بيع المرابحة. مفهوم ومصطلح البيع بالمرابحة؟

الشيخ محمد مكركب أبران
Oulamas.fetwa@gmail.com/
السؤال
قال السائل: (ج. ن.) من المغرب. ذهبت إلى البنك لشراء سيارة بالتقسيط، فقال لي المدير التجاري عندنا طريقة البيع بالمرابحة، نشتري لك السيارة التي تشاء، وتزيدنا فيها ربحا معلوما مسبقا، وتدفع ثلث المبلغ، والباقي تدفعه على أقساط. وسؤالي هل هذا البيع بهذه الطريقة جائز؟ وما معنى البيع بالمرابحة؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أولا: أصل البيع والشراء في المباح مباح، والأصل في الأشياء الإباحة إلا ما حرم الله ورسوله بنص صريح: قال الله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ﴾(النساء:29) والتجارة هي البيع والشراء، وبيع وشراء الحلال حلال على الإطلاق وفق رضا الطرفين، مالم يصب طرف ثالث بضرر، وهذا من باب أن الإتاء قوامه المقاصد، اثنان تاجران يبيعان ويشتريان في الحلال بغير ربا ولا رشوة ولا تطفيف فهما في الحلال. قال الله تعالى:﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ (البقرة: 275).والبيع لغة هو مقابلة شيء بشيء أو هو مطلق المبادلة وهو من أسماء الاضداد أي التي تطلق على الشيء وعلى ضده، وفي الاصطلاح يُعَرَّفُ البيعُ بأنه: مبادلة المال المتقوم بالمال المتقوم، تمليكا وتملكاً. ومن أنواع البيع: بيع المقايضة: وهو بيع العين بالعين كبيع الثوب بالحنطة. والبيع المطلق: وهو بيع العين بالثمن كبيع الثوب بالدنانير. والصرف: وهو بيع عملة بعملة، أو بيع الذهب بعملة، كبيع الدينار بالليرة، أو الدرهم بالريال. والسَّلَم: وهو بيع الدين بالعين كبيع التمر أو البرتقال أو القمح وغيره بالدينار.
ومن أنواع البيوع: بيع المرابحة وهو مبادلة المبيع بمثل الثمن الأول وزيادة ربح معين.
ثانيا: فما هو بيع المرابحة الذي سأل عنه الأخ السائل؟
سأذكر للسائل والقارئين معا عدة تعريفات عن قصد لسيولة وسهولة الاطلاع، والتنوع في الدراسة عامل من عوامل الاستيعاب والترسيخ، والله تعالى أعلم.
المرابحة لغة: مفاعلة مصدر رابَح، يُرابح، رابحْ، بمعنى أبيعك السلعة الفلانية على أن ترابحني، من باب المفاعلة الذي يستدعي مشاركة الاثنين أو أكثر. وهي: البيع برأس المال مع زيادة معلومة محدودة وقت العقد، أي: الربح برضا البائع والمشتري. أو بيع المرابحة هو:{بَيْعُ السِّلْعَةِ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ وَزِيَادَةِ رِبْحٍ مَعْلُومٍ لَهُمَا، (يرضى بذلك الطرفان، في الوقت الذي لا يتضرر فيه طرف آخر).. وَإذن فبَيْعُ الْمُرَابَحَةِ مِنَ الْبُيُوعِ الْجَائِزَةِ} ويقال: بعته السلعة مرابحة، على كل عشرة دراهم درهم واحد أو درهمين مثلا، وكذلك اشتريته مرابحة. والله تعالى أعلم وهو العليم الحكيم.
ومن تعريفات الفقهاء: عرفها ابن جزي في القوانين الفقهية، بقوله:{فأما المرابحة فهو أن يُعَرِّفَ صاحبُ السلعة المشتري بكم اشتراها ويأخذ منه ربحاً إما على الجملة مثل أن يقول اشتريتها بعشرة وتربحني ديناراً أو دينارين وإما على التفصيل وهو أن يقول تربحني درهما لكل دينار أو غير ذلك} (ص:174) وقال ابن رشد:{المرابحة: هي أن يذكر البائع للمشتري الثمن الذي اشترى به السلعة ويشترط عليه ربحاً ما للدينار أو الدرهم} (3/229).
وهكذا يعلم السائل أن حكم بيع المرابحة: جائز شرعا. قال الماوردي (وأما بيع المرابحة فصورته أن يقول أبيعك هذا الثوب مرابحة على أن الشراء مئة درهم وأربح في كل عشرة واحد فهذا بيع جائز لا يكره. قال: والدليل على جوازه عموم قوله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ (البقرة: 275) (الحاوي الكبير.5/279) وأعجبني تعليل أحد الفقهاء في بيانه عن جواز بيع المرابحة فقال:{والحاجة ماسة إلى هذا النوع من البيع (بيع المرابحة) لأن قليل الخبرة الذي لا يهتدي في التجارة يحتاج إلى أن يعتمد خبرة أهل الفهم والذكاء والتجربة، وتطيب نفسه بمثل ما اشترى وزيادة ربح} (كتاب البناية في شرح الهداية:8/ 232) والله تعالى أعلم وهو العليم الحكيم.
ثالثا: حكم بيع المرابحة للآمر بالشراء. قلت: ويتفرع عن بيع المرابحة العادي الذي بيناه آنفا، يتفرع عنه نشاط منه وهو الذي تعمل به البنوك في عصرنا، وهو: بيع المرابحة للآمر بالشراء. وهذا اصطلاح حديث ظهر منذ فترة وجيزة، فرضته الظروف المستجدة، في المجال الذي لا يعود بالضرر على أحد، وأول من استعمله بهذا الشكل هو: سامي حمود. في رسالته الدكتوراه بعنوان (تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق مع الشريعة الإسلامية) (بحث أعده سنة:1976م) قلت: وهذا مما يعرف عن بعض الفقهاء {بأن الفتوى تتغير بتغير الظروف دون مخالف الحكم الشرعي} وهذا منها أي:{بيع المرابحة للآمر بالشراء}.
وقد شاع استعمال هذا الاصطلاح لدى البنوك الإسلامية التي تتعامل وفق أحكام الشريعة الإسلامية، وصار بيع المرابحة عن طريق الأمر بالشراء بالاتفاق عن ربح معلوم.
وطريقة ذلك أن يتقدم العميل المشتري الذي يحتاج سلعة كسيارة أو بيت أو عتاد التجهيز الطبي، والصناعي، أو غير ذلك. يتقدم إلى البنك طالباً من المدير التجاري، شراء السلعة المطلوبة بالوصف الذي يحدده المعني أي العميل، وعلى أساس الوعد منه بشراء تلك السلعة مرابحة بالنسبة التي يتفقان عليها ويتفقان على دفع الثمن مُقَسَّطاً بالتراضي بينهما، حيث يتفق البنك والعميل وهو الزبون الذي يريد الشراء، على أن يقوم البنك بشراء البضاعة المقصودة، ويلتزم طالب السلعة بأن يشتريها إذا أحضرها البنك، كما يلتزم البنك بأن يبيعها له، بسعر آجل تحدد نسبة الزيادة فيه على سعر الشراء مسبقاً، أي في المجلس، ولا يزاد في السعر العام ولا في سعر الأقساط المتبقية.
فهل هذه الطريقة جائزة أيضا. والجواب نعم. لأن الأصل في الأشياء الإباحة، ولأن البيع بهذه الطريقة يتم عن تراض، ولا يتعدى إلى محرم. عملا بقوله تعالى﴿إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ﴾ وقال تبارك وتعالى:﴿وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ وبما جاء في الحديث. عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[ إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ] (ابن ماجة، كتاب التجارات:2185) وكذلك فإن بيع المرابحة جائز قياساً على جواز عقد الاستصناع. والله تعالى أعلم وهو العليم الحكيم.