ما قل و دل

القراءة عندنا وعندهم/ محمد الصالح الصديق

القراءة ضرورية كضرورة الطعام والشراب، والشمس والهواء، فالذي لا يقرأ لا يستطيع أن يعرف نفسه ولا غيره، ومن هنا فهو جاهل، والجهل عار ووصمة لاسيما عندما يكون المرء قادرا على القراءة.

ومن مميزات الحضارة الإسلامية أنها حضارة علم ودين، وحضارة فكر وقلم، فكتابها يقول في أول ما نزل منه:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}.

والذي يثير الأسى أن الأمة الإسلامية أمة القراءة ولكنها لا تقرأ، وقد كانت مضرب المثل في القراءة، فأصبحت مضرب المثل في أنها لا تقرأ، وأنها هجرت الكتاب وصدت عنه، في الوقت الذي نرى أمما غيرنا يزدادون رغبة في القراءة ونهما فيها، فمطابعهم تتدفق كل يوم بملايين الكتب وشعارهم هل من مزيد؟

والعجيب في الأمر أن هذه الظاهرة عمت بلواها وشملت الصغار والكبار، الطلبة والأساتذة، وقلما تجد من يصادق الكتاب، فجلهم عادوه وهجروه، وإذا قرأوا اقتصروا على كتب المواد التي يدرسونها، وكم من أستاذ جامعي اكتشفت من خلال حديثه أنه قضى عقودا من عمره دون أن يقرأ كتابا كاملا، وإنما يكتفي بتصفحه إذا وقع في يده، أما أن يشتري كتابا، أو يستعيره للقراءة فليس من اهتمامه، وكل الطلبة والأساتذة يلجأون إلى الكتاب عندما تضطرهم الظروف إلى ذلك، أما أن يتخذوا الكتاب أنيسا وصديقا، وأستاذا يستجلي لهم الغامض، ويستكشف المجهول، ويستدني القصي، ويوسع المدارك فذلك أبعد ما يتصور منهم.

وإذا أردت –قارئي الكريم-أن تدرك عزوفنا عن القراءة في الجزائر –على سبيل المثال- وإقبال غيرنا عليها، فخذ هذا المثال، أو هذه المقارنة وتأملها جيدا:

معدل ما يطبعه الناشر عندنا في السنوات الأخيرة إلى سنة 2007 هو ألف نسخة، وقلّ جدا من يطبع ثلاثة آلاف نسخة، أما في روسيا –مثلا- فمعدل ما يطبع في الطبعة الأولى مليون نسخة، فإذا نفذ في أمد وجيز طبع منه مليونان. لأن الشعب الروسي شعب يقرأ.

أما نحن فأمة اقرأ ولكنها لا تقرأ، لأنها انصرفت عن القراءة إلى التلفزة والمذياع، إلى الغناء ووسائل الترفيه، تركت الكتاب وأعرضت عنه، وانقطعت لسماع زفير وشهيق، وصفير وتصفيق، ونُعاق، ونقيق.

ويوم الـمُنى –عندنا- يوم تصبح القراءة فيه تعليم، على غرائز الناس، وينصرفون أغلب أوقاتهم عن الضجيج والتهريج، إلى التثقيف والتلقيح والتمويج، {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ}.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى

مرحبا بكم في الموقع الرسمي لجريدة البصائر

 

تفتح جريدة “البصائر” صفحاتها للأساتذة الجامعيين والمؤرخين والمثقفين، لنشر إسهاماتهم في شتى روافد الثقافة والفكر والتاريخ والعلوم والأبحاث، للمساهمة في نشر الوعي والمبادرات القيّمة وسط القراء ومن خلالهم النخبة وروافد المجتمع الجزائري.

على الراغبين والمهتمين إرسال مساهماتهم، وصورة شخصية، وبطاقة فنية عن سيرهم الذاتية، وذلك على البريد الالكتروني التالي:

info.bassair@gmail.com