمن مصلحة الحاكم تطوير منظومة العدالة وتحصينها من أي انزلاقات قد تكلف غاليا استقرار أي مجتمع ينتج عنه تزايد السخط الشعبي وتنامي الإحساس بعدم الأمان والاعتقاد بأن هذه المنظومة هي منظومة معطوبة غير قابلة للإصلاح وأداة تصفية للخصوم السياسيين وعاجزة عن ضمان حقوق الناس وفاشلة عن القيام بدورها في الحفاظ على ثقة الأمة في قاضيها الأول .
إِنَّ من أهداف الحكم الإسلامي الحرص على إِقامة قواعد النِّظام الإِسلاميِّ الَّتي تساهم في إِقامة المجتمع المسلم، ومن أهمِّ هذه القواعد العدلُ، والمساواة.
لو عدنا إلى نظام العدل زمن الخلافة الراشدة فالفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه قدوةً في عدله، أسر القلوب، وبهر العقول، فالعدل في نظره دعوةٌ عمليَّةٌ للإِسلام، به تفتح قلوب النَّاس للإِيمان، وقد سار على ذات نهج الرَّسول (صلى الله عليه وسلم)، فكانت سياسته تقوم على العدل الشَّامل بين النَّاس، فقد حكم بالحقِّ لرجلٍ يهوديٍّ على مسلم، ولم يحمله كفر اليهوديِّ على ظلمه، والحيف عليه. أخرج الإِمام مالكٌ من طريق سعيد بن المسيِّب: أنَّ عمر بن الخطَّاب ـ رضي الله عنه ـ اختصم إِليه مسلمٌ، ويهوديٌّ، فرأى عمر: أنَّ الحقَّ لليهوديِّ، فقضى له، فقال له اليهوديُّ: والله لقد قضيت بالحقِّ!
لأهمية هذا المبدأ شدد الشارع الحكيم على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فعن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (القضاة ثلاثة: قاضيان في النَّار، وقاضٍ في الجنَّة، رجل قضى بغير الحقِّ فعلِمَ ذاك فذاكَ في النَّار، وقاضٍ لا يعلم فأهلك حقوق النَّاس فهو في النَّار، وقاضٍ قضى بالحقِّ فذلك في الجنَّة) رواه الترمذي.
-كما يقتص المؤمن المظلوم ممن ظلمه من الخلائق، مؤمنهم وكافرهم، إنسهم وجنهم .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ ) رواه البخاري (2440).
فالإِسلام قد سوى بين الحاكم والمحكوم، ولا بدَّ لهذه المساواة أن تكون واقعاً حيّاً وليس مجرَّد كلماتٍ توضع على الورق، أو شعاراٍ تردِّده الألسنة ونصوصا دستورية لا تخرج إلى دنيا الناس.